من منا لم يدفع يوما ضريبة إضافية لقاء ركنه سيارته في حي من أحياء العاصمة ملك بارونات الشوارع، وإن لم يطلب مساعدة منهم أو يعرضوا هم خدمتهم في البداية. بمجرد تشغيل محرك السيارة تلمح شبابا يحملون في الغالب عصيا أو هراوات عند زجاج السيارة مطالبين بثمن توقف المركبة في حيه المتفق عليه مع أصدقائه ضمن تقاسم جغرافي لا يقبل المساس به تحت أي طارئ. إنه وضع مقلق رصدته ''الشعب'' في جولة ميدانية بأكثر من جهة معطية الكلمة لمن ذاقوا الويلات بحثا عن أمكنة آمنة ضامنة لتوقيف السيارات. فعلا بات امتلاك سيارة التي يفترض أن تكون متاعا وتسهل التنقل على صاحبها، أمرا مؤرقا في بلادنا بعد أن صار التوقف هاجسا يقلق مالكي العربات يوميا. يحدث هذا في ظلّ النقص الفادح للمواقف النظامية ذات التعامل بالاشتراك على غرار باقي عواصم العالم. وهو وضع فتح المجال لانتشار المواقف الفوضوية بشكل مقلق زاحفة على الأرصفة والشوارع والطرقات بصفة غير مسبوقة مساهمة في محاصرة المواطنين بما فيهم السكان والمارة على حد السواء. فقد أحصت إدارة ولاية الجزائر العاصمة أكثر من ألف موقف سيارات فوضوي، تتوقف فيها أزيد من 700 ألف سيارة يوميا. والمحير في الأمر أن الهيئات الوصية في جل البلديات العاصمية لم تحرك ساكنا رغم أن المشكل مطروح مند مدة، بمقابل محاولات أخرى لبعض البلديات للتحكم في الوضع بمنح الشباب أماكن محددة للاسترزاق منها بدل أن تصبح كل الأرصفة محتكرة من طرف من فرضوا على عباد اللّه قانونهم الخاص بالعنف أو بطرق ملتوية، فلا مجال للحديث عن ساعات طويلة من التوقف مع هؤلاء الشباب الذين تمادى بعضهم إلى حد مطالبة أصحاب السيارات بتقديم مفاتيح العربات بذريعة ضمان خروج باقي السيارات. لكن هل يستمر الوضع على هذا الحل وتبقى المواقف الفوضوية هاجسا يؤرق المواطنين. ولماذا تماطل الجماعات المحلية في إيجاد مخرج نهائي لهذا الكابوس وتحرير الممرات والطرقات من ممارسات شباب وجدوا في المواقف الفوضوية حرفة تدر المال ولا تخلق الثروة والتشغيل المنظم؟ المؤكد أن وزارة الداخلية والجماعات المحلية ردت على هذا الانشغال أكثر من مرة مؤكدة أن المواقف الفوضوية، لا يمكن أن تستمر إلى مالا نهاية. وأن هناك إجراءات تحضر من أجل إيجاد حل مقبول يعيد للحظائر قيمتها واعتباراتها. وحسم الأمر الوزير دحو ولد قابلية في تصريح للصحافة على هامش اجتماع الولاة مؤخرا بقصر الأمم نادي الصنوبر. وقال أن مشروع مرسوم تنفيذي يتعلق بنشاط حراسة الحظائر وأماكن توقف السيارات يعرض حاليا على الحكومة وينتظر تطبيقه في الأيام المقبلة. وفي انتظار ذلك تبقى المواقف غير المرخصة تنتشر كالفطريات بشكل لافت، حيث تحاصر مقرات الإدارات والهيئات الحكومية والمحاكم والمؤسسات المصرفية والوزارات، التي يقصدها المواطنون رغبة في قضاء مصالح إدارية. تعشش أمام المطاعم و المراكز التجارية...