يتوقف رهان مكافحة الفساد ومحو آثاره بتكريس القطيعة النهائية مع مختلف وأشكال الفساد المتعددة، سواء تعلق الأمر بالرشوة والمحسوبية أو نهب المال العام وخرق القانون وقطع دابر البيروقراطية، وتقتضي الضرورة تعميمه حيث لا ينبغي أن يقتصر على القطاع الاقتصادي وحده، لأن الحياة السياسية والثقافية والمنظومة الإدارية معنية بحملة أخلقة الحياة العامة، وإعادة الاعتبار للعمل بقوة القانون واعتماد المعايير في مختلف التعاملات والقضايا، وبالتالي منح الأولوية للأفضل والأكفأ، وإلى جانب أن تجنيد جهود مكافحة مختلف التجاوزات لاستئصال الفساد، ينبغي أن تكون أفقيا وعموديا، لأنه لا يمكن محاربة الفساد على مستوى القمة ولدى الصف الأول من المسؤولين وتركه يستشري على المستوى المحلي. لا يخفى أن كلفة الفساد عالية وثمنه يسدده المواطن البسيط، الذي يتكبد آثار اختلال التوازن وتعطل آلة التنمية أوالإحالة على البطالة بعد أن تفلس مؤسسته الإنتاجية، وينعكس كل ذلك على قدرته الشرائية من خلال تدهورها، بفعل التضخم والتهاب الأسعار كمرحلة أولى، وفي المرحلة الثانية تواجه البلد التي يعصف بها الفساد، انسدادا على جميع مستوياتها حيث ينعكس ذلك على منظومتها الاجتماعية والثقافية والسياسية وقبل ذلك الاقتصادية. ولاشك أن البداية ممكنة في ظل قناعة الجميع بضرورة التغيير، من خلال القفز على السلوكات المشينة وتجاوز الاختلالات في المنظومة التسييرية ووقف هيمنة البيروقراطية على تسيير الاقتصاد، ومن هنا فإن من يعمل في الإدارة ويشارك في الحراك الشعبي السلمي يجب أن يغير من سلوكه، والمقاول الذي ينشد التغيير، لا يجب أن يقبل الرشوة وعليه أن ينسحب مستنكرا لمثل هذه الابتزازات، التي من شأنها أن تكسر الثقة وتطعن في التنافسية، وحتى على مستوى المنظومة التعليمية والصحية، توجد مسؤولية كبيرة على عاتق الطبيب والممرض والأستاذ والطالب والمسير، لأن التعليم الجيد ينعكس على مختلف المجالات الأخرى ويرسخ ذهنية وتفكير إيجابي ينبذ كل تجاوز من تلقاء نفسه. صحيح أن البداية اليوم والتركيز الجوهري يبدأ من القطاع الاقتصادي، الذي يحتاج إلى إعادة الاعتبار وتصحيح مسار الاستثمار وإعادة الاعتبار للقيمة المضافة، وبدرجة أولى استعادة الأموال المنهوبة، من خلال إيجاد الطرق وتحديد آليات فعالة لاستعادة ما نهب بطرق ملتوية أحيانا وعلى المكشوف أحيانا أخرى، ومن الملفات التي ينبغي فتحها ملفات العقار، التي استولى فيها مجموعة من الأشخاص على مساحات واسعة من الأراضي سواء ذات الطابع الفلاحي أو تلك المصنفة ضمن العقار الصناعي، ويجب أن لا يبقى قطاع السكن بعيدا عن أعين الرقابة والغربلة لفضح التجاوزات التي ارتكبت سواء من طرف مسؤوليين محليين أو مقاولين، وتحديث تسيير ملف السكن الذي مازال رغم المشاريع الضخمة والأموال التي رصدت لم يتمكن من حل أزمة السكن، وفتح تحقيق كفيل بفضح تلك التجاوزات يشمل طريقة منح الصفقات ونوعية الانجاز وكذا طريقة التوزيع. إذا فتح صفحة جديدة تقطع فيها أيادي المفسدين وقطع الطريق في وجه الفساد، يتوقف على مدى فعالية النصوص التشريعية، وقوة الآليات التي تسقط التجاوزات وتعاقب جميع المفسدين من دون انتقائية، وبعد ذلك تظهر مهمة جهاز العدالة المدعو للانخراط في مساعي محاربة الفساد والمشاركة في تحد التغيير، الذي بات ينشده كل الجزائريين حتى يتساوى الجميع أمام القانون وبتكريس مبدأ تكافؤ الفرص، والقطيعة مع الفساد تكون شاملة وجذرية من خلال التغيير الذاتي منذ بداية الاصلاح ومع ضرورة استمرار محاسبة المتورطين.