المرأة الفلسطينية ليست ككل نساء العالم، لأنها ببساطة تعيش وضعا شاذا وتتحمل ما تنأى الجبال عن تحمله، وقد حولتها المعاناة والظروف اللا إنسانية التي تحياها وشعبها تحت نير احتلال لم يشهده التاريخ، إلى إستشهادية وفدائية لا تخشى الأخطار ولا تهاب المنية، وسيظل التاريخ يحفظ إسم «دلال المغربي» التي اختطفت وفجرت حافلة فيها 40 إسرائيليا قتلوا جميعا عام 1978 وقبل ذلك سيحفظ إسم «ليلى خالد» التي اختطفت إحدى طائرات شركة «عال» الإسرائيلية عام 1970 وقد حوكمت البطلة في لندن واضطرت الحكومة البريطانية للافراج عنها ومبادلتها برهائن في الشرق الأوسط... ومثلما لمعت المرأة الفلسطينية المقاتلة على مر سنوات الإحتلال المريرة، لمعت المرأة المناضلة التي تتحدى صعوبة العيش في مخيمات اللاجئين وفي الشتات والأراضي المحتلة وتحيا في حالة شديدة البؤس والشقاء تحت حصار يكاد يمنع عنها وعن شعبها الهواء الذي يتنفسونه بعد أن منعوا عنهم الرغيف والدواء والكهرباء والماء والكرامة والسيادة والأرض.. ومثلما لمعت الفلسطينية الفدائية والاستشهادية واللاجئة الصامدة تحت الخيمة البائسة، تلمع كل يوم الأم الفلسطينية التي دخلت ميدان المعركة طواعية بسلاح الانجاب «الفتاك»، إذ قررت رغم عذاب العمل والأوضاع المعيشية المقرفة أن تحمل وتلد حتى تحسم معركة الديمغرافيا لصالح الشعب الفلسطيني المرأة الفلسطينية ليست ككل نساء العالم، فهي تقاتل وتلد من يقاتل، وتناضل في وجه الإحتلال والظروف الصعبة التي خلقها هذا الاحتلال، والوضع الأشد إيلاما وبؤسا في خضم الأوضاع المزرية التي تحياها المرأة الفلسطينية بين أسوار السجون والمعتقلات الرسمية والسرية، والمعاناة التي تواجهها داخل زنزانات الجلاد الصهيوني المظلمة النتنة أين يمارس عليها كل أنواع التعذيب البدني والنفسي.. وقد مرت بهذه المحنة الفظيعة منذ بداية الإحتلال أكثر من عشرة آلاف إمرأة فلسطينية ولم يميز في الاعتقال بين الفتيات الصغيرات والمعمرات وبين الأمهات والحوامل اللاتي يلدن في الدهاليز المظلمة ليسجن معهن مواليدهن لمدة عامين ثم يسحبن من بين أحضانهن دون رحمة ولا شفقة.. ومن تقع في الأسر وبين أيدي الجلاد والاسرائيلي كمن تقع بين مخالب وحش كاسر، إذ تتعرض لكل أنواع التعذيب والتنكيل والترهيب والهدر لإنسانيتها.. وتفيد شهادات عديدة للأسيرات المفرج عنهن، أنهن تعرضن للضرب والضغط النفسي والتهديد بالاغتصاب بل والإغتصاب، ويعجز المرء عن إعادة سرد مآسي هؤلاء البطلات لهول ما عانينه، لكن على العالم أن يقف على الأساليب الوحشية التي تمارس على الأسيرة الفلسطينية المفروض أنها محمية بنصوص إتفاقية جنيف... ومن بين أساليب التعذيب، التهديد بالاغتصاب لانتزاع الاعترافات، والضغط النفسي الذي يتم بطرق عديدة منها أن يجلب الجلادون أحد أفراد الأسيرة ويعذبونه أو يهددونه بالتصفية أمامها لإرغامها على قول ما يريدون ومنها الزج بها في زنزانة إنفرادية مظلمة تكون في الغالب تحت الأرض ليس فيها إلا العتمة والبرد، لا صوت ولا حركة، وتترك الأسيرة هناك لأيام وأسابيع طويلة لا تعلم ليلها من نهارها حتى يشعرونها بالرهبة واليأس ومن ثم يجبرونها على الإستسلام.. ومن أساليب الضغط النفسي أيضا القذف بعشرات الساقطات والمومسات اليهوديات في زنزانة الأسيرات ومحاولة الاعتداء عليهن، وأيضا استعمال طريقة الشبح وعدم النوم، إذ يوضع كيس نتن على رأس الأسيرة يحبس أنفاسها وتقيد يديها للخلف وتترك واقفة أو مقرفصة لساعات طويلة ويصاحب ذلك منعها من النوم وتناول الطعام. كما تتعرض الأسيرة لتعذيب أكثر عنفا حيث يتم اقتيادها إلى غرفة منعزلة تتصل بأخرى وضع فيها الجلادون جهاز تسجيل وعليه صوت فلسطيني معتقل وهو يصرخ ويستغيث من فرط التعذيب، ثم تنقل المعتقلة الى غرفة مليئة بالدم ووسائل التعذيب والملابس الممزقة حتى تصل إلى حالة ذهنية وعصبية تجعلها تستسلم دون مقاومة.. ويلجأ الجلادون دائما إلى الضرب الوحشي أثناء الإستجوابات ولا تسلم حتى الحوامل وإلى الحبس الإنفرادي أو مع السجينات الجنائيات والتفتيش العاري والتجويع والمنع من الخروج إلى الساحة وتقليص أو منع زيارة الأقارب، ومصادرة الكتب والمذياع، والإهانة والشتم، وعدم معالجة المريضات وعدم توفير أماكن خاصة لأداء الشعائر الدينية... حياة الأسيرة الفلسطينية كلها معاناة منذ لحظة اعتقالها وإلى حين استفادتها من الإفراج، والعالم المتغني بالديمقراطية وحقوق الإنسان يدير ظهره حتى لا يرى ما يقترفه الصهاينة من جرائم، ضد الانسانية في حق الفلسطينيين، ويبقى في الأخير الاشارة إلى أن الفلسطينية سواء كانت داخل الزنزانة وبين أسوار السجون الإسرائيلية أو كانت خارجها، فهي أسيرة مع شعبها في سجن كبير يمارس فيه السجان الصهيوني طقوس عنفه وشذوذه وإجرامه بتواطؤ دولي مفضوح.