الخ. فبعد أن غصت المواقف المنظمة بالسيارات حد التخمة وباتت عاجزة عن استيعابها فتح المجال ل ''تفريخ'' أماكن ركن السيارات العشوائية. وأصبح بذلك توقف السيارات في العاصمة مشكلا حقيقيا يتطلب التعجيل بإيجاد حلول فورية، حتى لا يضطر المواطنون إلى البحث مطولا عن أماكن للركن يكون إيجادها خطوة تغني عن التفكير في مشاكل الموقف في حد ذاته. سكان العاصمة عبر بلدياتها ال 57 ضاقوا ذرعا من تصرفات بعض الشباب البطال الذين حوّلوا الطرقات الرئيسية والفرعية، وكذا الأحياء والشوارع إلى مواقف خاصة بالسيارات ومختلف العربات، يجبرون أصحابها على دفع مستحقات خدماتهم التي أصبحت مع مرور الوقت تأخذ شكلا شرعيا وإجباريا غير مخير. ضريبة المواقف غير القانونية أو عقوبات الشرطة.. خياران أحلاهما مر إرتأت ''الشعب'' بأن تكون جولتها في أرجاء العاصمة لرصد أراء المواطنين والشباب الذي يمتهن مهنة حراسة المواقف على حد سواء، في يوم عطلة نهاية الأسبوع، على اعتبار أن الحركية تكون دؤوبة سيما في ساعات المساء التي تقترن خاصة بعمليات التسوق. اخترنا الأماكن التي عادة ما تكون وجهة المواطنين. كانت البداية من بلدية باش جراح بالعاصمة وقبل أن نقترب من أي سائق للسؤال عن خياره للموقف تكون الإجابة بصفة بديهية سريعة ''نحن مخيرون بين ضريبة المواقف غير القانونية وبين عقوبات الشرطة في حال الركن في أماكن غير قانونية، والكفة بالتأكيد ترجح للمواقف غير الشرعية''، باعتبار أنها أصبحت تشمل جل الأرصفة المسموح بها للتوقف، وهو ما جعلهم يرحبون بخطوة أحد المراكز التجارية الجديدة بالمنطقة الذي اختار أن يرفق مركزه التجاري بموقف للسيارات. وبحي سعيد حمدين بحيدرة تفاجئنا بإجابة أحد شباب المواقف غير الشرعية حول كيفية احتلال مكان ما للموقف. فقد أكد لنا أن الأقوى هو الأبقى، وكأننا بغابة، لا مجال فيها للكلام سوى عن القوة والعنف. واصلنا بحثنا عن معطيات هذه الظاهرة الجديدة والمنتشرة بكثرة في شوارع العاصمة، وهذه المرة بسوق الجرف بباب الزوار الذي يجمع عددا هاما من المحلات وقبلة كبيرة للعديد من العائلات، استغربنا للشروط الصارمة التي يضعها أصحاب ''الباركينغ''، حيث يطالبون السائقين بعدم إطالة مدة التوقف، بحجة أن المكان محجوز لذا لابد من الإسراع بالخروج والتسوق في عجالة. وفي كل مرة اقترن فيه سؤالنا بالتقرب من الجهات المعنية للعمل بطريقة نظامية، يواجهوننا بأنهم لطالما بحثوا عن ذلك، لكن لم يجدوا من يساعدهم. هي مظاهر كثيرة أصبحت تصنع يوميات مواقف السيارات غير الشرعية بالعاصمة. تعدت كل الحدود بعد أن أضحت لغة القوة هي السائدة، فويل من لا يدفع الخمسين دينار والمبلغ قد يزيد أو ينقص حسب الموقع، وهي الظروف التي دفعت الكثير من سكان العاصمة إلى الاستغناء عن سياراتهم بسبب هذا المشكل، وهو حال عبد الجليل الذي بات يستقل الحافلة أو سيارات الأجرة للتنقل لعمله درءا لمشكل التوقف. وقال لنا المعني: ''أن السيارة