فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: مجزرة بيت لاهيا إمعان في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ونتيجة للفيتو الأمريكي    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    التزام عميق للجزائر بالمواثيق الدولية للتكفّل بحقوق الطفل    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض الأعمال الجيّدة الرّاقية تذهبُ أدراجَ الرّياحِ لقصور في تشخيصِ فنّيَّتِها
"الجلفة انفو" تحاور الشاعر يوسف الباز بلغيث


حوار مع الشاعر يوسف الباز بلغيث
الكاتب والشاعر يوسف بلغيث الباز من أهم الكتاب في مدينة الجلفة الذين تستقرأ في انتاجاتهم البحث عن التجديد وعن إمكانات التوغل في فضاء النص والكلمة، ففي أجواء مدينة "البيرين" نهض قلمه من عمقها التاريخي كي يستمر في كتابة الحكاية الإبداعية التي شهدت في البيرين ميلادا متعددا، منذ الشيوخ الأوائل على ايقاع النص الملحون وصولا إلى الوزن والقافية وإلى المساحات الجديدة التي انبجست داخل نثر الكاتب والشاعر البيريني يوسف البازبلغيث، ذاك الذي استلهم في حداثته أجواء الماضي ونظم على إيقاع الرسائل الأدبية نصوصا تعيد نفس الكلمة العربية من جديد، تتقبلها ولا تنفر منها .
يوسف الباز بلغيث، ليسانس أدب عربي -جامعة الجزائر- أستاذ مجاز في اللغة العربية، تحصل على الجائزة الوطنية الثالثة في الشعر –مسابقة معهد اللغة والأدب العربي / جامعة الجزائر 1994، كما تحصل على الجائزة الوطنية الرابعة في شعر المديح – مسابقة وزارة الشؤون الدينية / 1996 أيضا الجائزة الوطنية الأولى في الشعر – الملتقى الوطني الأول للأدب و السياحة /2000 .
وعربيا تحصل على الجائزة العربية الأولى مناصفة مع الأردن وسوريا لأحسن كلمات غنائية بمهرجان الأغنية العربية بالقاهرة- مصر بقصيدة " لحن الوفاء "- ممثل الإذاعة و التلفزيون - 2000.
مثل الشاعر يوسف الباز بلغيث الجزائر في مهرجان الأغنية العربية بالجزائر بقصيدة " سافرتُ طويلا " 2007، وعضو إتحاد الكتاب الجزائريين. ونائب رئيس إتحاد الكتاب / فرع عين وسارة الجزائر. كما يعتبر عضوا بدائرة الشعر المغربي .
مدرج اسمه بالموسوعة الكبرى للشعراء العرب / الجزء الأول . الإمارات العربية المتحدة 2009/2010، وأيضا بموسوعة أعلام وشعراء الجزائر – طبع دار الحضارة بالجزائر / 2004
شارك الشاعر في 30 ملتقى وطني وملتقيين عربيين "مهرجان المدينة بعنابة – الجزائر" وملتقيين دوليين.
هو بترتيب ال 36 شاعرا الأوائل في الوطن العربي في مسابقة " شاعر العرب " التي أقامتها قناة " المستقلة " بلندن. 2007.
- له إسهامات - نقدية – شعرية – قصصية – سياسية- بالمجلات الوطنية والعربية.
أشرف فيما سبق على ركن " الرسائل الأدبية " بالمجلة الإلكترونية السورية "أسواق المربد"، كما أشرف أيضا على ركن "الفكر والفلسفة" بالمجلة الإلكترونية السعودية "عناقيد الأدب".
تحصل على أحسن لقاء أدبي في ركن " مرافئ الضوء " بالمجلة الإلكترونية السعودية " عناقيد الأدب ". كما تحصل على شهادة تقدير في الأدب – شعر / نثر – من إدارة منتديات الفكر والأدب المصرية 2009.
تحصل أيضا على المرتبة الثانية في مسابقة الإبداع الأدبي / سحر البيان 2008 / عناقيد الأدب السعودية. وعلى المرتبة الأولى في مسابقة الخاطرة / سحر البيان 2009 / عناقيد الأدب السعودية. وعلى المرتبة الثالثة في مسابقة المقال / سحر البيان 2010 / عناقيد الأدب السعودية.
صدرت له بعض من الدواوين نذكر منها " نبضاتُ الاغتراب " منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين / 2001. "أنفاسٌ تحت القصف" مطبعة الفنون البيانية – الجلفة / الجزائر / 2006 . "الهودج" دار أسامة للنشر و التوزيع بالجزائر / 2008. كما أن له مشاريع منتظرة كدواوين مخطوطة منها "أغنيّاتٌ بازيّة"، "الحبُّ يُشرق غدا"، "قلق النواعير". ومخطوط نثري "ومضات نثرية – خربشاتٌ على حفرية حزن" تحت الطبع.
له أيضا مخطوطات أخرى مثل مجموعة قصصية بعنوان "حروفٌ تشعرُ بالبرد"، "هواجس مطر" خواطر أدبية فكرية. وكتاب "تقابلات" مزاوجة أدبية فنية تنظيرية . "فاكهة الغرباء" مقالات.

