جاءت نتيجة الانتخابات الإسبانية المبكرة التي جرت الأحد الماضي لتعصف بحكومة الحزب الاشتراكي بقيادة رئيس الوزراء »خوسيه لويس ثاباتيرو« التي تحكم البلاد منذ سنة 2004. وهي بذلك تضيف ضحية جديدة إلى رصيد الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بمنطقة اليورو، حيث سبق وأن أطاحت بحكومات ايرلندا والبرتغال واليونان ومؤخرا إيطاليا. ويكون بذلك الناخبون البالغ عددهم 35 مليون ناخب قد عاقبوا الحكومة الاشتراكية على فشلها في تسيير أسوأ أزمة اقتصادية عرفتها إسبانيا منذ عدة عقود؛ فاسحين بذلك المجال أمام اليمين الممثل في الحزب الشعبي المحافظ بزعامة وزير الداخلية السابق ماريانو راخوى بحصوله على 186 مقعد في المجلس الأدنى للبرلمان المؤلف من 350 عضو، ليحقق بذلك أكبر نسبة أغلبية لم يصل إليها أي حزب منذ 30 سنة، مما يمكنه من تشكيل الحكومة لوحده، والانطلاق في تطبيقه لبرنامجه في الإصلاح ومعالجة الأزمة التي تواجهها البلاد. والواقع أن نتيجة هذه الانتخابات، كانت متوقعة بحسب استطلاعات الرأي، خاصة وأن زعيم الاشتراكيين، رئيس الوزراء لويس ثاباتيرو، إمتنع عن الترشح لعهدة ثالثة بسبب تراجع شعبيته لعدم قدرته على معالجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ عدة سنوات، وجعلت العجز في الموازنة يرتفع إلى نسبة 3،9٪ العام الماضي وزيادة عدد العاطلين عن العمل إلى خمسة ملايين بطال، أي بنسبة 5،21٪، وهو أعلى معدل في منطقة اليورو حتى الآن. ولهذا تعد هذه النتيجة بمثابة عقاب للاشتراكيين على إخفاقهم في التحرك بسرعة لمنع استمرار التراجع الاقتصادي. إذ لم تستطع مساعي ثاباتيرو اليائسة تهدئة السوق في مواجهة عجز إسبانيا السنوي، ولقد لقيت الإصلاحات التي اقترحها لمعالجة الأزمة معارضة كبيرة، وطالب اثنين من كبار الإتحادات، وهما إتحاد العمل والإتحاد العام للعمال، بإجراء إستفتاء عليها. وتسبب تطبيقه لإجراءات تقشفية قاسية منذ شهر ماي الماضي، كخفض المرتبات والوظائف والمزايا الاجتماعية، في حركة استياء واسعة في المجتمع الاسباني، دفعت ثاباتيرو في النهاية إلى الموافقة على إجراء انتخابات مبكرة قبل أربعة أشهر من موعدها. وفي ظل هذه الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والتي تجاهلت الحكومة الاسبانية معالجة أسبابها الحقيقية، بدأت كصدى لرياح التغيير العربي حركة احتجاج واسعة عرفت بإسم حركة الساخطين، استقطبت فئات واسعة من الشباب الاسباني المتذمرين من التضخم وارتفاع حجم البطالة وفساد الطبقة السياسية المتواطئة مع الحكومة في تفضيل الشركات الكبرى والبنوك على حساب عامة أفراد الشعب. ولاقت مطالبها بإنهاء الفساد والامتيازات المالية التي يتمتع بها الساسة، تأييد شعبي واسع، مما جعل نحو ثلثي الاسبان يتعاطفون مع نضالات هذه الحركة التي تعرف بإسم حركة شباب 15 ماي. واليوم بعد سلسلة الاحتجاجات التي شنتها الحركة عبر أكثر من 60 مدينة اسبانية منذ شهر ماي الماضي وتشابه أساليبها وحتى شعاراتها المرفوعة مع ما رفع في المنطقة العربية التي عرفت ثورات شعبية. نجد أنه رغم التشابه في الرسائل المستعملة والغاية المنشودة في الإصلاح، فإن الجدية في معالجة الأزمات المطروحة هي سر التقدم الحاصل في البلدان الغربية باستمرار، وأساسها التداول على السلطة، والتغيير في السياسات حسب المستجدات والمشاكل المطروحة، من دون أن تحدث أية مواجهات دموية في أوساط المحتجين، الذين تصغى إليهم الحكومات في الدول المتقدمة، وتعمل على الاستجابة لتطلعاتهم، وتلافي الأخطاء بما يحقق التقدم والرقي، من دون التمسك بالسلطة الأبدية المرتبطة بأصحاب المال الفاسد على حساب مصالح الشعوب.