نظمت الجمعية الولائية للبحث التاريخي والتراث لولاية الجلفة، الملتقى الوطني الأول " الجلفة مسيرة كفاح 1830-1962" وذلك بالتنسيق مع المنظمة الوطنية للمجاهدين- مكتب الجلفة- والمنظمتين الوطنيتين لأبناء الشهداء والمجاهدين، وكذا المجلسين الشعبيين الولائي والبلدي بالجلفة، وبتأطير علمي من إتحاد المؤرخين الجزائريين، حيث احتضنت جامعة زيان عاشور فعاليات هذا الملتقى الذي دام يومي 25 و26 ماي بمساهمة أكثر من 14 جامعة وطنية فضلا عن أساتذة من جامعة الجلفة. وافتتح الملتقى بحضور والي ولاية الجلفة السيد "أبو بكر الصديق بوستة" والأمين العام لمنظمة المجاهدين السيد " السعيد عبادو" ورئيس الجامعة والأسرة الثورية وجمعُ من الطلبة والأساتذة، وفي كلمة ترحيبية لمدير الجامعة السيد "علي شكري" أعرب خلالها أنّ الجامعة تشجع كلّ مساهمة لكتابة تاريخ المنطقة، كما أثنى "السعيد عبادو" من خلال الكلمة التي ألقاها على أهمية الملتقيات التاريخية والسياسية، ومن جهته أكد السيد "الغالي الغربي" ممثل اتحاد المؤرخين الجزائرين أنّ كتابة التاريخ لابد أن تحمل مبدأ الوطن والوطنية لا الجهوية. وهدف الملتقى- حسب ما صرح به رئيس الجمعية الولائية للبحث والتراث الاستاذ "القن محمد"- جمع المادة الأولية التاريخية من أجل التأسيس لكتابة تاريخية محلية بأقلام علمية أكاديمية متخصصة، وكذا محاولة إتاحة الفرصة لجيل الاستقلال أن يلتقي بمن صنعوا هذا الاستقلال، بالإضافة إلى محاولة استغلال الكفاءات العلمية المحلية والوطنية في مجال كتابة التاريخ. هذا وقد عرف الملتقى في يوميه أزيد من 25 مداخلة تمحورت حول "المقاومة الشعبية والحركة الإصلاحية والثورة التحريرية في الولاية السادسة التاريخية".. وعن مداخلات اليوم الأول تحدث أ.د بن يوسف التلمساني من جامعة خميس مليانة عن الجلفة معتبرا أنها كانت "منطقة" بمثابة خزان للأمير عبد القادر، خاصة وأنه اعتمد عليها كثيرا بعد فقدان عاصمته الثانية حيث شكل سنة 1941 إدارة سياسية مكونة من شيوخ المنطقة، مثل التلي بلكحل ومحمد بن زبدة والشيخ الحران. كما أكد الأستاذ مسعود بن قيدة مدير ملحقة متحف المجاهد بالجلفة أن مساهمة أبناء منطقة الجلفة في مقاومة الاحتلال 1834-1847 كانت قوية واعتبرها مقاومة شعبية جزائرية حقيقية مثلتها عروش أولاد نايل وتحركات أثبتتها التقارير الفرنسية، والمقاومة في المنطقة لها تاريخ طويل ولها موقف ورأي وثروة وحركة اقتصادية وتنظيم اجتماعي قوي وفيما يخص المقاومات الصوفية تحدث مفتي ولاية الجلفة الشيخ ميلود قويسم على أن المقاومة الصوفية كانت الغالبة على منطقة الجلفة، نظرا للسلطة الروحية التي تولاها مشايخها منذ القرن 10، ورغم اتهام الزوايا التي تتبع الطرق الصوفية إلا أنها كانت المدافع عن الدين والوطن وكيان وهوية المجتمع، والمؤرخون لم يتطرقوا الى ذلك. وأورد الأستاذ "عبد القادر قوبع " – جامعة الجلفة - من خلال مداخلته أهم العوامل التي أثرت فكرياً وثقافياً وسياسياً على منطقة الجلفة في الفترة الممتدة ما بين 1830- 1900 ممثلة في التيار الصوفي في المنطقة عن طريق التصوف الخارجي والداخلي من خلال الزوايا، وكذا المناسبات الاجتماعية المُعززة لهذا التيار، وعامل الجماعة الميزابية التي كانت لها علاقات مباشرة مع سكان الجلفة خاصة في الجانب التجاري . وعن المراكز العمرانية والتجمعات السكانية بمنطقة الجلفة خلال القرنين 18-19 م أكد الأستاذ " عبد الفتاح بن جدو" بدلالة المصادر أنه لم تكن للجلفة مراكز عمرانية في العصر الوسيط وبداية العصر الحديث بمفهومها الحضاري. إلا بعض الدشر والمراكز التي أشارت لها بعض المؤلفات الأجنبية. و جاءت مداخلات اليوم الثاني من الملتقى في الحديث عن الحركات الإصلاحية والسياسية التي عرفتها منطقة الجلفة إبان الاحتلال حيث اعتبرت الأستاذة سعود مريم – جامعة الجلفة - أن الزوايا بالمنطقة