أمام المشاكل العديدة التي يواجهها المواطن في حياته اليومية، والتي بقي جزء كبير خارج دائرة الإهتمام المحلي، الجهوي وحتى الوطني ارتأت السلطات العمومية وفي مقدمتها رئيس الجمهورية، النزول إلى القاعدة والاحتكاك مباشرة بالمواطنين في إطار المشاورات الوطنية حول التنمية المحلية التي يشرف عليها محمد الصغير باباس، رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي ''الكناس'' بتكليف من الرئيس بوتفليقة في ماي الماضي. منذ الخامس من سبتمبر الماضي، جاب وفد عن (الكناس) العديد من مناطق الوطن، للاستماع مباشرة إلى المواطنين، كل في موقعه، وكل حسب الإنشغالات الملحة التي لا تزال تعيق السير العادي لحياته اليومية، وإن اختلفت تفاصيلها، حسب خصوصيات كل منطقة، إلا أن تطلعات المواطنين والتي عبروا عنها بصراحة مرتبطة أساسا بتلك القطاعات التي لا تزال محور إنشغالهم الدائم، لما لها من إرتباط وثيق بحياتهم اليومية كالشغل والبطالة والسكن ومستوى المعيشة الذي وإن كان قد عرف على العموم تحسنا نسبيا، إلا أنه يبقى الهاجس الأكبر لأعداد متزايدة من المواطنين، وتضاف لهذه الإنشغالات ما ترتب عنه من انعكاسات مباشرة لسلسلة الإصلاحات التي تشهدها قطاعات حيوية، ولعل أبرزها، الفلاحة والسياحة والصحة والتربية. هذه الأخيرة تكمن آثار الإصلاحات فيها في النتائج الدراسية المتواضعة المحصل عليها في نهاية السنة، خاصة في مناطق الجنوب وبعض الولايات الأخرى، فضلا عن نقص وسائل التمدرس الحديثة، التي تعهدت (الإصلاحات) بتوفيرها وتعميمها دون أن يتحقق ذلك. المجلس الوطني الإقتصادي والإجتماعي، والذي نزل لأول مرة من «برجه العالي» نحو القاعدة للاحتكاك المباشر مع المواطنين وممثلي المجتمع المدني والمنتخبين المحليين، لا شك أنه رصد الكثير من المشاكل التي هي في واقع الأمر ليست بالجديدة، خاصة تلك التي ترتبط مباشرة بالتنمية المحلية بمفهومها الواسع والمتعدد الجوانب. هذه اللقاءات التشاورية، هي بكل تأكيد مفيدة للغاية للوقوف عند المشاكل الحقيقية التي تواجه المواطنين، عموما ومن ثم اقتراح الحلول الحقيقية والواقعية لها في إطار السياسات العمومية للتنمية المحلية، ولكن في نفس الوقت يفترض أن يستغل «الكناس» هذه «الخرجات» الميدانية غير المسبوقة في صياغة استراتيجية عمله كمجلس وطني اقتصادي واجتماعي لوضع تقارير سنوية أكثر واقعية وموضوعية عن حالة التنمية المحلية التي هي أساس التنمية الشاملة. لقد دأب «الكناس» منذ نشأته على صياغة تقاريره السنوية، إنطلاقا مما يرده من الوزارات عموما وبعض الهيئات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، وهي عادة ما تأخذ الطابع الرسمي، ولا تعبر في كثير من الأحيان عن الإنشغالات الملحة للمجتمع، ولهذا فإنها ظلت دائما حبيسة الأدراج ولم يستفد منها إلا نادرا. وما يلاحظ أنه منذ مجيء القيادة الجديدة في «الكناس» تغير كثيرا نمط العمل، حيث تخلى المجلس عن طريقة صياغة التقارير السنوية حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تتضمن انتقادات لاذعة لعمل الجهاز التنفيذي في عهد الرئيس السابق «للكناس» المرحوم محمد الصالح منتوري، حيث ارتأى الرئيس الحالي، اعتماد نهج آخر مغاير تماما، بالتركيز على الفلسفة التي تصاغ من خلالها السياسات الاقتصادية المراد تجسيدها ميدانيا، ومن ثم المساهمة في خلق مناخ يسمح ببلوغ أهداف التنمية، ولو كان ذلك في شكل نظري. المهمة الموكلة ل«الكناس» اليوم، تبدو ثقيلة وحساسة في نفس الوقت، فبعد المشاورات الواسعة التي أجراها في مارس الماضي من على منبر قصر الأمم بنادي الصنوبر مع ممثلي فعاليات المجتمع المدني، لتفعيل دوره في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تحرك نحو القاعدة ليتولى بنفسه الإشراف على التشاور، ورصد الإنشغالات ميدانيا، وليس من على منابر الصالونات والقاعات التي عادة ما تشهد صياغة تقارير في شكل توصيات أو غيرها تتبعثر أوراقها بمجرد الإعلان عن إختتام الأشغال. وقد تكون هذه العملية مفيدة لو أخذت بعين الإعتبار التوصيات الميدانية التي يفترض أن يتم صياغتها في جلسات وطنية تكون مسبوقة بأخرى محلية وجهوية قد تنطلق في الشهر القادم بعد اللقاءات التشاورية المتواصلة منذ أسابيع.