كل هذا يدفعنا إلى الاقتراب بمهل من يوسف الباز بلغيث، هذا الشّاعر البيرينيّ الجلفاويّ الجزائريّ الذي دأب على النّهوض الإبداعيّ في كتاباته.. وانطلاقا من نصّه النثريّ الذي يقول فيه: ( الحرفُ نارٌ.. إمّا يكوي فيَشْفي.. ! وإمّا يحْرقُ فيَشْوي..!) يمكننا أن نسأله
1- هل يمكن لنا أن نفهم النّص بمتخيّلاته وبكل تحوّلاته داخل هذا التنوع الذي أرى فيه تمكنا حقيقيا من الإمساك بالكلمة، كيف يفسّر لنا الشّاعر الباز حقيقة هذا التنوع ؟
في البدء أوجّه شكري الخالص لهذا المنبر الإعلاميّ الجلفاويّ الجزائريّ الثقافي الرّائد (الجلفة إنفو)..ولا يفوتني بمناسبة العام الجديد 2013 إلاّ أن أتقدّم إليكم بأحرّ التّهاني وأطيب التّماني، راجيًا من المولى الحقّ أن يديمَ على بلادنا الأمن واليمن والأمان وسائر بلاد العرب والمسلمين؛ وأمّا ما يخصّ سؤالكم، فالتنوّعُ في الكتابة يربأُ بالحرفِ إلى دافع التأثّر بالأدب العربي الجميل _ تحتَ رايةِ صنوفِه النثريّة و الشّعريّة _ ثمّ بقيمةِ المُقتَنى منه دونَ تخطيطٍ مُسبق؛ولا أدَّعي علمًا بكلّ الصّنوف، بقدر ما أريدُ التّدليلَ على نتيجةِ التّلقّي الجميلِ الذي سيؤدّي بالكاتبِ إلى إنتاجِ جمالٍ موازٍ ،قد لا يقلُّ أهميّةً وقيمةً عن الذي تأثّر به !
2- تعدّدتْ المفاهيمُ في 0ستنطاق "الكلمة الإبداعية" ..فكيف ترى التّعامل مع النصّ الشّعري الموزون في ظل التغيّرات المعرفية التي لمست هذا النّصَ، باعتبارك منتجًا له من خلال مجموعاتك الأولى، وكيف يكون في رأيك التّجديدُ داخلَ فضاءاته ؟
قد يَحسنُ بنا الوقوفُ عند قضيّة المفاهيم المستنطقة ل"الكلمة الإبداعية " لتتمّ فيما بعدُ الإجابةُ عن دور هذه المفاهيم في بلورة الفضاء المتألّقِ للنّصِّ الشّعري في ظلِّ التغيّراتِ المعرفيّة له؛ وعليه فالكلمةُ الإبداعيّةُ ليست بحاجةٍ إلى تفسيرٍ حرفيٍّ دلاليٍّ، يُوصل مدَى الدّهشةِ والجمال داخلَ النّصّ الجديد لدَى عُفاةِ الحداثة وطُلاّبِ التّحرُّر النّسَقيّ من القصيدة العموديّة، وهم بحاجةٍ ماسّةٍ إلى تشرُّبٍ عميقٍ من العمودِ الخليليّ، ليتمَّ عبرَه المرورُ إلى الأفق القشيب للقصيدة الجديدة..ويكفي أنّ نشيرَ إلى أنّ قيمةَ المكافأة لبعضِ المؤسّساتِ العربيّة والغربيّة كان بحجمِ التّجنّي على التّراث..بدْءًا بالدّين والأخلاق العربيّة الإسلاميّة.. !! وأمّا ما يُصبُّ في جدلية الاعتراف بالإبداع نفسِه، فأنا لا أنفي وجودَ وتأثيرَ هذا الإبداع، بقدْر ما أنوِّه إلى خطورة فاعليّته .. بل يوجدُ ما هو حداثيٌّ عربي، يرجع الفضلُ به وله في تشكيلِ قصيدةٍ حداثيّةٍ من حيث الشّكل، والمضمون والمبنَى الشّعريِّ .. ولكنّ المشكلَ في الاتّجاهاتِ الجديدة التي رأت في هذه الحداثة الممنهَجة السّاحرة متّكأً في أنْ تبرِّرَ خروجَها على النّمط القديم، باسم الخروج وفقط؛ أي" خالف تُعرفْ !" ومن المغالبة ساعتَها أنّ نصدّق بمُتشاعرٍ يتشدّق برؤَى الشّعر الحديث ،ولم يقف مرّةً على أطلال القصيدة الأصيلة.
