يتوافد على العاصمة السورية دمشق العديد من المبعوثين السياسيين.. منهم من يسعى لإيجاد مخرج لأوضاع هذا البلد.. وهناك من يعمل على تصعيد الضغط من أجل أن يذهب هذا النظام.. في الوقت الذي لم تتخلّ فيه المعارضة على اجتياح الشارع السوري قصد إجبار بشار عن الرحيل كذلك. نحن هنا أمام مشهد متداخل جدا،، ومعقد إلى درجة يصعب فيها معرفة حقيقة المواقف بحكم مستوى النزاع بين النظام السوري والمعارضة،، ووجود عوامل خارجية ساهمت في إبقاء الحال على هذا المنوال. تحركات هؤلاء المبعوثين ترجمه في أول مقام الأتراك الذين انخرطوا في أوضاع هذا البلد مباشرة دون أي تردد يذكر.. وتبنوا الفعل المناوىء للرئيس الأسد عندما احتضنوا المعارضة في أول إرهاصاتها بأنطاكيا ووصلوا ذلك باستقبال جموع المهجرين من مناطق عديدة تشهدها سوريا،، نظرا لانعدام الأمن،، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد،، بل إن القادة الأتراك حذروا السوريين من مغبة التمادي في الحل الأمني،، هذا كذلك لم يمنع السيد أوغلو من التوجه شخصيا إلى دمشق لملاقاة مسؤولي هذا البلد،، والحصول على ضمانات بسحب الجيش السوري من الشارع،، وتحديد رزنامة العملية السياسية،، لكن هذا لم يلق رجع الصدى من قبل قادة سوريا،، الذين قالوا نعم لأوغلو عندما كان في دمشق لكنهم انقلبوا عليه بسرعة البرق عندما أعادوا الدبابات إلى الشارع،، وألقوا بمهلة التركيبة،، السورية في أسوء مراحلها،، فعشية ذهاب وزير خارجية تركيا إلى دمشق، قال: إنه سيسمع مسؤولي هذا البلد كلاما حازما،، وفي نفس اليوم ردت عليه مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان بأن أوغلوا سيسمع كلاما اكثر حزما مما يتصور،، هذه الحرب الكلامية أظهرت فيما بعد أن تركيا غير مرحب بها في سوريا،، فوزير الخارجية أوغلوا لم يستقبل في المطار من قبل نظيره السوري وليد المعلم،، كما لم يلتقيا في اجتماع ثنائي،، بل نقل من المطار مباشرة إلى القصر الرئاسي ليستقبل من طرف بشار،، وماتزال التصريحات نارية على سوريا من قبل أعلى هرم في السلطة بتركيا،، هذا الفتور في العلاقات الثنائية أدى إلى تراجع كبير في حميمية التواصل بين البلدين. وعلى غرار موافقة سوريا على دخول رئيس الصليب الأحمر إلى أراضيها،، فإن الموفدين الروس لم يتأخروا في الذهاب إلى دمشق وفي نفس الوقت استقبال شخصيات سورية معارضة في موسكوا،، للاستماع لها،، وفتح قنوات معها لمعرفة حقيقة ما يجري،، بالرغم من أن روسيا ترفض تمرير قرار حماية المدنيين بسوريا المُصر على إصداره من قبل أعضاء مجلس الأمن مثلما كان الأمر مع ليبيا،، وبمعنى آخر فإن موقف روسيا الداعم لبشار لم يمنعها من التحاور مع المعارضة،، وفي هذا الشأن فإن التصريحات الأخيرة للرئيس ميدفيد ووزرير خارجيته لافروف، ومبعوثيهما إلى هذا البلد تسعى لأن تكون متوازنة في عدم الانحياز لأي طرف بشكل ظاهر،، وإنما الجميع يحث على الحوار،، والجلوس إلى طاولة المفاوضات،، هذا الخيار الروسي لم يحدث حتى الآن. والمبعوث أو الوفد إلى سوريا كان الأمين لجامعة الدول العربية السيد نبيل العربي الذي تنقل إلى هذا البلد بعد تأجيل زيارته نظرا للتصريحات الصادرة عن مسؤولي الجامعة والداعية إلى توقيف نزيف الدم. وحاول الأمين العام للجامعة العربية أن يترجم انشغالات القادة السوريين عندما دعا إلى عدم التدخل في شؤون هذا البلد، وهو الخطاب الذي يتكرّر يوميا في الإعلام السوري،، ونعتقد بأن الجامعة العربية غير قادرة على فعل أي شيء ماعدا التزامها الصمت على الأقل الذي يبحث عنه السوريون،، لكن تصريح أمير قطر من فرنسا كان له وقع كبير على السوريين عندما قال “إن التظاهر في الشارع السوري لن يتوقف!؟”