التي من المفروض أن تشكل وسيلة للترفيه ومساعدة على الحياة السلسة أصبحت عائقا كبيرا، وموضوعا يؤرق ينتظر الحلول المواتية''. الركن ب ''المعريفة'' أو بالهاتف والحجز المسبق وبمحاذاة البريد المركزي بقلب العاصمة وبين العمارات وجدنا موقفا للسيارات يعد كنزا لموظفي المؤسسات الكثيرة بهذه الجهة المكتظة يوميا، باعتبار أن العمل بقلب الجزائر العاصمة يعني التخلي عن السيارة أو التمكن من إيجاد مكان بمواقف ''تافورة'' ''بيزيي'' و ''صوفيا'' و''بونيطة.'' وهو ما يعتبر أمرا صعبا للغاية بسبب كثرة الطلبات، مما جعل استعمال المواقف الصغيرة أيضا الموجودة داخل الأحياء صعب المنال، ومرتبط بشكل أو بآخر بمعرفة قوية بالشباب الذين يتولون هذا الموقف الذي يتم فيه الحجز ''صدق أولا تصدق'' عبر الهاتف، والمعرفة المسبقة ولا مجال للصدفة به، وللعاملين الدائمين بالاشتراك وبمكان دائم مخصص يتم دفع مستحقاته سواء بالركن أو بتغيب في أي يوم لأنه يصبح أحقية للسائق، وله أن يقدمه لمن يشاء. إنها شهادة حية قدمت لنا السيدة حميدة موظفة والتي تستعمل هذا الموقف، حيث اعتبرت أن الحظ قد حالفها في ذلك، بالرغم من أن مكان عملها يحمل موقفا صغيرا جدا، إلا أنه لا يكفي ولا بأي شكل من الأشكال كل الموظفين المالكين لسيارات. وعبر الأحياء العاصمية التي تنقلنا إليها في العمل الصحفي الميداني، وجدنا أن الشوارع الضيقة قد تحولت إلى ''باركينغ'' ولا يهم إن كان ذلك يشكل عوائق كبرى لسير حركة المرور. وعن سبب تفشي هذه الظاهرة أكد أحد الحراس بموقف صوفيا بتافورة رفض الإدلاء باسمه أن الأمر متعلق بوجود أشخاص يدفعون بكل بساطة بسبب خوفهم أو لأسباب أخرى، وهو ما يشجع هؤلاء الشباب الذين تمادوا أولا، بفرض أماكن ممنوعة للوقوف وجعلها مواقف للسيارات، وثانيا، بعدم التمكن من تحقيق أي حماية لها. وأضاف الحارس في شهادته: ''عندما يأتي الشرطي ويقوم بوضع الكماشة على عجلة السيارة، فإن الشاب المعني بالحراسة لا يعنيه الأمر، فكيف ينخدع المواطنون بهذه الطريقة؟ هم عاجزون عن ضمان أي شيء لا حراسة ولا حريق ولا شرطة ''... سرقات وإذعان لبارونات ''الباركينغ'' في ظل غياب البديل تشير الإحصائيات إلى أنه تمّ تسجيل سرقة أكثر من 51 ألف مركبة خلال عشر سنوات، تركزت أغلبها في حوادث فقدان السيارات بولاية العاصمة، جل عمليات السرقة تمت إما في المناطق غير الآمنة أو مواقف السيارات غير الشرعية. بالنسبة للمتواطئين مع عناصر الشبكات في تزوير الأرقام التسلسلية أو محاولة تسوية الوثائق الإدارية للمركبات المسروقة، فقد بلغ عددهم أكثر من 550 شخص يعملون في مختلف الهيئات الإدارية، خاصة مصالح البطاقات الرمادية بالدوائر. وتعتبر طريقة تقليد المفاتيح من أهم الطرق المستعملة بعد أن أصبح منح المفاتيح بحجج إعادة ركن السيارة عند الحاجة أمر مفروض على صاحبها، والمسلسل بعد ذلك وضع اليد على مفتاح السيارة لتمكين البقية من