3- قرأت لك بعضا من النّصوص الغنائية خاصة تلك التي شاركت بها في بعض الملتقيات الدولية، حدثنا عن هذه التجربة؟
لا جرمَ أنّ الشاعرَ لا يتحكّم فيما يصل إلى خَلَدِه التّخيّلي والوجدانيّ من هواجسَ وإملاءاتٍ شعريّة، وبالتّالي فهذه التجربةُ الفنيّةُ ستكون بمنأًى عن تصريفِ الشّاعر لها بشكلٍ ما. والكلمةُ الشّعرية ستتلفّفُ بأثوابٍ متنوّعة تبعًا للحالة النّفسيّة للشّاعر، حتى يصوغَها غنائيةً ،أو فصيحةً كقصيدٍ..و.. إلخ..ومن الأمانة أنّ ما مثّلتُ به الجزائر عربيّا كان محضَ الصُّدفة في خضمّ بحْثِ اللّجنةِ المُوكَّلة من قبل وزارة الثّقافة لتمثيلِ 0تحاد الإذاعة والتّلفزيون بمهرجانات الأغنيّة العربيّة مرّةً بالقاهرة سنة 2000 ومرّةً ثانيةً سنة 2007 بمناسبة الجزائر عاصمة الثّقافة العربيّة.
4- عوالم الشاعر هي عوالم تحاول أن تعطي صورا فلسفية معينة ووجهة نظر بشكل فنّي استيتيكي، كيف ترى عوالم هذا الإبداع في ظل إسقاطاته للمعرفة والثقافة بكل تنوعها، لأن المبدع ينطلق من حقول معرفية ويحاول أن يفرش تصوراته لقضاياه بشكل إبداعي معين، ما هي الحالات الفلسفية وربما الاجتماعية التي تمخضت في الداخل وأنتجت نصوصا تعبّر عن آرائك في فضائها؟
لا يفوتني هنا إلاَّ أنْ أشكرَ أخي الأستاذ الشّاعر والمترجم "ميلود حميدة" الذي جمعتني به الأقدار _0فتراضيّا _ بمنتدى "صدانا" الإماراتي، وقد ترجم لي بعضًا من نصوصي"خربشاتٌ على حفريّةِ حزن" إلى الإسبانيّة
مَن لا فلسفةَ له لا أدبَ له ؛ والشّاعرُ الذي يصوّر فلسفتَه دون دراية أو تجربة أو 0حتكاكٍ بالواقع في هذه الحياة سينبثق حرفُه ريشةً في مهبّ الريح، وبما أنّ الإبداعَ له عوالمُه فلابدّ من تجسيد الشّاعر لرؤيته المعرفيّة والثقافيّة بكلّ أنواعها حينما يباشرُ فَرْشَ تصوُّراتِه وتفسيراتِه لما ينتجه من آراءَ تعبّر عن حالاته الفلسفيّة ، بدْءًا بمعالم المجتمع الدّاخليّ (نفسه) وانطلاقًا للمجتمع الخارجيّ . وأخيرا سنقفُ على أدبٍ وفكرٍ شعريٍّ سيُظهرُ "إستيتيكيًّا" ملامحَ كاتبٍ بتقاسيمَ واضحةٍ غرّاءَ أو باهتةٍ سخيفة.
5- كلما قرأت لك نصًّا نثريّا أو كما تسميه أنت "خواطر نثريّة" أجدك تكتب النّصَّ الشعريَّ النثريَّ، وربما مشاركتك في منتديات "صدانا" وخاصة في كتاب "بوتقة المسك" بالشّارقة - الإمارات العربيّة المتّحدة _ تؤكد ما أقول..؟ هل يمكن أن تصف لنا الأبعاد الجماليّة لهذا النصّ بعيدا عن الخلاف حول تسميّاته..؟
تجدرُ الإشارةُ إلى ضرورة وضع النّقاط على الحروف في قضيّةِ الأبعاد الجماليّة للنّصّ وتسميّاته، فمنَ الواجب أنَّ أؤكِّد على مسمّى ما أكتب، ويتراءى للمتلقّي شعرًا أو نثرا، ونريد أن نلفيَ النّظرَ عن مسمّاه؛ إنّ ما درجَ بكتاب " بوتقة المسك " بإمارة الشّارقة _الإمارت العربية المتحدة _لم يكن مُسمّاه اعتباطيًّا، فهو ليس بشعرٍ، بل ومضاتٌ نثرية، تبدو للوهلة الأولى شعرًا نثريًّا ولكنّها نثرٌ بحتٌ، ولا يفوتني هنا إلاَّ أنْ أشكرَ أخي الأستاذ الشّاعر والمترجم " ميلود حميدة " الذي جمعتني به الأقدار _0فتراضيّا _ بمنتدى " صدانا " الإماراتي، وقد ترجم لي بعضًا من نصوصي" خربشاتٌ على حفريّةِ حزن" إلى الإسبانيّة دون معرفةٍ مسبقةٍ، وكم كان شاعرا جزائريّا وجلفاويّا، ناقدا ومترجما بجدارةٍ . ثمّ ساقتنا الأقدار إلى اللّقاء به _ حقيقةً _ ببيتي مرّات عدّة.
