تسعى ولاية غليزان جاهدة للخروج من عنق الزجاجة وتخطي مرحلة التأخر، الذي عرفته خلال العشرية السوداء، فكانت أن تعطلت التنمية بها إلى حد التخلف خصوصا في المناطق النائية، بعد أن طالت أيادي الإرهاب الأعمى كل شيء ولم تترك قطاعا دون أن تلحق به أضرارا جسيمة، مما ترتب عنه نتائج وخيمة على التنمية بهذه الولاية بحيث يصعب اليوم تجاوز آثارها في ظرف سنوات قليلة مهما رصدت الدولة من أموال وإمكانيات، ومهما كانت إرادة المسؤولين القائمين عليها وقدراتهم على معالجة الأوضاع وبذلوا من مجهودات، لكن لا يبدو الأمر مستحيلا وذلك لوجود مؤشرات ملموسة وملامح تبشر بأنه في مقدور هذه الولاية الفتية التي فقدت في ليلة واحدة خلال تسعينيات القرن الماضي ما لا يقل عن ألف مواطن من سكان منطقة «الرمكة» تم الإجهاز عليهم بصورة وحشية تحقيق الإقلاع المنشود، والانتقال إلى مرحلة ذات نوعية وكذا الارتقاء بها إلى مستوى أفضل عما هي عليه اليوم. لقد دخلت غليزان في سباق ضد الساعة لتدارك مافات، حيث يجري تفعيل التنمية والتكفل بانشغالات المواطن وترقية إطار الحياة على مستوى إقليمها وفقا للإمكانيات المادية المعتبرة التي سخرتها الدولة، راصدة غلافا ماليا هاما قدره 140 مليار دينار للنهوض بالولاية برسم المخطط الخماسي الراهن، علما بأن ميزانية المخطط الخماسي السابق2005 2009 كانت في حدود 8,5 مليار دينار . يقر والي الولاية السيد عبد القادر قاضي بوجود نقائص يرى «بأنه بالإمكان تجاوزها وحل المشاكل المطروحة»، لكنه استدرك قائلا«..لا يوجد هناك أي ولاية تخلو من النقائص والمشاكل لكن غالبها مفتعل وهو ما يفسر وجودها وديمومتها ولن يجدي معها الأموال الطائلة والإمكانيات المالية الكبيرة التي تسخرها الدولة من أجل القضاء عليها» . وأضاف «..المشكل الحقيقي في نظري يكمن أساسا في سوء التنظيم والتسيير والتصرف، ومتى أحسنا ذلك فإننا نكون قادرين على تجاوز النقائص وحل المشاكل بشكل محسوس وإن كان بصفة تدريجية» مستشهدا في هذا السياق بشركة الجزائرية للمياه بالولاية التي أخفقت في عملية توزيع المياه والتحكم فيها على حد قوله . وتطرق المسؤول خلال جلسة جمعتنا به في نهاية الأسبوع الماضي بحضور العديد من المديرين التنفيذيين إلى بعض القطاعات التي تحظى بالأولوية مثل بصفة خاصة: الماء الشروب والسكن ، معترفا بأن غليزان جانبت الكارثة خلال الصائفة الماضية بسبب نقص التموين بهذه المادة الحيوية، فالوضع في شهر أوت الماضي كان في غاية السوء، عكس اليوم بعد أن تم حل المشكل إلى درجة أن الماء بات متوفرا بمدينة غليزان على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع، يزودها به سد سيدي أمحمد بن عودة، مؤكدا «بأنه حتى في حال حدوث عطب في شبكة التوزيع فإن تموين عاصمة الولاية بالماء لن يقل عن ست ساعات في اليوم بصفة متواصلة وبدون أي مشكلة بفضل مياه الآبار الجوفية، فيما يتم تموين سكان الشطر الجنوبي للولاية انطلاقا من سد واد رهيو، بالإضافة