كانت مرجعية ذات بعد إصلاحي و ديني، كما أنها مركز إشعاع روحي كونها ساهمت في الحفظ على الهوية العربية الإسلامية إبان الاحتلال، والجلفة كانت زاخرة بالزوايا خاصة وأن الطريقة الرحمانية كانت مشهورة على مستوى المنطقة. من جانب آخر تحدث الأستاذ عباس كحول من جامعة عنابة عن الحركة الإصلاحية بالجلفة، خاصة وأنها وسط ريفي هيمن عليه الجهل إذا ما قارناها بمدن الشمال إلا أن الفكر الإصلاحي انتقل بها عن طريق الاتصال الثقافي. كما أكد أيضا الأستاذ داودي مصطفى من جامعة الجلفة أن الفكر الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين انتقل الى منطقة الجلفة عن طريق زيارة علمائها من جهة و الرحلات العلمية التي كان يقوم بها علماء المنطقة من جهة أخرى . وعن منطقة حاسي بحبح تحدث الأستاذ عبد القادر ربوح جامعة الجلفة عن الحياة العلمية بها، حيث تعتبر من المناطق السهبية التي تعتمد على الاقتصاد الزراعي وتربية المواشي كما تحدث عنها الكثير من المستشرقون خاصة قلتة السطل وعين معبد اللتان تعتبران من ناحيتها. وفي معرض مداخلته تكلم الأستاذ القن محمد جامعة الجلفة عن طبيعة نشاط الحركات الوطنية التحررية، والاتجاه الاستقلالي والاندماجي بالثورة، خاصة وأن المنطقة تأثرت بتلك الحركات حيث قامت بالعديد من الاعتقالات بعد مجازر 8 ماي 1945 لمجموعة من الشخصيات المناضلة بالمنطقة مثل شويحة عبد القادر وبوهلال الأخضر وغيرهم خوفا من انتقال هاته الأحداث الى الجلفة . وفي مداخلة للباحث و الصحفي " سليمان قاسم" تحدث عن تأسيس الولاية السادسة وما قدمته من دروس في التضحية والقتال بالرغم مما عانته من حركات مناوئة من "بن السعيدي "و "بلونيس"، هذه الحركات التي اثبت التاريخ فشلها السياسي والعسكري بسبب تعاملها مع فرنسا أكثر من تعاملها مع الشعب الجزائري وساهمت في تأخير استقلال وإطالة مدة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وان الثورة تبقى هي الوحيدة المنتصرة بالرغم من الصراعات والانقسامات التي عرفتها الثورة بين الإخوة الأعداء. و اعتبر الأستاذ " عبد المالك سلاطنية" من جامعة قالمة أنّ للولاية السادسة التاريخية دور في علاقاتها مع الولايات الأخرى خاصة في ما تعلق بتسليح المجاهدين للتدريب الشبه عسكري كونها كانت مرتبطة بخط السلاح المشرف عليه " عبد القادر المالي". وعن النشاط العسكري في الولاية السادسة في ظل قيادة العقيد محمد شعباني جاء تدخل الأستاذ " ناصر الدين مصمودي" من جامعة بسكرة متحدثا عن السياسة الحربية التي انتهجها العقيد شعباني بعد توليه القيادة، بتكثيف العمليات الفدائية، ووضع الألغام والضغط المستمر على المستعمر، وتعزيز ودعم الجبهات الجنوبية، و عن الفراغ القيادي الذي تركه زيان عاشور كما قال الأستاذ قرود محمد فقد ذكر أنه أثر على استراتيجية الثورة، خاصة و أن الشهيد كان مكونا تكوينا سياسيا و عسكريا و قد أخذ صفة القداسة لدى أبناء الجلفة . و كان على هامش الملتقى ، قد نُظم معرضا تاريخيا يحمل العديد من الصور الأرشيفية الخاصة بمنطقة الجلفة وبعض الشخصيات الدينية والجهادية التي كان لها الدور الثوري بالمنطقة ، كما عرف كتاب " تاريخ الولاية السادسة المنطقة الثانية من بداية التأسيس الى نهاية بلونيس " للزميل سليمان قاسم رواجا كبيرا بين الحاضرين حيث وقَّع كتابه للجمهور الذي توافد للحصول على نسخة من الكتاب . و ختم الملتقى بتوصيات جاء من أهمها ضرورة عقد ملتقى سنوي حول تاريخ المنطقة حسب المجال الزماني أو الموضوع، واقتراح فتح مخبر علمي خاص بتراث المنطقة وتاريخها بالإضافة الى توجيه بحوث طلبة التاريخ حول تاريخ المنطقة، و إنجاز أفلام وثائقية عن تاريخ المنطقة بالتنسيق مع قسم الإعلام وقسم الفنون بجامعة الجلفة، وإنشاء موقع إلكتروني يضم الملتقيات والندوات التاريخية وإصدارها ضمن مجلة تُعرف بتاريخ منطقة الجلفة.