6- بما أننا ولجنا إلى حقول النثر، قرأت لك بعض "الرسائل الأدبية"، نشرتها جريدة "الجلفة انفو"، لماذا هذه العودة للرسائل الأدبية؟
قلتُ في ما سبق من حديث:" فالتنوّعُ في الكتابة يربأُ بالحرفِ إلى دافع التأثّر بالأدب العربي الجميل _ تحتَ رايةِ صنوفِه النثريّة و الشّعريّة _ ثمّ بقيمةِ المُقتَنى منه دونَ تخطيطٍ مُسبق ".. فلم يكن في الحسبان أن أوجّهَ الحرفَ إلى هذا الصّنف دون الشّعر مثلا أو غيره، وإنّما انزلقَ الحبرُ من القلم رسالةً أدبيّةً دونَ تعمّدٍ، وكذلك الأمرُ في سائر كتاباتي.. ولكن من الهامّ أن أشيرَ إلى تدخُّل الذّائقة _ بعد 0نقطاع الإلهام _ في تغيير ملامح النّص من....! إلى...!..وأنتم تعلمون بأن اللّغة العربيّة ثريةٌ ثرّةٌ بصنوفها الفنيّة، فلِمَ نضيّقُ في رحابتها وآفاقها ؟ فضلا عن جمال هذا الصّنف الأدبيّ الذي لا تظهر معالمُه إلاّ نادرا. بالخلاصة ؛ إنّ الحيلةَ الخاصّة التي يركنُ إليها أو يراها الشّاعرُ أكثرَ ما يُعطي نصَّه جماليّاته وقوّتَه ،ويزيد في رونقه ؛ إذ الأمورُ ستمشي على سجيّتها في أثناء ولوجِ اللّحظةِ الإبداعيّة بابَ الفكر والقلب..فأجمل وأذكى حيلةٍ هو أن تُشرعَ للكتابة والحروف ذراعَيْ البوحِ الخام..وبعدها تصهرُ ما هو شائب؛ وتسوّي من الأصلي حرفا ذهبيًّا متفرّدا.. والملفتُ للانتباه أنّ التحاملَ على القارئ ببعض الحيل المصطنعة _وإن كانت رائعةً _ستجعلُ من النّص قالبًا لا يتّسع لهكذا مناورة فتنقلب الحيلةُ مصيدةً على صاحبها.ولي كتابٌ في هذا باب الرّسائل الأدبيّة، موسومٌ بِ " بازّيات " أحسَبه سيضيفُ الجديدَ إلى المكتبة الجزائرية ،والمتعةَ إلى القارئ الفاضل.
7- في مقالك "في مهبّ الوطن" قلت:(لا يركنُ إلى قارعةِ الظُّلمةِ غيرُ مَنْ لم يهتدِ لِسِراجِ بيته ) هل هناك مسافات يكشفها الشّاعر في مهبّ الوطن، كيف يتفاعل معه، وما هي توظيفاتُه لخيباته ؟
كنتُ أردّدُ دائمًا فيما مضى ( مَن لا يحبُّ وطنَه الصّغيرَ لا يحبُّ وطنَه الكبيرَ ) ... وليس من العجيب أنّ تكون لوعةُ الشّاعر و حسرتُه هي نفسُ الدّاعي للاعتزاز بالوطن ، رغم ما يتدثّر نصوصَنا من خيباتٍ و0غترابٍ في وطنٍ أقلُّ ما يُقال عنه: "إنّه لا يقدّرُ طاقاتِ أبنائه !"..ولكن من الهامّ أن نعزّزَ حبَّ الوطن بدْءًا منّا و0نطلاقا إلى الآخر المريدِ لنا، المتأثّرِ بأدبنا ورؤانا، وهنا أتذكّر بيتين للشّاعر ( إيليا إبي ماضي) لحظاتٍ قبل مغادرته وطنَه " لبنان " مؤكدا فكرتي :
لبنانُ لا تعذلْ بَنِيكَ إذا هُمُو ••• ركبُوا إلى العلياءِ كلَّ سفِينِ
لم يهجُروكَ ملالةً لكنّهم ••• خُلِقوا لِصيدِ اللّؤلؤ المكنونِ
وأهلاً بخيبةٍ تأتي على أملٍ لك قد يتحقّق لاحقا، أو قد لا يتحقّق !..والوطنُ يتوسّدُ حريّةً وعزّا ..!