تنفيذ السرقة بكل سهولة، خاصة بالنسبة للأشخاص المعروفة أماكنهم. هي إذن مشاكل متداخلة لتجاوزات مختلفة صنعت بكل جدارة مافيا الشوارع والأحياء يفرضون بلغة القوة ما هو غير شرعي ولا قانوني على السائقين. وحتى لا نرى من الكأس جزءه الفارغ فقط، فإن هناك في بعض المواقف التي تعد على أصابع اليد ممن يرضون بما يقدمه السائق حتى ولو كان عشرة دنانير لأنهم بكل بساطة أرباب عائلات يحاولون البحث بكل السبل والطرق لإيجاد مصدر للعيش بعيدا عن القوة وقوانينينها. والمشكل الأهم في وجود هذه المواقف الفوضوية التي تعددت أسباب ظهورها فيما نتائجها واحدة ومشتركة بين مختلف الجهات، هي أنها بقع سوداء تنغص فرحة التمتع بوسيلة يفترض أن تكون ترفيهية، ومساعدة على ضمان حياة يومية سهلة. وفي هذا الإطار بالذات أبدى أصحاب السيارات من سكان العاصمة الذين دردشنا وإياهم تذمرهم الكبير من النقص الفظيع في مواقف السيارات التي عوضتها المواقف غير الشرعية أمام أعين السلطات العمومية التي تراوح مكانها لحل هذا المشكل. وعن أكثر الأمور التي باتت تشكل هاجسا للسائق الجزائري بالعاصمة من ممارسات بعض هؤلاء الشبان، هو اعتدائهم على المواطنين في حالة عدم الدفع، بل وأصبحوا يقومون بتحديد مدة التوقف، وأي إخلال بقوانينهم يعني وابلا من الشتائم وقد يصل الأمر على الضرب أو تحطيم زجاج المركبة وهلم جرا. المحامي فاروق مشيغل في شهادة مثيرة: إبتزاز مفضوح والبلدية أول المسؤولين شدّد المحامي فاروق مشيغل، على أن القانون الجزائري بريء من وجود أي نص قانوني يبيح مثل هذه التصرفات، مشيرا إلى أنه ليس هناك مادة قانونية تنظم عمل هؤلاء الشباب الذين يحتلون أماكن عمومية ويستغلونها بصفة غير شرعية. وأكد أن البلديات يمكنها أن تتكلف بهذا العمل قانونيا، لأن لديها الحق في منح رخص استغلال أماكن التوقف، أو أنها تهيئ أماكن للتوقف وتمنح شباب عبر تعاونيات فرصة الاستغلال الفردي مقابل دفع مبلغ محدد. لكن بالنسبة للأرصفة، فالأمر غير مقبول، لأن أماكن التوقف لا بد أن تشرف على تهيئتها البلدية بصفة مسيجة أو بحائط، مما يسهل حراستها. بيد أن ما نشهده أن بعض الشباب وحتى الأطفال يطالبون بمقابل عن توقف عادي بالطريق العام، باعتبار أنه للجميع ولا يمكن لأي جهة أن تنصب نفسها مسؤولة عليه. وحسب المحامي، فإن ذلك مخالفة للقانون ولا يجوز للبلدية ولا للشبان أن يأخذوا مقابلا ماديا لتوقف سائق لقضاء بعض حاجياته في شارع يشغل للمرور، ويسمح فيه بالتوقف. ولهذا فهناك مخالفة قانونية ومخالفة للقواعد العامة، فلا يجوز أن يدفع المواطن إذا توقف 6 أو 5 مرات أكثر من 250 دينار يوميا، وهو ما وصفه فاروق مشيغل بالظلم والابتزاز، متسائلا عن وجود السلطة العمومية في خضم كل هذا، فيما يقع المواطن تحت رحمة مجموعة من الشباب، مضيفا أن السيارة قد تتعرض لسرقات كما قد تصاب بحادث وفي كل الحالات أصحاب هؤلاء المواقف لا تعرف هويتهم؟.