ننده أهل الخير أهل الكلمة الثابتة عن الامل الذي تحمله أمتي سيدي نايل وذريته. اصحاب القلوب النقية والسيوف الماضية عدوني من خدامكم بين كتلتين من الجبال الرائعة، "الجلال" و "ومشنتل"، في الممر الذي تدعوه البدو ب "المحاقن"، تمر قافلة "أولاد الأعور" في موكب يسر الناظرين، في طليعتها فرسان يمتطون خيولا عربية أصيلة، بنادقهم على جنب السرج، وفي أثواب زاهية، تتدثر بالبرنس، كبار، عظام، نظراتهم يلوح منها الهلع، يسوقون قوافل الجمال المتتابعة بخطواتها الرزينة و المتثاقلة، تليها قطعان الأغنام الكثيرة، والمتراصّة في صفوف يتبعها الرعاة، ثم تأتي الحمير المثقلة بالمتاع، وبعضها الآخر يحمل الأطفال، العجائز مغازلها بأيديها ، وفي الهودج ربّات الخدور، وعلى جانبي القافلة وخلفها الفرسان الذين يضمنون الأمن و حسن السير و الكلاب تنبح ... إن لمرور القافلة منظر ساحر، لاينسى أبدا ولو شاهدته لمرة واحدة في الحياة، إنها صورة من أعماق الزمن، من عصور ماقبل الإسلام، بالفعل فإن لبدو الصحراء، أشياء أكثر شاعرية، وأكثر شهامة وفروسية من غيرهم. عقلية المغامرة لديهم في آفاق لامتناهية، نحن نذكر الثناء والتفاخر بحياتهم، وبحبّهم الخيل والحرب والفرسان، في حمية متوقدة، في بلاد الرمال. نكرر القول أن في الصحراء، البدوي لايتعامل مع القبائل الخشنة ذات الأفق المحدود الضيق والتي تسكن الجبال، بل هو في موطن الشعراء والفرسان المتألقين والمتعطشين للمغامرة. أولاد عيسى، أولاد زكري، أولاد رحمة، أولاد عمارة، أولاد رابح، أولاد أم الأخوة، أولاد سعد بن سالم، أولاد يحي بن سالم، أولاد عامر بن سالم، أولاد فرج، أولاد حركات، أولاد عيفة، أولاد عامر، أولاد لخضر، أولاد سيدي زيان، أولاد عبيد الله، وآخرون يكوّنون كونفدرالية أولاد نايل، يعيشون برفقة إخوانهم وحلفائهم الأوفياء والفرسان المشهورين "العبازيز الشرفاء" المنحدرين من سلالة "سيدي عبد العزيز الحاج"، والى جنب الصحاري الفخورين الذين نكن لهم كل المودة، فهم منا ونحن منهم، و الصحاري خبيزات، والردادة، وأولاد يونس ( الصحاري العطايا) و أولاد بخيتة، كان للصحاري سلطانهم العظيم "راشد بن المرشد" وهو سياسي محنك وذو نسب وأصول نبيلة، وكذا أولاد سيدي يونس، أولاد أحمد بن امحمد وأولاد زيد، دون أن ننسى بركة " سيدي محمد بن علية "... الأب الذي أراد أن يلقن أبنائه درسا في الوئام، أعطاهم حزمة من الأسهم المتماسكة، فلم يقوى احد منهم على تكسيرها، وبتناثرها بات تكسيرها من دون جهد ولاعناء. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ )، كيف نعرف الآخر من غير أن نعرف أنفسنا ؟ ... ففي كل مرة أتصفح كتب التاريخ، وفي كل مرة كنت أكتشف شهادات كبار المؤرخين، أشعر بالفخر بإنتمائي لهذا الكيان الكبير، الذي استوطن هذه المساحات الشاسعة والتي تعرف ب" بر سيدي نايل" والذي يتميز بسيرة قويمة، عادلة مستمدة من أبيهم. تكلمنا في وقت سابق أن " أولاد نايل"، تهرّبوا من دفع الضرائب للأتراك، فالطغيان أجبرهم إما على دفع الغرمات الثقيلة المرهقة المؤدية الى الإفقار، وإما مقاومة هذه القوة الغاشمة التي تتصرف وكأنها تحتل البلاد. إنه لا يمكنهم أن يتركوا "زاغز" الزاخرة والغالية المنال، والإبتعاد عن متناول الأتراك في حماية الصحراء الشاسعة والفضاءات اللامتناهية. فالقبائل الأخرى التي تتبع "محلات فرق الإنكشاريين" و تقتات من بقاياهم، قد تطمع في نعم "زاغز" واخضرار أراضيه. هكذا كان الوضع وسكانه من "أولاد سي امحمد". قبل هذه الفترة، كان فرق الأتراك "المحلة " لا تغامر بالقرب من حدود "بر سيدي نايل" ولا تسعى للاتصال