إلى مياه الآبار، علما أن النزوح الكبير الذي عرفته هذه الأخيرة خلال سنوات الجمر نتج عنه ضغط محسوس على الماء» . وكشف في ذات السياق عن قرب انتهاء أشغال توصيل المياه من محطة تحلية البحر ببوقيراط بولاية «غليزان» بواسطة شبكة من الأنابيب طولها 36 كلم، وهو ما سيقضي حسبه على مشكل الماء نهائيا بغليزان . ولا يقتصر اهتمام وانشغال السلطات الولائية على توفير الماء الشروب للسكان فحسب، بحيث يتضمن المخطط الخماسي الحالي مشاريع مبرمجة تتعلق بدرء خطر الفيضانات على مدينتي «واد رهيو وغليزان»، والتي تسببت بالنسبة للأولى في وقت سابق في تسجيل عدة كوارث وعشرات الوفيات، لذا تم إنجاز مشروع يتمثل في معالجة بعض الشعب وإدخال تصحيحات على المصبات ووضع أسوار وحواجز، وقنوات ذات أقطار واسعة لحماية التجمعات السكانية منه، بغلاف مالي هام قدره 1 مليار دينار مقابل 6 .2 مليار دينار لمشروع مماثل يخص مدينة غليزان لم يبق سوى شطر واحد منه لانجازه بالكامل بعد الانتهاء من الشطرين الأول والثاني، يهدف إلى حماية عاصمة الولاية من خطر الفيضانات الذي كان يتهددها، كون الحواجز القديمة التي كانت تحمي المدينة باتت اليوم ضمن النسيج العمراني . كما يتضمن ذات المخطط عشر محطات لتطهير وحماية الوديان ومحيطات السقي تم اقتراحها للدراسة والإنجاز عبر عشر بلديات، أما أهم المشاريع التي يجري إنجازها حاليا فتتمثل في محطة للتطهير بمدينة غليزان التي رصد لها مبلغ مالي معتبر 1,250,000,000 دينار، توفر 8 ملاين متر مكعب سنويا من المياه المطهرة لاستعمالها في سقي أكثر من 2000 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة،بالإضافة إلى مشاريع هامة تخص تعبئة الموارد المائية من أجل تلبية حاجة السكان الماسة إلى هذه المادة خصوصا وأن غليزان تعرف بحرارة مناخها. تثمين مجهودات الدولة في القضاء على أزمة السكن يثمن السيد عبد القادر قاضي مجهودات الدولة في قطاع السكن، مؤكدا من خلال تجربته ودرايته اللتين اكتسبهما عندما كان نائبا لمدير السكن بولاية الجزائر قبل ترقيته إلى منصب مدير انه «..لا يوجد هناك نقص في القطاع وأن الأزمة ستبقى قائمة طالما ظل السكن الاجتماعي الذي تمنحه الدولة للمواطن مجانا قابلا للبيع مما يجعله محل مضاربة شديدة » . وقال بهذا الخصوص «ليس لدينا على مستوى ولاية غليزان ليس لدينا مشاكل في قطاع السكن، صحيح هناك ملفات وطلبات كبيرة لكن معظمها غير مؤسس، وأضرب لكم مثلا على ذلك..عرضت عليا مؤخرا قائمة تضم 200 مستفيدا من سكنات اجتماعية، بعد دراستها بدقة لم يحتفظ إلا ب 60 فقط، تبين بأن ال 140 الذين رفضت ملفاتهم ليس لهم الحق في السكن لأسباب موضوعية شتى» . وكشف عن وجود برنامج لإنجاز 40 ألف وحدة سكنية خلال المخطط الخماسي الحالي بمختلف الصيغ، مع الحرص على تنويع الأنماط السكنية وكذا الحفاظ قدر المستطاع على صورة مرضية لمدن وبلديات الولاية من خلال تجسيد برنامج في إطار التحسين العمراني مس 376 موقعا موزعة