يحتل مشروع القانون العضوي المحدد لتنافي العهدة البرلمانية مكانة هامة في الو رشات المفتوحة ضمن الإصلاحات المتعددة الأوجه المعول عليها في ترسيخ جزائر جديدة تبني تجربتها وفق خصوصية وتمايز تمنحها استقلالية القرار والخيار دون وصفات خارجية جاهزة. وجاء المشروع الذي شكل جوهر اقتراح الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية وممثلي الجمعيات في المشاورات السياسية حول الإصلاحات من اجل إعطاء قوة اكبر للبرلمانيين واستقلالية لهم في تأدية المهام التشريعي وتعزيز سلطته الرقابية. و يشكل رافدا أساسيا في الو رشات المعروضة على الدورة البرلمانية الخريفية للإثراء والنقاش لسد فجوة كبيرة في الممارسة التشريعية التي طبعت الحياة السياسية في جزائر الأحادية والتعددية على حد سواء.وهي فجوة كرست على مدار السنين أخلت بالعمل التشريعي وأضعفته وأثقلته بضغوطات هو في غنى عنها.وجعلت البرلمان مجرد غرفة تسجيل لنصوص قانونية تأتي إليه وتمريرها دون إرفاقها بنقاش معمق تكون فيها مواقف ممثلي الشعب والأمة كلمة الفصل والحسم . وجعلت هذه الوضعية الرقابة البرلمانية في موقع هزيل لا تقوى على مواجهة اختلالات عمل الجهاز التنفيذي وإصلاح مسار السياسات الوطنية وإظهار أنها في مستوى المسؤولية والثقة. وظل السؤال المحير يردد على المسامع كيف يمكن ترقية النائب العمل التشريعي وتأمين الحضور الدائم عند كبريات المشاريع ومصيريتها إذا كان يتقاضى وظيفة أخرى تأخذ اغلب وقته واهتماماته ورعايته؟ ظل السؤال يطرح من أكثر من جهة أثناء ترسيخ لدى الرأي العام والمتتبعين للشأن البرلماني الصورة السلبية عن جلسات تشريعية شبه فارغة بسبب اهتمام النواب بأشياء غير الأشياء التي انتخبوا من اجلها تمثيل من انتخبوهم وحمل همومهم وانشغالاتهم دون تركهم وشانهم يغرقون في المشاكل واليأس؟ ونتيجة لهذه الوضعية التي الفت في مختلف العهدات البرلمانية قيلت أشياء كثيرة عن هذه الممارسة وألصقت تهما بنواب اعتبروا أنهم يحضون الجلسات التي تطرح فيها مشاكل الجهات التي جاؤوا منها ليس إلا؟ حدث هذا مرات ومرات رغم وجود قانون أساسي ونظام داخلي يعارض هذه الممارسة المعوجة وينادي بالحضور الدائم إلا عند الضرورة القصوى. ومهما تعددت الآراء والمبررات، فان مسالة الازدواج الوظيفي الممارس من غالبية النواب هو المفسر لحالات اللامبالاة الموجودة لدى بعض النواب وتغيبهم أو إخلالهم بواجب تأدية العمل التشريعي على أحسن حال. من هنا جاء النص القانوني المشدد على رفض الازدواج الوظيفي أثناء التمثيل النيابي طيلة العهدات التشريعية.وهو نص يحدد بدقة تنافي العهدة البرلمانية مثلما ذكره بالتفصيل مجلس الوزراء في اجتماعه نهاية شهر أوت وأحاله على غرفتي البرلمان للدراسة والإثراء قبل المصادقة عليه. فما احتوى مشروع القانون العضوي المحدد لتنافي العهدة البرلمانية الذي صادق عليه مجلس الوزراء ويدخل حيز التطبيق العملي بدءا من العام القادم تاريخ أول التشريعيات في زمن الإصلاحات السياسية؟ وماذا يقترح من مجالات يتنافى فيها الازدواج الوظيفي لدى النواب؟ حسب الوثيقة هناك حالات كثيرة للتنافي مع التمثيل النيابي كان يغض عنها الطرف في التجارب البرلمانية التي عاشتها الجزائر على مدار السنين.وفي صدارتها المهام الممارسة ضمن الهيئات الرسمية من حكومة ومجلس دستوري وإدارات ومؤسسات عمومية وقضاء. ويحدد النص مجالات أخرى للتنافي مع الممارسة التشريعية ممثلة في تأدية أنشطة تجارية ومهن حرة أو عمل موكل من دولة أجنبية ومنظمة.لكن يستثنى من الموضوع ممارسة أنشطة بالتعليم العالي والطب بمؤسسات استشفائية عمومية وتولية مهمة خاصة مؤقتة لحساب الدولة. و في هذه الحالات يمكن للنائب في البرلمان أن يجد متسعا من الوقت تسمح له بأن يكون في الهيئة التشريعية وقت الحاجة دون عرقلة أو تباطؤ عن مهمته في ترقية العمل والقيام بوظيفة رقابية للجهاز التنفيذي وتقييم السياسة الوطنية وتوجيهها حسب فائدة المواطن أول المعنيين بها وآخرهم.