ربما يكون العنوان محيّرا شيئا ما ، و لكن ما دفعني إلى اتّخاذه كذلك ، هو ملاحظاتي المستمرة من خلال الإعلام المرئي ( بعض القنوات التلفزيونية ) ، و المكتوب من خلال التويتر ، و الفايسبوك ، و من خلال من أصادفهم يتحدّثون في شأن المقاومة الإسلامية عند بعض المنهزمين نفسيا ، المجرّدين من كل قيمة إيمانية ، أو أخلاقية ، أو سلوكية ... إنّنا نعلم جميعا أنّ الأغلبية في الأمّة العربية متيّقنون أنّ سلاح المقاومة في غزّة قد حقّق بعضا من أهدافه ، و إن لم تظهر أمام أعين من أعمى نور بصائرهم الغش الديني و السياسي و الإعلامي { فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصّدور } [الحج/46] ( هذا الثالوث العربي المغشوش و المرتزق ) الذي تواطأ عن قصد لمغالطة الرأي العام العربي و الإسلامي ، حاول مهندسوه ، و صنّاعه أن يجدوا للعدو الصّهيوني بديلا عن حملاته العسكرية حتّى يريحوه من عناء و متاعب القتال مع المقاومة الإسلامية الشرسة ، و يوفّروا له مخزونه المالي ، و سلطانه الاقتصادي حتّى لا تستنفدها الحرب على غزّة ، و يبقوا على استثمارات العملاء العرب المتصهينين الذين لا يعنيهم شيء إلاّ توسعة المنتجعات السياحية الماجنة و التي تؤسّس وفق الخريطة السياسية الصهيونية ، كما هو مقرّر ضمن بروتوكولات خبثاء صهيون ، و في ضوء مصائد شبكات الماسونية الإباحية .. وفق هذا الثالوث المغشوش المشار إليه آنفا وقع السذّج و المنهزمون نفسيا في مصايد الوهن و الجبن و الاستسلام .. بل صاروا أبوابا تنافح عن الدّولة اليهودية ، و تدافع عن الحركة الصهيونية بحجج هي أوهى من بيت العنكبوت .. فمن حججهم الواهية قولهم أنّ المعركة غير متكافئة ، و ادِّعاؤُهم أنّ التّدمير قد طال آلاف المنازل و المنشآت ، و عشرات المساجد ، و أتى على كل شيء في غزّة ، بحيث تحتاج إلى عقود من الزمن ، لإعادة تعميرها من جديد ، بالإضافة إلى ذلك ، الآلاف الذين استشهدوا من النساء ، و الأطفال ، و المسنّين ، و المعوّقين ، زيادة على الآلاف من الجرحى و المعطوبين .. احتجاجًا بهذه الحقائق المشاهدة و المسجّلة أراد أصحابُ الثالوث المغشوش زرع الشكوك في نفوس الناس ، قصد صرفهم عن قضيتهم العقيدية و المركزية (القضية الفلسطينية) بمزاعم مادّية استندوا إليها متمثّلة في القوة العسكرية الإسرائيلية المدعومة إماراتيا من الناحية المالية و بعض الدول الإقليمية ، و مصريا سيسيا من حيث المساهمة في العدوان ، و أمريكيا من الناحية العسكرية و السياسية ، و عربيا من جهة الصّمت و السّكوت عن المجازر الإسرائيلية المروّعة . و أمميا من حيث التواطؤ و تأييد العدوان على غزّة .. كل هذه الظروف مجتمعةً استغلّت هذه الأيام عند بعض المتصهينين العرب لتزيد من هموم المسلم العربي هموما أخرى ، و من آلامه أوجاعا مضاعفة ، ربما تهزّ من نفسه ثوابته و يقينياته ، أو تسحب منه مبادئه . و لكن الشيء الذي غاب عند هؤلاء ، أنّه رغم القوّة الهائلة للإسرائليين ، غاب عنهم أهمُّ قوّة تدميرية زعزعزت الكيان النفسي للصّهاينة ، و اليهود ، و من دار في فلكهم .. هذه القوّة هي قوة اليقين بالنصر القائم على ركني الثبات و عدم المساومة على المبادئ. فبالتّأمّل في القرآن الكريم نتأكّد من هذه الحقيقة اليقينية و الإيمانية ، و ذلك في قوله تعالى { و لا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون ، و ترجون من الله ما لا يرجون و كان الله عليما حكيما } [النساء/104] .. النّهي صريح في عدم الضّعف أمام العدو .. فالمسلمون و الأعداء سواء فيما يصيبهم من الجراح و الآلام ، و لكن المسلمين المؤمنين بقضيتهم يرجون من الله المثوبة ، و النّصرَ و التّأييد ، و الظفر بجنّات النّعيم يوم القيامة ، بينما الأعداء ليسوا كذلك .. ليس لهم رجاء إلا في التشبّث بحياتهم التي يعيشونها و يحرصون عليها ، فهم إن وجدوا أنفسهم مضيّعين لها تنازلوا عن كل شيء و لو كان على حساب مبادئهم ، لأنّ حياتهم أولى من كل شيء و لو كانت هذه الحياة مهانة و مذلّة و انتكاسة و مسكنة كما قال تعالى : { و لتجدنّهم أحرص النّاس على حياة ... } [البقرة/96] .. إذن الآلام بين الفريقين متكافئةٌ ، بينما الكفّة الغالبة و الرّاجحةُ موجودةٌ عند من يتحرّك بعقيدته ، و يقينياته ، و ثوابته ، و هو شأن المقاومة الإسلامية في فلسطين غزّة هاشم ، بجناحيها السياسي و العسكري . و هذا معنى { و ترجون من الله ما لا يرجون } و هي النّتيجة التي وقفت في وجه التّسويق للترويج للقوة العسكرية الصهيونية . إنّ الرجاء من الله قيمة إيمانية ليست موجودة عند اليهود ، و هو ما ألحق الهزيمة بهم و سيلحقها في كل معركة قادمة بإذن الله تعالى ، ليعلم المنافقون ، و المخذّلون ، و المنهزمون نفسيا ، و المتآمرون على القضية الفلسطينية أنّ المقاومة الإسلامية و حماتها ، و محتضنيها من أبناء شعبها كان شعارهم عملا عقيديا ، و يقينيا ، كما هو مرسوم في قوله تعالى : { الذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتّبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم } [آل عمران/173-174] . لسان حال و مقال الغزّاويين المتألّمين في أنفسهم ، و في أولادهم ، و في أموالهم ، و في ديارهم ، و منازلهم ، ، كان دائما و أبدا حسبنا الله و نعم الوكيل .. و هو سلاحهم الذي هزموا به الصهاينة و اليهود و الداعمين لهم من الصهاينة العرب . (*) كاتب و باحث و داعية