عادة ما يُستخدم مصطلح "الطعن" في حالات الخيانة والمكر والخديعة، فيقال طعَننا فلان في الظهر، أي اغتنم هفوتنا وسدّد طعنته، وما أكثرها من حالات في مجتمعاتنا، حينما يساهم بنو جلدتنا في إضعافنا والتهوين من شوكتنا خدمة للأعداء، وحينما يحدث ذلك يومياً في إداراتنا عندما يستغل بعضنا لحظات انشغال البعض لتقويض صولته وتقزيم دوره تملقاً للمدراء.. لكننا في هذا المقام سنتكلم عن معنًى مخالف للطعن الذي ذكرنا: إنه الطعن الشريف ؟!!.. عندما غرز الحاج "عطية" –رحمه الله- خنجره في يد الجندي الفرنسي الذي يقف قبالته - وليس من الخلف - وانتزع منه رشاشه أثناء حصاره أبناء الجلفة المتظاهرين في 01 نوفمبر 1961 بوسط المدينة، كسراً لشوكة الاستعمار، وتأييداً لدعوات الثوار، ورفضا لتقسيم الصحراء، أصابته رصاصة غدر من شرطي - للأسف - "عربي".. وهنا تنطلي صفة "طعن الخيانة".. هذه المحطة وما رافقها من محطات على شاكلتها في مختلف ربوع الوطن غيّرت مجرى الأحداث، وعزّزت موقف المفاوض الوطني، وأسفرت ضمن جملة متغيرات عن حرية انتزعها الشعب لنفسه ولوطنه.. وغير بعيد منا يشهد ثالث الحرمين الشريفين انتفاضة فريدة ونقلة نوعية في تاريخ المقاومة، قوامها "طعنات شرف" يغرزها أحرار القدس من مختلف التشكيلات والمذاهب، في صدور المستوطنين غاصبي الأراضي المقدسة، بعيداً عن الفرقة الحزبية المقيتة، والحسابات السياسية والتنظيمية الضيقة، يقلبون بها موازين القوى في الداخل الفلسطيني وخارجه، بل وفي الداخل الإسرائيلي نفسه.. ويفرضون واقعاً عربياً وإسلامياً يخالف الواقع الذي أرادت به قوى الاستعمار الخارجي والتخذيل الداخلي إغراق الجهود والمقدّرات، بما يسمى "شرق أوسط جديد".. تلك الطعنات هي من يعيد شرف المقاومة، بعدما أصيب الناس بالإحباط واستسلموا بخنوعٍ للنكسة، وانكبوا على أنفسهم يتنازعون ويتقاتلون تحت كل المسمّيات.. حتى تحت مسمّى "حرية"؟!!.. وكأن التاريخ يريد لأبناء الحجارة الاستفادة من تجربة ثورتنا وشبابنا لتغيير واقعهم.. التغيير الذي يبدأ من التجرد من عقلية "القابلية للاستعمار" و"الشعور بالمنبوذية" والانقياد والاستسلام لمنطق الأقوى ؟!!.. إنّ هذه الطعنات وتلك التي نصفها هاهنا بالشرف، خالفت الاحتكام لمنطق "البقاء للأقوى" مثلما جاء به "داروين" و"هرم الحاجات" الذي شيّده "ماسلو"، فالتاريخ وسنن التغيير في الأنفس وفي الآفاق أثبتت أنّ البقاء لا يكون في جولته الأخيرة إلاّ ل"الأصلح"، وأنّ الفرد بإمكانه التخلي عن حاجاته الأساسية والطبيعية للعيش، وحاجته للأمان، وحاجته إلى الاجتماع، وحاجته إلى التقدير، في سبيل تحقيق ذاته، ضارباً عرض الحائط مبدئي "ماسلو": نقص الإشباع وتدرج الحاجات.. ليحل محلها مبدأً خالداً خلود الذكر الحكيم مفاده: "إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم" الرعد 11.. (*) صورة الواجهة: شاب فلسطيني في انتفاضة الأقصى + ابن الشهيد طوير يحمل السكين الذي استعمل في عملية الطعن في مظاهرات 1 نوفمبر 1961 بالجلفة الندوة التاريخية الأولى لمظاهرات 01 و02 نوفمبر 1961 بالجلفة مركز "الجلفة انفو" للدراسات و البحوث ينظم ندوته الثانية حول مظاهرات 01 نوفمبر 1961 بالجلفة