بهم، وبصرف النظر عن بعض من التجار أوالسماسرة مثل تجار الرقيق أمثال "رُقيق" من " أولاد الغويني" الذي يأتي من الجنوب الكبير بالعبيد ويعيد بيعهم في الجزائر، أو الشهير "أحمد بن مصطفي بن شويح" الذي كان قرصانا ثم اعتقل وسجن في مرسيليا، و مراسلاته المتغطرسة لملك فرنسا والتي نشرت في مجلة التاريخ التابعة للجيش الوطني الشعبي ANP. ومن قصص المعارك ضد باي التيتري سنة 1776م، إذ تم تحذير " أولاد سي امحمد" بمجئ فرقة عسكرية مُدعمة من قبل عيونهم (الشوافة)، فتركوا خيمهم بدون حماية للتمويه، وإختبأ الجزء الأكبر من سلاح فرسانهم وراء التلال، فأندفع الباي "سُفطة" بدون حذر، فانقض عليهم الفرسان من المؤخرة، حيث وقعت بهم مجزرة سقط فيها الباي "سفطة" قتيلا، وذاع صيت "اولاد سي أحمد" بعدها، وكان من قتله هو "عطية كحللش" من "أولاد عربية" حيث أخذ درعه النحاسي كغنيمة حرب، وكانت النساء تتغني بذلك اذ تقول: عطية لابس جلد نحاس ما يقتلوش الرصاص كما لقى الباي "عثمان" نفس المصير قبل عشر سنوات حيث كان يهتم بالجنوب، واستدعاه أهل الأغواط، فحاول أن يشق طريقه مهاجما "أولاد نايل" سنة 1764م ، فكان من نصيب "أولاد سي احمد " فقطعوا رأسه في تلة تسمى "كدية الباي" شمال زاغز. بطل آخر من "أولاد سي امحمد"، هو البطل "بلقاسم بن رعاش" قاد هجوما ضد "المحلة"، فغنمها، ومع الأسف غدر به فقُتل وعُلِّق على خطاطيف في سور الجزائر. وفي وقت لاحق تغيرت السياسة التركية 1790م نحو "أولاد نايل"، وكان الباي "مصطفى الوزناجي" رجل ذكي وقوي في نفس الوقت، فتقرب من أولاد نايل وحسن سياسته نحوهم. اما آغا الجزائر العاصمة "يحيى" 1816-1828م، فاستطاع بتقربه من المنطقة، و بكرمه وحلمه ومروءته، من اكتساب ثقة وصداقة قادة المنطقة، نذكر منهم "المقري " من "أولاد عامر"، و"التلي" من "أولاد سي أحمد "، و "بن الرعاش" من "أولاد ضياء"، وبفضله أصبح "أولاد نايل" لا يتبعون بايلك التيتري وأصبحوا "عرش راية"، يتبع الجزائر، عكس "عروش المخزن"، وهذا يعني ان للقبيلة رايتها، وكان لهم علم ( أخضر وأصفر وأبيض )، وعينوا لهم قائدا منهم ينزل الى العاصمة مرتين في السنة للمساهمة في دفع الضريبة. وفي وقت لاحق، أدركت الاتراك اهمية "اولاد سي امحمد"، و سمت " أولاد الغويني " و " أولاد سي أحمد"، "أولاد أم هاني" و" أولاد ضياء" ، "عروش المخزن" ، فكان الشيخ القائد يعيّن تارة من " أولاد الغويني " وتارة من "أولاد سي احمد". وهكذا الكلمة تتبعها أختها، وها نحن نتذكر أمجاد أبائنا التي تزخر بها كتب التاريخ، ومن حكاية أسلافنا ومن الروايات الشفهية، هذه ملحمة "أولاد سيدي نايل" المبعثرة بالرياح، حيث لاتندثر أبدا لأنها محروسة بعين الله عز وجل. لابد أن نفهم بأن هذه المساهمة ليست بدراسة أكاديمية، ولكنها ذكرى للغافلين بأن الأحداث مهما كانت أهميتها ومهما كان قدمها أو الطريقة التي عرضت بها لاتختفي أبدا ...هذا هو التاريخ... في الحقيقة لانذكر كل شيئ، إنا عاهدنا أنفسنا بالأستقامة وأن لانجرح المشاعر .. لقد حلقنا سريعا وعلى مراحل بما يكفي لفهم الموضوع. إن مايجب الاحتفاظ به وبكل بساطة، هو مصداقية الكلام وحقيقة الأحداث المستنبطة من بطون أمهات الكتب وشهادات من عايشوها. ليس هناك من هدف إلا إظهار المساهمات العظيمة لجزء كبير من الجزائر في المقاومة، بكل شهامة ومروءة، بدون قصد أن نهمش أونقلل من إسهامات الآخرين .. فكل الشعب الجزائري عانى ومايزال يعاني من مخلفات الاستعمار. ../.. يتبع (*) عن مؤسسة سيدي نايل/ الأستاذ: عبد الرحمن شويحة ملاحظة: المقال ترجمة للموضوع الأصلي باللغة الفرنسية (الرابط من هنا)