الشراكة الأجنبية للاستفادة من الخبرة والتكنولوجيا البحث العلمي والتطوّر التكنولوجي خيار استراتيجي إرساء إطار قانوني وآليات للعمل بين الجامعة والمؤسسة قدّم الدكتور محمد حشماوي تشريحا دقيقا لواقع المناولة في الجزائر مقترحا حلولا واقعية من أجل انتعاش وتطوير سوق المناولة من خلال مرافقته وتشجيعه وتركيزه على أهمية الشراكة الأجنبية ذات الخبرة العالية، وكذا العودة إلى تثمين البحث العلمي، وشدّد الدكتور على ضرورة بناء جسور متينة للحوار والتعاون بين المؤسسة الاقتصادية والمؤسسة الجامعية والاصغاء المتبادل لمعرفة متطلبات واحتياجات السوق الوطنية من كفاءات ومؤهلات علمية قادرة على مواكبة تطور القطاع الاقتصادي ومن ثم النهوض بقطاع المناولة وبالتالي تموين المؤسسات الصناعية الكبرى بكل ما تحتاجه من مدخلات مختلفة تجعلها تستغني عن استيرادها من الخارج ودعا كل من الجامعة والمؤسسة الاقتصادية إلى إنشاء إطار قانوني وآليات للعمل المشترك لدفع التكامل بينهما وبهدف المساهمة معا في بناء اقتصاد منتج ومتنوع. «الشعب»: كيف تقيّمون واقع المناولة في الجزائر؟ الدكتور محمد حشماوي: أدركت الجزائر مؤخرا وبشكل واضح وقناعة راسخة أهمية ودور المناولة الصناعية في تقوية وتعزيز النسيج الصناعي، وبالتالي دفع عملية التكامل بين هذا الجزء من القطاع الصناعي الصغير بخبرته الصناعية ومن تم المساهمة بشكل كبير في عملية الاندماج الصناعي الوطني أفقيا وعموديا، وكل ما يترتب عنه من تعويض المنتوجات الصناعية المستوردة بمليارات الدولارات والمساهمة في عملية التوزيع الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، وبنظرة تقييمية موضوعية ينبغي الاعتراف أنه يبقى قطاع المناولة الصناعية في جميع الفروع الصناعية مازال غير متماسك وليس بالقوي مقارنة بالدول الأخرى خاصة دول الجوار، على خلفية أن الإحصائيات تشير أن عدد المؤسسات النشطة في مجال المناولة الصناعية لا يتعدى 900 مؤسسة أي ما يعادل 10% من النسيج الصناعي، ويمكن القول أن هذه النسبة مازالت بعيدة عن ماتحتاجه الجزائر، وعلى اعتبار أنه مقارنة تم تسجيل نسبة 20% و 30% بكل من تونس والمغرب ناهيك عن علاقة هذه النسبة بعدد المؤسسات المكونة للنسيج الصناعي بهذين البلدين. لعلّ التأخر المسجل في مجال المناولة الصناعية يمكن أن يكون جزء منه يعود إلى الإستراتيجية الصناعية التي اعتمدتها الجزائر، منذ الاستقلال إلى غاية أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي، حيث منحت الأولوية للصناعات الكبرى، وكذا الاعتماد على ما يطلق عليه بعقود المفتاح في اليد والمنتوج في اليد من جهة ومن ثم غياب القطاع الصناعي الصغير والمتوسط غير العائلي القادر على تنويع الاقتصاد والدفع لتكامل هذا القطاع مع قطاع المؤسسات الصناعية الكبرى التي توجهت إلى استيراد جل مدخلاتها من الخارج وحان الوقت من أجل كبح الواردات واستبداله بمنتوج وطني ذا جودة عالية، حيث بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي يصدر جزء منه نحو الخارج. العمل بالمقاييس ماهي النقائص والاختلالات التي تواجهها؟ بالرغم من المجهودات المبذولة في هذا المجال، منذ تسعينات القرن الماضي، وذلك بإيجاد هيئات كبورصة المناولة والشراكة والمجلس الوطني للمناولة وتوفير قوانين لإنشاء وترقية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومن بينها مؤسسات المناولة إلا أنها مازالت غير كافية لتلبية حاجيات السوق الجزائري على مستوى كل القطاعات، نذكر من بينها على وجه الخصوص الميكانيكية والبتروكيماوية والفلاحية وإلى جانب الالكترونية، وكذا قطاع البناء وما إلى غير ذلك. وبالإضافة إلى قلة مؤسسات المناولة فإن 80% منها يتواجد في قطاع البناء، والباقي موّزع على باقي القطاعات الأخرى. أضف إلى كل ذلك تسجيل ضعف سوق المناولة، لأن جزء كبير منها يحتاج إلى تأهيل وتفعيل حتى يتسنى له تلبية حاجيات السوق لأنها لا تتوفر على الشروط التقنية المطلوبة كشروط الأمن والسلامة والجودة بسبب غياب لدى البعض العمل بالمقاييس والمواصفات الدولية لعدم توفرها على شواهد التصديق والمطابقة «إيزو»، علما أنه في ظل غياب شهادة المطابقة يبقى منتوج هذه المؤسسات غير مرغوب فيه من طرف الشركات الكبرى. من بين المشاكل المسجلة والتحديات التي تواجهها بعض شركات المناولة نسلط الضوء كذلك على الأسعار، حيث أن هذه المؤسسات تعاني من قلة المدخلات الوطنية في هذه المنتوجات، أي يتم اقتناء الكثير منها من الخارج مما يضاعف من تكاليف الانتاج، ومن ثم يصعب من مواجهتها لتحدي المنافسة الشرسة أمام المنتوجات الأجنبية. الاستغلال الأمثل لطاقات الإنتاج يوجد نسيج صناعي معتبر يرتكز على مركبات ومصانع، غير أنه يسجل تأخرا في إدماج المناولة في هذا النسيج؟ الجدير بالإشارة، فإنه منذ بداية الإصلاحات الاقتصادية في أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي أصبح الاهتمام بقطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة يتزايد من سنة إلى أخرى، وبالمقابل انتعش الاستثمار في العديد من القطاعات نذكر من بينها قطاع الخدمات والمكانيك والبناء والفلاحة والبيتروكيمياء والصناعات الغذائية وما إلى غير ذلك، علما أن هذه الحركية الجديدة من جهة والفاتورة الباهظة بالعملة الصعبة من جهة أخرى لاستيراد مدخلاتها، دفع إلى وضع المناولة الصناعية من الخيارات الإستراتيجية للنهوض بالقطاع الصناعي وتنويعه، وعلى اعتبار أن قطاع الغيار ثار مكلفا ويرهق في الكثير من الأحيان المؤسسات الصناعية و زبائنها من حيث القدرة التنافسية وأسعار البيع. بهدف العمل على تطوير النسيج الصناعي وتنويعه لا بد من تطوير قطاع المناولة، لأن هذا الأخير يساعد على الاستغلال الأمثل لطاقات الإنتاج المتوفرة وبالتالي تفعيل التخصص لرفع الكفاءة وتحسين الجودة والضغط على التكاليف وتطوير أداء المؤسسات ورفع قدرتها التنافسية، لأن الاحتياجات كثيرة ومتنوعة وسوق المناولة مقبل على الازدهار في حالة مرافقته وتشجيعه بأخذ المزيد من الإجراءات الضرورية لذلك، من خلال مرافقة وتأهيل مؤسسات المناولة ودعمها ماليا وتقنيا وبشريا للحصول على شواهد التصديق