8- هل نجد بين هذا التنوع تجربة لك في النقد ؟..و كيف ترى الدورَ المنوط بالترجمة ؟
في الحقيقة أنا أطيلُ التأمّلَ ولا أجيدُ النّقدَ ؛ وما درج لي بمدوّنتي الخاصّة أو ببعضِ المنابر الثّقافية كانَ مجرّدَ رؤًى وليستْ نقدًا صِرفا.. ولعلّ عامِليْ (التّرجمة والنّقد) وجيهان في عمليّة تقدير العمل الإبداعيّ وإبرازه للنّاس، ولا يختلفُ اثنان في أن يضيفَ العاقل في تقديره لعمل شعريّ ما صفةَ الجمال والقبح والرّقي، أو الابتذال إزاءَ حكمه على نصٍّ ما أن يدلّلَ على دور الحركة النّقديّة والتّرجمة في توجيه بصرِه وبحثِه لهذا الشّاعر دونَ آخر، غيرَ نافٍ مستوى وقيمةَ العمل الذي أنتجَه صاحبُه. ولكنَّ التّرجمةَ والنّقدَ إذا ما وُجِّها إلى هذه القيمة صارا عامليْ تثريةٍ وتجليةٍ، وبالتّالي سيظهر صاحبُه وتنتشر أعمالُه، فيتراءى للقارئ أنّه مثالٌ يجب الاحتذاء به، ومنهلٌ يجب الاغترافُ من معينه، وبهذا تشتهرُ أسماءٌ وتُغمرُ أخرى كان لها أن ترقى، ويتلألأ نجمُها في سماءِ عاشقيها..! ولكن قد أضيف شيئا مهمّا؛ وهو فكرة "التناسب بين الصّنفين" الشّعر والنّقد" فهل سيلتقي الشّعرُ الجيّدُ بالنّاقد الحصيفِ المنصف؟ أم سيتزاوج الشّعرُ بناقدٍ يغالبُ نفسَه في تحليل رقعةٍ نصيّةٍ مكابرًا تعليلاتِه لها بنوعٍ من الكبرياء أو بلا مبالاة وعنجهيّة..؟
أصبحَ همُّ أصحابِ الصّفحاتِ والمنتدياتِ الأدبيّةِ – في معظمهم- البحثَ عن أكبرِ عددٍ مُمكن ٍمنَ الأعضاءِ والمنتمين والزُّوّار، دونَ النّظرِ في قيمةِ ما يَرِدُ إليها منْ غثٍّ أو سمينٍ
9- ماهي عوامل صمود النّص أمام متلقٍّ ينشد الجمال ؟
لاشتغالُ على اللّغة والصّورة من أهمّ عوامل الإجادة الشّعريّة، والنّقرُ بهذا الاشتغال على ذائقةِ المتلقّي يقفُ بالشّاعر على مَدْرَجِ التّأثير في وجدانِ وخيالِ السّامع برَوِيّةٍ ؛ حتى يستطيع نقشَ اسمِه بثقةٍ وصدق! ولكنَّ المشهدَ الشّعريَّ اليومَ تكتنفه مؤثراتٌ، وليدةُ الطّلب السّريع. إذ ماذا ينبغي على الشّاعر أن يدسَّه في نصّه حتى يؤثّر في المتلقّي لِ0ستمالتِه، والتّأثير فيه؟ إنّها "!" تلك التي تلفي فضولا مستطيرًا لفكِّ شفرة النّصّ، في أثناء سَيَحَانِها بتلك الأفكار. فالخيالُ الشّعريُّ سيبذرُ بأرضِ المتلقّي سنبلةَ (الدّهشةِ).. ليبقى التّأثيرُ دائمَ الخصبِ، يحصدُ في كلِّ مرّةٍ جَناهُ، ثمّ يعيدُ الحرثَ من جديدٍ دونَ أنْ تبلى التّربةُ، أو تتأثّرَ نوعيّةُ السّنبلةِ. ويبقى أنْ نوجِّهَ العنايةَ الفائقةَ لقيمةِ هذه الدّهشةِ، وللمستوى الذي سيقتْ به ، بعيدًا عن تلك الطّلاسمِ والخُزعبلاتِ الفلسفيّةِ السّرياليّةِ ،التي لا تُمطرُ سوى 0نغلاقٍ وغموضٍ ونفورٍ، يزيدُ الهوّةَ بين المتلقّي والشّاعر، ويذهبُ بجهدٍ سُدًى ، وبحَمِيميّةٍ منتظَرةٍ هباءً وسرابا!