على تراب الولاية وحوالي 225 ألف سكن، يتضمن بالإضافة إلى ترقية الإطار المبني وتهيئة المساحات العمومية توفير مجمل المرافق العمومية كالماء والصرف الصحي والغاز. ويبلغ مجموع الوحدات السكنية التي استفادت منها الولاية في برنامج هذا القطاع الحساس منذ 2005 إلى غاية آفاق 2014 69738: وحدة منها 40900 برسم المخطط الخماسي الحالي، لم ينجز من هذا البرنامج إلى حد اليوم سوى 20888 سكن، فيما لا تزال الأشغال جارية في 8298 وحدة سكنية ، 860 تدخل ضمن برنامج المخطط الحالي، كما للسكن الريفي حصته فيه قدرها 16600 وحدة . سيكون لغليزان قريبا مقرا جديدا بدلا من مقرها الحالي بوسط المدينة يرقى إلى مستوى طموح والتطلعات المشروعة لسكانها في رؤية ولايتهم تنتقل إلى مرحلة أفضل، سيتم تدشينه مع مطلع العام الجديد، ومن يطلع على مجسم هذا المشروع الهام الذي يتصدر ديوان الوالي لا يمكنه في الواقع إلا أن يقر بجمالية البناية ذات الواجهة الزجاجية الزرقاء وبتصميمها الهندسي الجميل، كما انه من يعرف بأن السيد قاضي كان مديرا للبناء والتعمير بولاية الجزائر، ومشرفا على مشروع مطارها الدولي يدرك بأن للرجل بصمة بسيطة في التصميم من خلال إدخال تغييرا طفيف عليه، بعد تعينه في منصبه هذا، علما بأن أشغال المشروع انطلقت منذ أكثر من ثلاث سنوات وإضافة إلى ذلك، أنجزت دار جديدة للضيافة يجري حاليا تجهيزها تابعة للولاية التي ما تزال تستقبل ضيوفها، بمبنى كان في عهد الاستعمار مقرا لرئيس الدائرة. وأكد الوالي ل «الشعب» بأن معظم المديريات الولائية باتت لها مقرات جديدة خاصة بها، ما عدا مديرية الثقافة التي ستنطلق أشغالها قريبا، يضاف إليها مشروع لدار الثقافة وصف «بالكبير» في انتظار انطلاق نشاط معهد الموسيقى بعد أن بات موعد تدشينه قريبا. ومن بين المشاريع الهامة التي تستحق الذكر، المحطة البرية الجديدة لنقل المسافرين، ستدشن هي الأخرى قريبا وتحتوي على 12 قاعة للركاب، تعد الأكبر على المستوى الوطني وربما لا تضاهيها أي محطة أخرى في الجزائر بحسب المسؤول التنفيذي الأول بالولاية. وفي سياق حديثه عن المشاريع المبرمجة أكد ذات المسؤول على انطلاق العديد منها، مشددا في ذات الوقت على انتهاء الأشغال بها قبل الآجال المحددة، وأشار فيما يخص قطاع التعليم العالي إلى أنه سيتم في آفاق 2014 إنجاز 8 آلاف مقعد بيداغوجي جديد تضاف إلى 7 آلاف المتوفرة حاليا، إلى جانب 4 آلاف سرير إلى غير ذلك من المرافق والهياكل الأخرى المرافقة. فيما تم تعزيز قطاع الطاقة بمحطة جديدة بغليزان دخلت في مرحلة توليد الكهرباء، وهو ما ساعد في القضاء على مشكل التذبذب في التموين الذي كان قائما، في وقت يبدو فيه قطاع النقل بالسكة الحديدية مرشحا للتوسع والاقتراب أكثر من المواطنين بحيث تجري حاليا أشغال إنجاز الخط الرابط بين وادي سلي «ولاية الشلف ويلل»، ونفس الشيء بالنسبة للخط الرابط بين تيارت وتيسمسيلت مرورا بغليزان، إلى جانب مشاريع أخرى هامة في قطاع الطرقات