تعود اليوم ذكرى «مسيرة العار « التي أطلقها المغرب في 6 نوفمبر من عام 1975، عندما أعطى أوامره لرعاياه بالزحف جنوبا واحتلال إقليم الصحراء الغربية الذي كانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت لتوّها قرارا استشاريا أكدت فيه أنه لا دلائل تثبت السيادة المغربية أو الموريتانية عليه. منذ ذلك اليوم المشؤوم مرت 44 سنة، والقضية الصحراوية تراوح مكانها وتبحث عن حل عادل ونزيه يقود الشعب الصحراوي إلى تقرير مصيره، لكن هذا الحل يصطدم في كلّ مرة بأبواب الشرعية الموصدة وبالعراقيل التي يضعها المتواطئون مع الاحتلال. بالمناسبة، تحاور جريدة «الشعب» السيد ياسين سعيدي أستاذ العلوم السياسية بجامعة طاهري محمد ببشار، لتناقش معه تطورات القضية الصحراوية على ضوء المستجدات الأخيرة، خاصة قرار تمديد مهمة المينورسو لسنة بدل ستة أشهر، ومساعي الالتفاف على القرارات الأممية، والتأخّر في تعيين مبعوث أممي جديد، ومستقبل العملية السلمية برمّتها. «الشعب» في مثل يومنا هذا من عام 1975، قاد المغرب «مسيرة العار» ليحتل إقليم الصحراء الغربية، وبعد 44 عاما لازالت القضية الصحراوية عالقة بين سندان احتلال جائر ومطرقة شرعية، إما متواطئة أو نائمة، ما قولكم بالمناسبة؟ الأستاذ ياسين سعيدي: أعتقد بأن المناسبة هي فرصة للتأكيد على أن نزاع الصحراء الغربية هو قضية شعب يملك أرضا وله الحق في أن يقرّر مصيره حول أرضه، وأظن أن هذا القرار تجسد منذ 44 سنة، وذلك وفقا لقرار محكمة العدل الدولية القاضي بأن الصحراء الغربية ليست ملكا لأي طرف من الأطراف المتصارعة لتعويض الاستعمار الاسباني آنذاك باحتلال آخر وهي المغرب وموريتانيا، وأن القضية كذلك مسجلة ضمن لوائح اللجنة الرابعة الأممية على أنها قضية تصفية استعمار، وأن الصحراء الغربية هي دولة عضو ومؤسس لمنظمة الاتحاد الافريقي، وبالتالي فإن المفارقة تكمن في ذلك التناقض الكبير على المستوى الدولي في ضرورة دفع الأطراف بما يتسق مع الشرعية الدولية لحل القضية وإعطاء الشعب الصحراوي حقه في تقرير مصيره. - تلقت عملية السلام في الصحراء الغربية نهاية الأسبوع الماضي ضربة قوية إثر قرار مجلس الأمن الدولي تمديد مهمة «المينورسو» لعام إضافي وليس لستة أشهر كما كان مقرّرا، فما معنى التمديد من ستة أشهر إلى سنة ومن يقف وراء هذه الخطوة وما هدفها؟ تمديد مهمة «المينورسو» ليس جديدا فقد حصل ذلك من قبل، لكن الجديد هذه المرة هو العودة إلى نقطة الصفر ونسف ما توصّلت إليه الأطراف بعد الجهد الذي بذله المبعوث الأممي السابق هورست كوهلر بتقريب وجهات النظر بشكل كبير حول موضوع الاستفتاء. أمريكا بالطبع هي التي تقف وراء هذه الخطوة وقد سبقتها فرنسا منذ أفريل الماضي بالدعوة لذلك، لكن الغريب هوسعي الطرف المغربي لتسويق التعطيل على أنه ضمن مكاسب الدبلوماسية المغربية النشطة في اتجاه الرؤية المغربية حول الحكم الذاتي، ودليلهم في ذلك ما ورد ضمن ديباجة القرار 2494 حول الترحيب بالمقترح