لكنّ المشكلَ في الاتّجاهاتِ الجديدة التي رأت في هذه الحداثة الممنهَجة السّاحرة متّكأً في أنْ تبرِّرَ خروجَها على النّمط القديم، باسم الخروج وفقط؛ أي" خالف تُعرفْ !" ومن المغالبة ساعتَها أنّ نصدّق بمُتشاعرٍ يتشدّق برؤَى الشّعر الحديث ،ولم يقف مرّةً على أطلال القصيدة الأصيلة
10- نشرت جريدة الجلفة انفو مقالا لك بعنوان " يَدٌ واحدةٌ لا تُصفِّقْ.. !! (كرَمُ الإبداع.. وبُخْلُ الطّبع)" ، وكانت لك آمال وأحلام تنتظرها من وزارة الثقافة الجزائرية، هل حققت الوزراةُ مرادَ الكاتب والشاعر في ظل طغيان مجالات أخرى، وهل تعتبر "المناسباتية" مهمشة للفعل الإبداعيّ باعتبارها تؤمن ببعض الأنواع من الكتب وتترك الأغلب، لأنني حقيقة سمعت مؤخرا أنّ الوزارة أوقفت كل ما يتعلق بالإبداع بسبب مناسبة الخمسينية رغم أهميّة هذه المناسبة التاريخية، لكن ألا ترى أنّ طبع كتاب إبداعي بمناسبة الخمسينية لا ينفي عنها حضورها بل يمرّر رسالة أخرى تدل على إنتاج الجزائر للقلم بكل أطيافه؟
إنّه لا يسوءُني أنّ تفوّتَ الوزارةُ الموقّرةُ أو دورُ النّشر المحترمةُ كِتابا إبداعيّا قد تراه لا يتلاءم والمناسبةَ الوطنيّة، ولكن في المقابل لا ينبغي أنّ نجدَ عملا _ يُحسَبُ على المناسبة _ ويسيئُ إليهما بتفاهته وسطحيّته، فيصنعان خيالا لكُتّابٍ لا ظلَّ لهم ويُلقيان بخيالهم الباهتِ على المتلقّي عنوةً !! وقد وصلتِ الحُمَّى إلى أناسٍ يحسَبونَ كلَّ مَن صدرَ له كتابٌ _ هذه الأيّام_ هو إضافةٌ نوعيّةٌ؛ وتراهم يحْشُدُونَ الهِمَمَ والمُريدينَ، ويُكبِّرونَ من مساحةِ معْشُوقِهم وقد شَمِلَهم هذا الرّمدُ بحُسْنٍ بالٍ، فتراءَى لهم الشّوكُ وردًا ..! هذه الفئةُ المحمومةُ بمجاملاتِها المجانيّةِ، وبمعرفتِها السَّطحيّةِ كان لها الفضلُ الجليلُ في 0نتشارِ مُدَّعيِّ الكتابةِ وأشباهِ المبدعينَ؛ ولا أجدُ حرجًا في القول بأنّنا نحن _المبدعين_ قد ساهمنا في بلوغِ ذروةِ هذه الظّاهرةِ بصمتِنا و0نزوائِنا و0قتناعِنا بأنَّ القارئَ الحصيفَ لنْ تنطليَ عليه هذه الخُدعةُ، وبتركِنا للمجال فسيحًا أمامَ هذه الفئةِ، التي لو أُوقِفَتْ عند حدِّها بالنّقدِ والفضحِ والمتابعةِ، لَكفينا أنفسَنا هذا الهمَّ، ومكتباتِنا هذه السّلعةَ الهجينة!

11 - هل ترى فائدةً من تدوينٍ الكترونيٍّ _ أغلبُه _ لا يميّز بين الإبداعِ و الإنشاء ؟
مشكلٌ عويصٌ !..فلقد أصبحَ همُّ أصحابِ الصّفحاتِ والمنتدياتِ الأدبيّةِ – في معظمهم- البحثَ عن أكبرِ عددٍ مُمكن ٍمنَ الأعضاءِ والمنتمين والزُّوّار، دونَ النّظرِ في قيمةِ ما يَرِدُ إليها منْ غثٍّ أو سمينٍ ؛ وممّا زاد الطّينَ بَلَّةً كثرةُ المجاملاتِ التي تحْذو خطواتِ هذه الأعمالِ ، وقد تتلفّفَ أحيانا بنفاقاتٍ مجانيّةٍ، تُحسَبُ لصالح ِدعم ِفكرة ِ" الكمّ "، حتى تلقى بعضَ الأعمالُ الجيّدةُ الرّاقيةُ تذهبُ أدراجَ الرّياحِ لقصور ٍفي تشخيصِ فنّيَّتِها. وبالتّالي لا يبرزُ المفيدُ و المؤثّرُ والنّموذجُ للمتلقّي الباحثِ عن ما يَشْفي غليلَه منها.و إمّا لتجاهلِ المتابعين للنُّصوص.لأنَّ الكمَّ الهائلَ- المنتظرَ التّعريجَ والتّعقيبَ عليه ولو بكلمة ٍ– طاغ ٍعلى الكيفِ اليسير؛ وبالتّالي يُدفنُ بريقُ وسحرُ ما خفيَ وراءَ تلكَ الأعمالِ الرّائعةِ المسكينةِ في كلتا الحالتين. وعليه يجبُ على تلك المنابر أن تُشرفَ عليها أقلامٌ مشهودٌ لها بالتّقدير والامتياز، حتّى يمكننا أن نأمل في تدوينٍ الكترونيٍّ فاعل وجادٍّ وخلاّق.