ولائية ووطنية، منها ما هو مدرج ضمن مخطط الهضاب العليا. ومن المتوقع أن تعرف الولاية خلال السنوات القليلة دينامية كبيرة بفضل مشروع المنطقة الصناعية ببلدية سيدي خطاب على مساحة إجمالية تقدر ب350 هكتارا تمثل الشطر الأول من المشروع ومساحته الإجمالية 2700 هكتار، الشيء الذي سيجعل من هذه البلدية قطبا تجاريا وصناعيا هاما مع العلم بأنه يتضمن أيضا إنشاء ميناء جاف، ومن شأن هذا المشروع الكبير بحكم موقع الولاية الذي يعد همزة وصل بينها وولايات أخرى مجاورة أن ينعكس إيجابا على سكان المنطقة وخلق مناصب شغل لأبنائها وتدعيم الميزانية المحلية من إيرادات الجباية. وتطرق ذات المسؤول إلى مشكل البطالة بغليزان حيث أكد أنه يفتقر إلى الموضوعية والدقة، مقدرا نسبة البطالين بالولاية في أوساط المواطنين الذين وصلوا إلى سن التشغيل ب 9 في المائة فقط، مشددا في هذا السياق على ضرورة مواصلة الجهود لاستيعاب الشباب بالخصوص في مناصب شغل يجري التشجيع على استحداثها، موضحا بأن غالبيتهم يرفضون الأعمال اليدوية التي تتطلب بذل مجهود بدني ويفضلون العمل ك «حراس». «لا وجود لأي خصوصية بين ولاية وأخرى» الحديث عن التنمية بولاية فتية مثل غليزان فيه أشياء مهمة جدا ،تستحق الذكر والتنويه، بالنظر إلى حجم وأهمية المشاريع الشاملة لكل القطاعات، ومنها قطاع الصحة على سبيل المثال لا الحصر حيث يجري حاليا استكمال انجاز مستشفى ببلدية عمي موسى بطاقة 120 سريرا، وصلت نسبة أشغاله 45 بالمائة، ومشروع مستشفى قيد الدراسة ببلدية منداس طاقته 60 سريرا، إضافة إلى 7 عيادات متعددة الخدمات بلغ معظمها درجة متقدمة جدا في الأشغال، إضافة إلى مركب طب الأم والطفولة إلى غير ذلك من مشاريع الهياكل الصحية التي من شأنها أن تضمن تغطية أفضل للمواطنين في هذا المجال مع تأمين تجهيزها بالعتاد والمستلزمات الطبية. وإذا ما نظرنا إلى طبيعة هذه المشاريع التي تدخل في صلب انشغالات المواطن وترقية إطار الحياة لديه وقارناها بما هو موجود أو مبرمج في الولايات ال47 الأخرى نقول، أن السيد عبد القادر قاضي كان مصيبا عندما قال بأنه ليس هناك خصوصيات في أي ولاية كانت، لأن المطالب والانشغالات هي نفسها ومتطلبات التنمية كذلك، وهذا شيء بديهي، منتزعا عن غليزان صفة ولاية فلاحية، وهو ما يفهم من كلامه بأنها مقبلة على استيعاب آليات وطرق جديدة في مسارها التنموي ربما يختلف عن ما عرفته قبل مباشرة مهامه على رأسها في أكتوبر الماضي، وهو ما سينعكس على صورتها إيجابا على درب الارتقاء بها إلى مستوى أفضل، لكن ذلك يتطلب مساعدة من كل الأطراف وتظافر جهود الجميع، خصوصا أبناءها الذين يتوجب عليهم التحلي بالصبر وبروح المسؤولية حتى يتمكن القائمون عليها من التفرغ لعملهم، بما يخدم المصلحة العامة والتكفل بانشغالات المواطنين ويسهم في تركيز دعائم الاستقرار والسلم الاجتماعي، وبالتالي الإقلاع بهذه الولاية التي أنهكها وأخرها الإرهاب عقودا، وتدارك ما فاتها ليس بالأمر الهين.