.. هذا مؤشر على أن الوضع لن يهدأ في هذا البلد مستقبلا. ونتيجة كل هذه الاتصالات بحكام سوريا، تؤكد أن الحل ليس غدا،، وبتوضيح أكثر فإن السوريين يرون بأن التسوية تكون سورية،، سورية،، ولا داعي لكل هذه الضغوط الخارجية وإنما القرار السوري السيد هو الذي ينتظر منه حسم الموقف في الوقت المناسب والظرف اللائق. أما ما يقال هنا وهناك،، وما ينقل لهم لا يهمهم بتاتا كأنها “صيحة في واد”،، لا يريدون الإصلاح وفق أجندة خارجية،، بل يجندون ما يروق لهم،، في وضع تصور لهذا المسعى قائم على رؤية خاصة بهم،، يتطلب وقتا طويلا،، لذلك فإن الاصلاحات بالنسبة لفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا لم تعد من الأولويات الضرورية لحل هذا المشكل،، بل أن القادة الغربيين يجترون يوميا مقولة »إن بشار فقد شرعيته«،، وهذا يعني أن التوجه المستقبلي سيكون إبعاد الرئيس السوري من دفة الحكم،، والرهان كل الرهان على استصدار قرار من مجلس الأمن يبدأ بحظر الطيران التحليق جوا،، وضرب النقاط العسكرية،، وتدمير الدبابات والآليات العسكرية حماية للمدنيين كما يقولون، وهذه الدول الغربية تعمل جاهدة من أجل جرّ روسيا لهذا الخيار،، بكل الإغراءات التي تراها مناسبة سياسيا واقتصاديا،، ويتوقع أن تغير روسيا موقفها باتجاه حثّ الأسد على حل مشاكله مع شعبه،، والذهاب إلى خطوات أكثر عملية،، بعدما سجل موقف إيران الداعي إلى الحل الفوري لكل هذه التداعيات،، حتى وإن كان ذلك من البلدان المجاورة لسوريا. وفي مقابل ذلك، فإن السوريين أصبحوا أمام حالة صعبة التعامل معها،، فهناك المعارضة في الخارج والداخل الأولى تمثلها نخبة مثقفة والثانية يمثلها الشعب الذي يحرك الأوضاع في عديد المناطق الاستراتيجية (حمص، حماة، اللاذقية،،) غيرها من المناطق ذات الكثافة السكانية،، ومن جهة أخرى نجد السلطة التي تحاور نفسها للبحث عن حلول. وحتى الآن يرفض رفضا مطلقا حل “حزب البعث” »أمة خالدة،، لرسالة خالدة«،، وما يفهم من هذا التمسك هو أن القيادة السورية تريد أن يقود “البعث” عملية الاصلاحات،، ويشرف على الحوار السياسي،، وفي هذه الحالة فإن هذا العمل سيفضي إلى “حلقة مفرغة” لا يرقى إلى ما يطلب من هذا البلد ألا وهو توسيع دائرة التشاور إلى المعارضة في الميدان،، لذلك اصطدمت الإرادات في الانتقال إلى مرحلة أكثر حيوية وانفراجا. وضيق الأفق السياسي،، أدى إلى كل هذا التداخل والتعقيد بالرغم من أن المعارضة ليست منظمة بالشكل المطلوب،، ومحاولتها إيجاد أطر تمثيلية فعالة لاقت تحفظات هنا وهناك، ولا ندري من سيحسم الموقف، هل العوامل الخارجية أو الداخلية؟ لأنه لا يعقل أن يستمر مثل هذا النزاع لا غالب ولا مغلوب فيه داخليا، غير أن العقوبات تسير نحو الأقسى لعزل سوريا.