12-طقوسُ الكتابة الشّعرية لدى يوسف الباز ؟:
لكلّ شاعر لمستُه البرّاقة، التي تجعل منه متميّزًا عن غيره؛ وبالتّالي تتحدّد نِسَبُ التّأثير منه في المتلقي. أمّا أنا فأغلب الشّعراء الذين قرأتُ لهم لم يكن ما يريدون الوصولَ إلى توصيله للنّاس هو شغليَ الشاغلَ في 0نتقاء الأعمال الجيّدة، التي أختارها للاستمتاع بها أو حتى للاستشهاد بها في أفكاري ونقاشاتي.. إنما كان الأسلوبُ واللّمسة الفنيّة المدهشة.. هي السّحرَ الذي كان يجذبني لتلك القصيدة دون أخرى، وبالتالي لذاك الشّاعر دون ذاك.. وقد يكونُ من الإنصاف أن أقول:"إنّ في كلّ عصرٍ شعراءَ جيّدين".. ولا شكَّ أنّ عشقَ الجميل و0رتشافَه سيتفتّق في نفسك شعرًا جميلا. فالهاجسُ الذي ينتابُني للكتابة _ مثلَ باقي الكُتّاب_ وإنْ تغيّرتْ مواسمُه و رياحُه؛ يستجدي حالةً من الوَعي واللاّوَعي على حدٍّ سواء.. واللاّوعي أسبقُ كما تعرفون، ولكنّي أجدني متدفّقًا بالكتابة في حالات الحزن أكثرَ، وفي النّقر على بوّابةِ الألم، لاستقراءِ ما مضى من أملٍ ضيّعه واقعُ هذا العالم الحالم البائس. أمّا عن صُنع القصيدة فهي تأتيني كالضّيفِ اللّجوج في لحظاتٍ حرجةٍ، تسكنُ بيتَ قلبي وعقلي، وقد لا تجدُ زادًا تستقوي به من ذاكرتي إلاّ إذا مصّتْ قصبَ السّكَّر من شرايين هُمومي المالحة، وللَّيلِ شانٌ خاص. فأنا فارسٌ على صهوةِ حرفِه ، يغزُو مدائنَ الجمال ليلاً بسيفِ أمنيّةٍ، سقطتْ قهرًا من أحلامِه نهارًا، ويطلبُ الثأرَ لها.
13 - مالذي يشوّه جسدَ القصائد الشّعرية في وجود خيالاتٍ خصبة و لغةٍ ضعيفة ؟
يشوّهُه ذلك الثّوبُ الذي لا يتلاءَم مع قوامها..كالمرأةِ الجميلة التي ترتدي ثوبًا قد يكون جميلا جذّابا ولكنّه يصنع نوعًا من النّفور من جاذبيّته.. فتستحسن أن تبقى بجبَّتها المتواضعة البهيّة. ومن الصّعوبة بمكانٍ التغافلُ عن بؤر الإبداع المبثوثة في سطور شاعرٍ ما.. والمحرّك هو سلوكه اليومي الانفعاليّ. ولا ريبَ أنّ سلوكَه كإنسانٍ في واقعه المعيش سيولّد أدبًا من واقعه الذي يشكّل منه مبدعًا.. ولكنه إنسانٌ. وأحياناً تتعطّل حواسه، بالدّرجة التي تمُّوت معها المُخَيّلاتُ المُحرّضةُ على الكتابة. وإنْ حدث كيف ستستعيد نشاطها؟ فالحقيقة؛ المُخَيّلاتُ لا تموتُ بالمعنى الدّقيق للكلمة، بل تخفو وتخبو.. وعامل 0ستثارتها هو المتحكّم في ذلك.. ولكَم صادفتُ كثيرا من هذه الحالات.. حينما يستعصي الحرف تحت قلمه.. إذ السّباتُ الذي تعيشه بعضُ الحواس _ جرّاءَ تعبها وإرهاقها أو تفاعلها الزائد عن الحدّ_ هو المتسبّبُ لنكران القلم.. وإنْ حدث ذلك ف0ستعادةُ النّشاط والسّيولة يرجعان إلى مدى مقدرة الكاتب على تفريغ حقول "العقل" من النّصب والكلل.. و0ستبدالهما بنقاهة خفيفة، بعيدا عن التعصّبات النّفسية التي يثيرُها القلم وتستفزُه المشاعر والقراءات المتراكمة غير المنتقاةْ.
14 - مواصفاتُ الذّائقةِ الإلكترونيّة ..كيف تراها ؟
في نظري؛ تُبنَى التّركيبةُ الجماليّةُ بالتّواصل الحيّ بينَ المبدع والمتلقّي، وكما كان للشّغف دورٌ هامٌّ في الوصول إلى ملامح مَنْ نقرأُ له _ إذا مَا تصفّحنا كتاباتِه، وسافرنا إلى كونِ أفكاره _ فقد أصبح اليومَ الوصولُ إلى الكتاب وصاحبه دونَ سفرٍ مُظنٍ أو مالٍ مكلِّفٍ ،ما دامتِ التّقنيّةُ التّكنولوجيّة قد أغنتْنا عن الرّاحلة والزّاد. ولكنَّ الجديرَ بالذّكر أنَّ الذّائقةَ المشرئبّةَ إلى 0رتيادِ هذه الرّحلةِ الجميلةِ قد تُعْوِزُها عواملُ ، باتتْ تتلاشى رُويدًا ،لأنَّ السِّلعةَ الأدبيّةَ و العلميّةَ على قارعةِ الطّريقِ والعُفاةُ يمرّونَ عليها مَرَّ المستغني عن طِلابها! و يمكنُ رصدُ أهمِّ هذه العوامل، إذا ما نظرنا في مواصفاتٍ تهبُ المتلقّي ذائقةً حصيفةً ، لتتعادلَ التّركيبةُ ويتمَّ ذلك التّواصلُ، ومن أهمّها " تخصُّصُ المتلقّي وبحثُه الموجَّهُ/ التّقديرُ البنَّاءُ والتّعليقاتُ المهذّبة/ اِحترامُ المختلَفِ معه واللّينُ في الحديث إليه/ اِختيارُ القدوة الصّالحة/ حبُّ الاستفادة وتعميمُ الإفادة/ ربطُ المفاهيم والتّحاجُّ السّليم بها".
