اتخذ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، قرارا سياسيا تاريخيا صعبا.. وهذا عندما أقدم على مطالبة المجموعة الدولية بمقعد في المنتظم الدولي تكون فلسطين كاملة العضوية فيه، إلى جانب العديد من الدول التي تتمتع بحقوقها في هذا الفضاء العالمي. هذا القرار لم يكن سهلا، بالنظر إلى الضغوط الممارسة على القيادة الفلسطينية، منذ أن أعلن عن هذه الخطوة.. هدفها الإحجام عن هذا المسعى، والتراجع نحو الخيارات التي كانت في السابق ألا وهي المفاوضات التي يطالب بها الأمريكيون، خاصة حتى تمحى مقولة أن القضية الفلسطينية ليست قضية دولية، بل هي مسألة إقليمية بحتة.. يرفض أن تخرج عن نطاق حدود الشرق الأوسط. وهذا ما يريد قوله الأمريكيون، عندما صرحت هيلاري كلنتون بأن إقامة الدولة الفلسطينية لا يمر عبر نيويورك، بل من خلال القدس... وهذا ما كان يوحي بأن أوباما سيعترض على هذا القرار.. وينتظر الفلسطينيين في مجلس الأمن لتأكيد ذلك.. لكن يجب أن نقول هنا أن ما حدث من المطالبة بعضوية فلسطين في الأممالمتحدة.. كان انتصارا سياسيا حتى وإن استعمل الأمريكيون حق الفيتو... ولا بد أن يستثمر الفلسطينيون في هذا الجانب السياسي المحقق بالأممالمتحدة... ويواصلون خطهم على هذا النحو، وهو الخط النضالي الذي يظهر التغير الواضح في الموقف الخاص بالقيادة الفلسطينية من الآن فصاعدا، باتجاه الدفاع عن المصالح العليا للشعب الفلسطيني... من أجل الحصول على حقوقه التاريخية التي ناضل من أجلها منذ 64 سنة. فالمفاوضات التي يتحدث عنها أوباما ستولد ميتة انطلاقا من أن مرجعيتها ترفضها إسرائيل جملة وتفصيلا.. وهي لا تريد إعادة الأرض لأصحابها.. ولا تريد عودة اللاجئين و... و... و... إنها قائمة مطولة من «اللاءات» الإسرائيلية التي كانت دائما ترفض الحق الفلسطيني.. إن لم يكن سياسيا يكون عسكريا... والقناعة العميقة لدى كل من كان يتابع ملف المفاوضات توصل إلى حقيقة مفادها.. «أن إسرائيل لا تعطي الوفد الفلسطيني أي شيء»، هذا ما دفع بهذه القيادة إلى أن تراجع حساباتها في أسرع وقت.. وأن تغير استراتيجيتها.. وهذا ما حصل بنقل الملف الفلسطيني إلى الأممالمتحدة. وكان محمود عباس، أقوى في طرحه من نتنياهو، هذا الأخير، إكتفى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بخطاب يدغدغ عواطف الحضور بتناوله لموضوع تاريخي بحت عن ما يسمى «يهودية إسرائيل»، في حين عمل رئيس السلطة الفلسطينية على تقديم حقائق سياسية لكل هذا المسعى الفلسطيني، مفاده أن «إسرائيل لا تريد السلام»، وإنما تريد ربح الوقت، كما اعتادت عليه في السابق، لكن مثل هذا التلاعب لا ينطلي على أحد. وإرادة الفلسطينيين في دخول الأممالمتحدة لم تأت من فراغ، بل هي نتاج لمسيرة نضالية طويلة جدا، استشهد فيها ما استشهد من أبناء هذا الوطن البواسل.. من أجل أن تكون فلسطين في المحافل الأممية، لذلك إنزعجت إسرائيل من كل هذا التوجه الجديد.. وهي تدفع ثمن العبث بمقدرات هذا الشعب، ورفضها الفصل في الوضع النهائي للأراضي المحتلة.. وإبقاء مستوى التعامل مع القيادة الفلسطينية في إطار السلطة بدلا من الإنتقال إلى أعلى مستوى وهي الدولة.. وهذا ما أقلق كثيرا نتنياهو... وهو يدرك بأن القيادة الفلسطينية قادرة على أن تجلب كل هذا الإستعطاف العالمي... إن دخلت الأممالمتحدة... لينتهي عهد المناورات بشعب موجود على الأرض.. عانى ما عانى من ويلات القمع الإسرائيلي طيلة عقود طويلة من الزمن.. وجاء اليوم الذي يقول فيه كلمته الحاسمة على أن فلسطين أكبر من إسرائيل.