كان القائد مروان البرغوثي ومازال رمزا من رموز الحركة الوطنية الفلسطينية وقائدا من قياداتها الذين وهبوا حياتهم وأرواحهم لفلسطين وطنا وشعبا ودولة، لذلك وجدنا أنه من الضروري ان نحاوره عبر صفحات جريدة «الشعب» لما لها من رمزية وحضور وفعالية في الوجدان الجزائري خاصة وأنها صحيفة حملت القضية الوطنية الجزائرية منذ بزوغ فجر الدولة المعاصرة بعد انتصار الثورة الجزائرية التي تعتبر أعظم حدث عربي إسلامي سجل في القرن المنصرم، لكن الحوار مع القائد مروان لم يكن سهلا وممكنا خاصة وأنه مازال يقبع في غياهب زنازين المحتل الصهيوني، لذا وعبر زوجته المناضلة فدوى البرغوثي تمكنا من إرسال الأسئلة إليه حيث سلمتها لمحاميه الخاص الذي يعتبر همزة وصل دائمة بين مروان والعالم الخارجي. «الشعب»: ما موقفكم من عملية السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وهل تعتقدون أنه في ظل حكومة نتنياهو يمكن صنع السلام؟ د. مروان البرغوثي: إن عملية السلام ميتة ومحاولات إحيائها اصطناعيا منذ سنوات هدة لم ولن تجدي، لانه لا يوجد قرار استراتيجي في اسرائيل بالسلام الذي يعني بالنسبة لنا انهاء الاحتلال والانسحاب الى حدود 1967، ولا يوجد شريك للسلام الحقيقي في اسرائيل، حكومة اسرائيل هي حكومة احتلال واستيطان وارهاب وحصار وعدوان، وواهم من يعتقد بامكانية صنع السلام او تحقيقه مع اسرائيل في هذه المرحلة. الخطوة الاولى للخروج من المأزق والطريق المسدود هو في المصالحة الوطنية اولا، وثانيا بنقل الملف الفلسطيني كاملا الى الاممالمتحدة ومجلس الامن الدولي والاستناد الى قرارات الشرعية الدولية وانهاء الاحتكار الامريكي لهذا الملف، وثالثا اتخاذ موقف عربي صلب وواضح وصريح بالضغط على امريكا واسرائيل وابتداع وسائل جديدة لهذا الضغط، ورابعا تعزيز الجبهة الداخلية الفلسطينية من خلال توسيع وتعزيز وتصعيد المقاومة الشعبية وتوسيع دائرة المشاركة فيها ورقعتها الجغرافية ومواصلة العمل على عزل اسرائيل ومحاصرتها على المستوى الدولي رسميا وشعبيا، وسادسا مواصلة عملية بناء مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية. ̄ تتذكرون المقولة الإسرائيلية في زمن الشهيد ياسر عرفات أنه لا يوجد شريك للسلام.. وبعد رحيله وقدوم أبو مازن لماذا لم يصنع السلام، ومن يقف حجر عثرة في وجه حل الدولتين؟ مفتاح السلام في المنطقة هو إنهاء الاحتلال ̄ ̄ لم تتخذ اسرائيل قرارا استراتيجيا بالسلام منذ مؤتمر مدريد وحتى الآن، والسلام الاسرائيلي ليس مقبولا على الشعب الفلسطيني بتاتا والذي يقف حجر عثرة هو الاحتلال والاستيطان وحكومات اسرائيل الرافضة لإنهاء الاحتلال، وكما أكدنا دوما بأن مفتاح السلام في المنطقة هو انهاء الاحتلال أولا لأن اليوم الأول للسلام هو اليوم الأخير من عمر الاحتلال، ولا سلام مع الاحتلال والاستيطان وتهويد مدينة القدس، وواهم من يعتقد بامكانية تحقيق السلام مع حكومة اليمين المتطرف والعنصرية والارهاب والاحتلال في اسرائيل. ̄ كيف ترون مستقبل السلطة الفلسطينية، وهل تعتقدون أن الرئيس جاد في حلها؟ ̄ ̄ السلطة الوطنية هي إنجاز وطني تحقق بفضل تضحيات شعبنا على مر نصف قرن منذ انطلاقة الثورة حتى الآن، والمشكلة ليست في السلطة وإنما في فشل عملية السلام ورفض اسرائيل انهاء الاحتلال، والسلطة هي نواة للدولة وليست هدفا بحد ذاتها، والسلطة ايضا تعيش تحت الاحتلال وتحت قيوده، وتعرضت السلطة ومؤسساتها للتدمير والتصفية في السنوات الاولى للانتفاضة في ظل قيادة الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات، ونحن نرى ان وظيفة السلطة هي دعم وتعزيز الصمود والثبات على الارض ودعم واسناد المقاومة وبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، القادمة لا محالة، ويجب التمييز بين وجود السلطة ككيان يقدم الخدمات لشعبنا وكنواة للدولة العتيدة وبين فشل عملية السلام. ̄ ينظر اليكم كبطل ميثلوجي فلسطيني يقبع في زنازين الاحتلال، هل هناك حراك سياسي لمبادلة شاليط، هل أنتم ضمن صفقة التبادل؟ ̄ ̄ كما اعلنت قيادة حماس اكثر من مرة وعلى أعلى المستويات، وكما اعلن في وسائل الاعلام الاسرائيلية، فاني جزء من القائمة التي تقدمت بها حركة حماس والفصائل الآسرة للجندي شاليط، وآمل ان تتم الصفقة التي يتحرر من خلالها جميع الأخوات والإخوة المدرجين على القائمة، ونحن على ثقة بان الحرية قادمة وان الاحتلال زائل وان حكومة اسرائيل ستضطر للموافقة على القائمة كاملة لانه لاخيار لاستعادة الجندي شاليط الا بهذه الشروط. ̄ في حال إطلاق سراحكم، إن شاء الله، كيف سيكون دوركم؟ وهل أنتم قادرون على السير في مسيرة أوسلو؟ وما هي رؤيتكم لإقامة الدولة؟ فقدنا حريتنا من أجل حرية شعبنا ̄ ̄ إن ما يهمنا اولا هو حرية شعبنا الذي فقدنا حريتنا من اجل حريته، وشعبنا العظيم يستحق منا كل التضحيات، ولهذا فإن الأولوية المقدسة لنا هو إنهاء الاحتلال وجلائه عن أرضنا وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال وعودة اللاجئين الى وطنهم وتحرير جميع الأسرى، وقد اقسمنا على مواصلة طريق النضال والكفاح والمقاومة حتى نيل الحرية والاستقلال ولن نتخلى عن هذا النهج أيا كان موقعنا ومكانتنا، وأيا كانت الظروف. أما اتفاقية أوسلو فقد انتهت وداست عليها الدبابات الاسرائيلية والاستيطان وتهويد القدس واغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، كان ذلك قرار إسرائيلي واضح بإنهاء أوسلو إلى غير رجعه. ̄ كيف تنظرون إلى وضع الساحة الفلسطينية؟ من المخجل الإبقاء على حالة الإنقسام الفلسطيني ̄ ̄ إن حالة الانقسام كارثة على الشعب الفلسطيني وذريعة يستغلها أعداء شعبنا وهي تضعف الحالة الفلسطينية وتشوه الوجه المشرق لشعبنا الفلسطيني العظيم، ومن المؤسف والمخجل ان تستمر هذه الحالة، وهي تمثل ادارة الظهر للشهداء والجرحى ولمعاناة وتضحيات شعبنا، ومن جانبها فإن حركة فتح اتخذت قرارا استراتيجيا منذ فترة طويلة بتجاوز كل الآلام والجراح وضرورة تقديم تنازلات صعبة وقاسية من أجل المصالحة، ووافقت وبقوة على وثيقة الأسرى للوفاق الوطني، ورحبت بمبادرة الشخصيات المستقلة، وحركة فتح تقف الى جانب وفدها للمصالحة وتدعم جهده المتواصل، وأنا أدعو الإخوة في قيادة حماس لاتخاذ قرار استراتيجي بالمصالحة لأن المصالحة هي حجر الزاوية في بناء موقف فلسطيني قوي وجبهة فلسطينية موحدة قادرة على مواجهة العدوان والاستيطان وتهويد مدينة القدس والحصار الظالم لقطاع غزة وتوفير الحصانة والقوة للموقف السياسي الفلسطيني الرافض لاستئناف المفاوضات، وقد أكدنا دوما ومرارا أن الوحدة الوطنية هي قانون الانتصار للشعوب المقهورة ولحركات التحرر الوطني وهي بمثابة الماء والهواء في الحالة الفلسطينية. ̄ ما تقييمكم للوضع الفتحاوي، ولماذا وصلت إلى هذا المستوى المتدني في الوجود؟ ومن هو المسؤول عن هذا الوضع المتدني؟ هل هي فتح وأفكارها أم الفتحاويين القائمين على فتح؟ مؤتمر فتح لملم الكثير من الجراح دون مداواتها بعمق ̄ ̄ لقد تعرضت حركة فتح لهزات قوية وأزمات كبيرة خلال السنوات الماضية، وشكل غياب المؤتمر العام للحركة لمدة عشرين عاما إضعافا شديدا للحركة وعرضها لحالة من الترهل والتسيب والتشرذم، وكان انعقاد المؤتمر السادس محطة مهمة ومعركة لبناء الحركة وتعزيز وحدتها والحفاظ على عنفوانها، ولكن المؤتمر لم يعالج بعض الأزمات الأساسية مثل انهيار السلطة في قطاع غزة وسيطرة حماس عليه والهزيمة في الانتخابات التشريعية عام 2006 كما لم تحدث عملية مساءلة ومحاسبة حقيقية، ومع ذلك فإن محطة المؤتمر لملمت الكثير من الجراح دون مداواتها بعمق، ونلاحط أن عجلة الحركة بدأت في العمل ولكن بشكل بطيء ولم ترتق الانجازات إلى مستوى التوقعات حتى اللحظة، وحركة فتح لا تعاني من أزمة أفكار أو برامج لأن برنامجها السياسي يلقى اجماعا فلسطينيا منقطع النظير تجسد بوثيقة الأسرى للوفاق الوطني حيث تحدد الهدف بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة على حدود 1967 وبعودة اللاجئين وفق القرار الدولي 194 وتحرير الأسرى، واعتقد ان الموقف السياسي الذي اتخذته حركة فتح الآن برفض التفاوض قبل وقف الاستيطان وتحديد مرجعية واضحة وجدول زمني محدد لإنهاء الاحتلال، يعزز الموقف ويقوي الموقف الفتحاوي والوطني والمطلوب من قيادة فتح ومن اللجنة المركزية ومن المجلس الثوري مضاعفة الجهود لمواجهة التحديات وفي مقدمتها تحدي إنهاء الاحتلال والأولوية هي لهذه القضية، وكذلك تحدي إنهاء الانقسام، وتحدي استنهاض الحركة وتعزيز دورها. ̄ كيف تنظرون إلى المواقف العربية من القضية الفلسطينية؟ وماذا تريدون من العرب؟ يهودي أمريكي يقدم دعما للمستوطنين اليهود أكثر مما تقدمه الأنظمة العربية مجتمعة للفلسطينيين ̄ ̄ الموقف العربي الرسمي ضعيف والدعم العربي للفلسطينيين دون الحد الأدنى، ويقف النظام العربي الرسمي عاجزا ومشلولا امام العدوان الاسرائيلي على لبنان وغزة وحرب التهويد لمدينة القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومهد السيد المسيح عليه السلام ومسرى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). ومن المخجل أن يهوديا أمريكيا واحدا يدعى (موسكوفيتش) يقدم دعما للمستوطنين اليهود في القدس أكثر مما يقدمه النظام العربي الرسمي مجتمعا، ويبدو أن النظام العربي الرسمي لم يكتف بإسقاط الخيار العسكري لتحرير فلسطين وإنهاء الاحتلال وتحرير القدس، بل أسقط حتى خيار الدعم السياسي والمالي والاقتصادي للفلسطينيين، ومع ذلك فأنا على ثقة بأن فلسطين تسكن عميقا في قلوب كل العرب والمسلمين، وأن الشعوب العربية والإسلامية لم تتخلى عن الشعب الفلسطيني الصامد المناضل المرابط على أرض الرباط وفي بيت القدس وأكناف بيت المقدس إلى يوم الدين، ومن حق الفلسطينيين على إخوانهم العرب والمسلمين أن يدعموا صمودهم ونضالهم وكفاحهم. ̄ الجزائر ثورة وشعبا، ماذا تعني لكم؟ وكيف تنظرون الى الثورة الجزائرية المنتصرة؟ ألا تعتقدون أن السياسة الجزائرية ثابتة تجاه فلسطين؟ وماذا تنتظرون من الجزائر؟ الثورة الجزائرية هي التي أشعلت الحماس في نفوس ووجدان الفلسطينيين ̄ ̄ ربما لا يعرف الكثيرون أن الثورة الجزائرية كانت الملهم الأول لمؤسسي حركة فتح وأنها شكلت النموذج الذي يقتدى به، والثورة الجزائرية هي التي أشعلت الحماس في قلوب ووجدان وعقول الفلسطينيين لإطلاق ثورة فلسطينية مسلحة شبيهة بالثورة الجزائرية، وقد عبر عن ذلك القادة الشهداء، ياسر عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد) في أكثر من مناسبة، وهناك رابطة خاصة وعلاقة روحية تربط ثورة الجزائر بثورة فلسطين ولازلنا نتذكر ما قاله الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1964 حيث كان وزيرا لخارجية الجزائر: «إن الجزائر لن تكون حرة ما لم تتحرر فلسطين»، كما أن الرئيس الراحل هواري بومدين قال: «نحن مع فلسطين ظالمة او مظلومة ومع الثورة الفلسطينية»، والشعب الفلسطيني يتذكر دوما ان اعلان الاستقلال الذي تلاه الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات انطلق من بلد المليون ونصف المليون شهيد، ونحن نتمنى للجزائر العزة والقوة ومزيد من الوحدة والازدهار والتقدم، كما نشكر للجزائر ولجبهة التحرير استضافتها لأول مؤتمر دولي ينعقد لنصرة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الاسرائيلي، آملين ان تلقى توصيات هذا المؤتمر ترجمة وتنفيذا، ونحن على ثقة ان اللجنة التحضيرية ولجنة المتابعة ستواصل هذا الدور ونقدم شكرنا الخاص للأخ عبد العزيز بلخادم لدوره وجهده المميزين في هذا المؤتمر. وبهذه المناسبة أتوجه بالتحية والتقدير للجزائر العظيمة وللشعب الجزائري المناضل، وأقول كما انتصر شعب الجزائر سينتصر شعب فلسطين، وكما أصبحت الجزائر حرة ستكون فلسطين حرة، وان مصير الاحتلال الى جانب الاستعمار والعنصرية الفاشية والنازية، ولن يكون بعيدا ذلك اليوم الذي تحتفل فيه الجزائر معنا بتحرير القدس إن شاء الله.