15- هل تريد أن تضيف سؤالا لم أتمكن من الوصول إليه؟
قد يجدرُ بنا الحديثُ عن " مشروع المقاولة الثّقافيّة ".. فلا عُذرَ لمَنْ يقفُ بحِياءٍ وحِيادٍ من هذه النّهضةِ الحالمةِ، المشتركةِ بين المال كآلةٍ مُحرّكةٍ وبين الثّقافة كرُوحٍ مُتحرّكةٍ؛ والبخيلُ مَنْ يعتقدُ واهمًا بأنَّ دعمَ الثّقافةِ _ كأفكارٍ ترتبطُ بمدلولاتِ المواطنةِ وقيَمِ المجتمعِ وعاداتِه_ هو نوعٌ من فضولِ الأمُورِ يمكنُ أن يُساهمَ _ بشُحِّهِ _ في إفلاسِ الخزينةِ الفكريّةِ والوجدانيّةِ وهوَ لا يدري البتّةَ أو يدري بجهله وقلّةِ فطنتِه، إذ باتَ من الهامّ أنْ لا يظنَّ صاحبُ المال أنّ الثّقافةَ هي عنصرٌ لا حاجةَ للمجتمع إليه؛ وقد ترسّخَ بإيمانِه أنّها من كماليّاتِ التّحصيل، يمكنُه أن يتواصلَ بها لمُجرَّدِ حاجتِه إلى المُتعةِ أو التّسليةِ .. وهيَ سبيلٌ حَرِيٌّ بالمجتمع أنْ يسلكَها ويتقصَّى دروبَها، مادامتِ المادّةُ تحتاجُ إلى منهجيّةٍ فكريّةٍ، تُرشِّدُ تصريفاتِها خدمةً للوطنِ وحفاظًا على مقوِّماتِه. وصدق 0بنُ القَيِّم الجوزيّة حين قال :" البخيلُ فقيرٌ..لا يُؤجَرُ على فقره.. ".
16- كلمة أخيرة..شعرا أو نثرا لقرّاء " الجلفة انفو ":
آمل أن أكون ضيفًا خفيفَ الظّلّ على القارئ الكريم، كما سأهدي هذا المنبر الجميل قصيدتي متمنيا لها دوام النّجاح والموفّقيّة:
سعَفُ الحَنين
هُزِّي شِراعَ المُنى,,يا نخْلةَ الوادِي
شَوقِي يُلوّعُني..و البَيْنُ جَلَّادِي
مَلَّ الفُؤادُ لِحافَ اللّيلِ..سَهرتَهُ
كالشَّارِدينَ.. و هَذا الوَجدُ سجَّادِي
لا تعْذليهِ ؛شُموسُ الشّعرِ قاتلةٌ
بَرْدَ الحَنينِ ؛ فإنْ لم تفْهِمي.. هَادِي
و 0سْقِي الرُّبوعَ خَريرًا ؛غَرَّ عاشِقَهُ
دِفْءُ المساءِ و هَمسُ الجَدولِ الشّادِي
يا نخْلةَ العِزّ ؛ كمْ لِلتّمْرِ مِنْ ألَقٍ
مِلْءَ الشُّموخِ الذِي في عُمقِ تِنهادِي؟
يَرْقَى ؛ و تسْجُرُ بالأنفاسِ حالِمَةٌ
عَطْشَى..و تبحثُ عنْ ساقٍ و عنْ هادِ
هامَتْ مُلبّيَةً صَرْخاتِ ما فقَدتْ
أيَّامَ نشْوتِها..في فُسحةِ ( النّادِي )
لا عَزْمَ يُشرقُ في آفاقِها سَنَدًا
صحْراؤُها غَدَرتْ بِالكَوكَبِ الحَادِي
ف0سْتَبْقَتِ الأمَلَ الغَدَّارَ.. باحِثةً
بعدَ الغُروبِ عنِ الأحلامِ ..و الزَّادِ
يا نخلةَ العِزّ ؛ ذِي الأحلامُ رائِحةٌ
خلفَ الفُؤادِ أسًى،و 0سْتسلمَ الغادِي
ضَلَّتْ عُيونُ المَهَا في نَجْدِ قافيةٍ
مِثلَ الطّريدةِ في هَيجاءِ صَيَّادِ
لو تُسْعِفيني سَيبقَى الشَّوقُ ملحَمةً
في القلبِ شاهدةً عنْ حُبِّكِ الصّادِي
هُزِّي شراعَ المُنى لحْنًا ..يُهدْهِدني
يَا نَخلةَ العِزِّ.. شَوقُ الجُرحِ إنْشادِي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.