بقدر ما يثير الظّرف الراهن تطلّعات يعبّر عنها الشّارع بقدر ما يثير أيضا انشغالات مشروعة بشأن مستقبل النمو الاقتصادي، وديمومة الحركية التنموية في ظل أزمة موارد وضعف المبادرة من الفاعلين في عالم الاستثمار. منذ إبعاد العصابة من المشهد وإطلاق مسار مكافحة الفساد، برزت معطيات جديرة بأن ينتبه إليها كافة الشّركاء في الساحة الاقتصادية بجميع فروعها من أجل توضيح المعطيات، وتدقيق المؤشرات بما يحفظ لمناخ الاستثمار والأعمال مستوى عاليا من الجاذبية والنشاط. حقيقة للفساد كلفة ترهن أجيالا بكاملها إذا لم تسترجع الأموال المنهوبة والعقارات والأملاك المستحوذ عليها بطرق احتيالية، لكن لاستمرار الجمود وقلة الحركة في الساحة كلفة أيضا ينبغي العمل لتفادي تداعياتها، فليس هناك من أمر صعب أكثر من تعزيز الثّقة لدى الشركاء والمتعاملين الملتزمين بالتوجهات الوطنية الكبرى لإنتاج الثروة، وتوسيع مجال توفير فرص العمل. بالرغم من ثقل الصّدمة، فإنّ المسؤولية الوطنية تجاه الأجيال في وقت تكتسح فيه العولمة الأسواق الناشئة من أجل الهيمنة على مواردها وتعطيل مسار تنافسيتها، تفرض إعادة الإمساك بخيوط معادلة النمو، والعمل بكل قوة ممكنة لإنعاش عجلة الاستثمار، خاصة في القطاعات التي تتوفر على قدرات محلية وتحتاج فقط إلى إدراجها ضمن مشاريع ذات جدوى وأقل كلفة. إنّ التحدي القائم اليوم يتمثّل في البحث عن مصادر جديدة للثروة من خلال تفعيل بعض المشاريع أو تنشيط أخرى تشتغل بوتيرة بطيئة وتعزيز التكامل بين القطاعات، بالموازاة مع تكريس خيار ترشيد النفقات، وعقلنة استعمال الموارد المتاحة المادية منها والبشرية وفقا لمعايير تضع العمل والمبادرة والابتكار في الصدارة، وهو التحدي الكبير في هذه المرحلة الحاسمة على اكثر من صعيد. لا يزال أمام المؤسسة الجزائرية التي تستجيب للاحترافية، ويؤمن القائمون عليها بالقدرة على رفع التحدي ومواجهة الأزمة بالعمل، والتواجد في السوق من خلال أداء مناجيريالي حقيقي الفرصة المواتية لإعادة بعث النمو، خاصة في قطاعات ناشئة قابلة للتعامل مع مشاريع ذات جدوى، مثل السياحة، الفلاحة والخدمات. بالموازاة مع ذلك، من الضروري أن تحرص المؤسسة على التكيف مع التغيرات بما يعزّز قدراتها الإنتاجية ويضمن موقعها في السوق، وذلك بمواكبة التطورات وإدراك للمؤشرات خاصة الصعبة منها. ولعلّ من المفاتيح الملائمة لتجاوز الظرف أن تعاد صياغة مقاربة جديدة تستوعب خيارات المرحلة من استثمار وشراكة تقوم على مشاريع دقيقة الأهداف، وتتماشى مع التحولات خاصة في مجال الانتقال الطاقوي وإدراج الطاقات المتجددة والحلقة الأكثر نجاعة السعي إلى توطيد العلاقات مع الجامعات، التي تعتبر البيئة الحقيقية لإنتاج القيمة المضافة من خلال الابتكارات وتنمية الذكاء الاصطناعي.