والمطابقة، فهل يعقل أن مؤسسة واحدة من 900 مؤسسة في الميدان تحوز على شهادة المصادقة، بينما يتجاوز عدد المؤسسات الحاصلة على هذه الشهادة 3000 مؤسسة بتونس. من جهة أخرى، ينبغي على بورصة المناولة والشراكة والمجلس الوطني المناولة والهيئات الداعمة للاستثمار أن تلعب دورا أكثر لاستقطاب المزيد من الاستثمارات والقيام بالتعريف بمنتجات هذه المؤسسات لدى المؤسسات الكبرى وخلق شراكة وتكامل بين القطاعين وفتح المجال للشراكة الأجنبية للاستفادة من خبرتها وتكنولوجياتها، لكن شراكة تحول العلم وتقدم الإضافة للإنتاج الوطني. التجديد والابتكار ماهو الدور المنتظر أن تلعبه الجامعة علما أن المناولة تقوم على الابتكار؟ إن القطاع الصناعي بشكل عام وقطاع المناولة على وجه الخصوص، قطاع ديناميكي يعتمد على التجديد والابتكار والإبداع، ولاشك في أن هذه الديناميكية تأتي من البحث العلمي والتطور التكنولوجي، وهذا الأخير يأتي بدوره من الجامعة، وعليه فتعزيز العلاقة بين الجامعة والمؤسسة أصبح أكثر من ضروري إذا أردنا مساهمة المؤسستين في عملية التنمية. ولا يخفى أن الجامعة بقيت لفترة طويلة بعيدة عن اهتمامات القطاع السوسيو-اقتصادي، كما بقيت المؤسسة أيضا منغلقة على نفسها مكتفية بالمعرفة القليلة لديها لتسيير أمورها، بدون العمل من أجل التوسع والتراكم والانتقال من مؤسسة صغيرة محلية وعائلية إلى مؤسسة تطمح إلى التموقع عبر الأسواق الوطنية ومن ثم العالمية، وهذا يتطلب جعل البحث العلمي والتطور التكنولوجي من الخيارات الإستراتيجية للمؤسسة. ففي ظل تنوع النسيج الصناعي والاندماج الاقتصادي الذي عرفته الجزائر خلال السنوات الأخيرة، ينبغي على المؤسسة الاقتصادية والمؤسسة الجامعية بناء جسور فيما بينها للحوار والسماع المتبادل لمعرفة متطلبات واحتياجات السوق الوطنية من كفاءات ومؤهلات علمية قادرة على مواكبة تطور القطاع الاقتصادي والنهوض بقطاع المناولة وتموين المؤسسات الصناعية الكبرى، بما تحتاجه من مدخلات مختلفة تجعلها تستغني عن استيرادها من الخارج بملايير الدولارات، وكذا استعمال هذه المبالغ المقتصدة في توسيع نشاطاتها وتلبية الحاجيات الوطنية ولما لا التفكير في التعدد وتنويع مصادرها المالية. ينبغي القول أن الجامعة تتوفر على المئات من المخابر العلمية في جميع الميادين، نذكر من بينها التقنية و التكنولوجية و الصناعية بمختلف فروعها. في الوقت الحالي ما على المؤسسة الاقتصادية الجزائرية، إلا التقرب من هذه المخابر والاستفادة من المنتوجات التي غالبا ما تبقى بين جدران هذه المخابر رغم التكاليف الباهظة التي تستهلكها. لتثمين هذه المنتوجات ومشاركة المؤسسة الاقتصادية في توجيه عمل هذه المخابر لإنتاج حاجياتها. ينبغي على المؤسستين أي كل من الجامعة والمؤسسة الاقتصادية إنشاء إطار قانوني وآليات للعمل المشترك لدفع التكامل بينهما والمساهمة معا في بناء اقتصاد منتج ومتنوع. وينتظر الكثير من هذه الشراكة لرفع التحدي وتفعيل أداء قطاع المناولة حتى تكون جودة الانتاج وتدفقه بالشكل الكافي ويلبي السوق الوطنية.