المغربي بعد ضغط الحليف الفرنسي لإدراج هذا الأمر، في حين أن نفس الفقرة تحيط علما بالمقترح الصحراوي نحو الحل، وهو ما تمّ تأكيده بشكل واضح في نصّ المادة الرابعة من خلال التذكير مرة أخرى بأن تقرير المصير يجب أن يتمّ في سياق ترتيبات تتماشى مع مبادئ ميثاق الأممالمتحدة ومقاصده. - واشنطن هي التي اقترحت تمديد عهدة المينورسو لسنة وكانت نفسها ضغطت لتقليصها لستة أشهر، ما هي الدوافع الحقيقية وراء تغيير الموقف الأمريكي؟ أليس لها علاقة بجون بولتون مستشار ترامب للأمن القومي المقال الذي ضغط لتحريك الملف الصحراوي، لكن بعد رحيله عادت القضية إلى المربع الأول؟ تغيير الموقف الأمريكي جاء ليتطابق مع المقترح الفرنسي القاضي بضرورة إبراز أطراف النزاع لمزيد من الرغبة في دفع عملية السلام والاتفاق السياسي حول التسوية بإدراج كل المقترحات ولإثراء العملية، لاسيما بعد الإشارة إلى الأخذ بالجهود المبذولة منذ 2007 بعين الاعتبار وهي سنة تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي ضمن الأجندة الأممية، لكن الحقيقي من كل هذا، هو أن هذه الأطراف لا تحاول أن تساعد المغرب في طرحها ولا تسعى لأن تفاوض المغرب حول مصالحها في الصحراء الغربية إنما على المغرب أن يدرك بأن هذه الأطراف تسعى لتحقيق مكاسب على حساب المغرب وفي المغرب ذاته وعبره في القارة الإفريقية. أما بخصوص دور جون بولتون في القضية فإن الرجل معروف عنه واقعيته في حل النزاع وقد أكد على ذلك من خلال خطة جيمس بيكر في 2004، حين تساءل عن سعي المغرب في كل مرة لإفشال مشروع الاستفتاء، الرجل كان وراء تقليص مدة التمديد من سنة إلى ستة أشهر وهو ما كان يفرض على مجلس الأمن إصدار قرارين حول القضية في السنة، وكان يدعو كذلك إلى حل بعثة المينورسو أو سحبها بسبب فشلها في تنظيم الاستفتاء الذي يعد غاية إنشائها، وإن شكاوى هذه البعثة من ممارسات المغرب حول منعهم من الوصول إلى المفاوضين الصحراوين في الأراضي الصحراوية والتضييق على عملها في بعض المناطق، ناهيك عن سعيه لتحديد الأماكن التي يمكن للطرف الصحراوي عقد لقاءاته مع البعثة وهو دليل كاف على أن المغرب لا يسهل عملية تنظيم الاستفتاء حول تقرير المصير. ^ قرار مجلس الأمن الأخير تزامن وغياب مبعوث شخصي للأمين العام الأممي إلى الصحراء الغربية، لماذا هذا التأخر في تعيين مبعوث أممي جديد وهل للمغرب دور في ذلك؟ ^^ المغرب يرى كما أشرت سابقا إلى أن إقالة جون بولتون وتمديد عهدة المينورسو خطوة في دعم مقترحه للحكم الذاتي، لذا هو يبحث عن مبعوث شخصي قد يدفع بنقل المتقرح المغربي إلى صدارة الحلول، متناسيا بذلك كل لوائح الشرعية الدولية، لذا المغرب يدرك جيدا أن كل المبعوثين السابقين قد خيبوا أمله في خدمة المشروع المغربي وهو بذلك يسعى إلى الضغط عن طريق شركائه إلى فرض أجندته حول موضوع الاختيار بأساليب وتكتيكات خاصة، ولا شكّ أن تأخّر تعيين مبعوث أممي إلى الصحراء الغربية قد أدى إلى جمود المبادرات الرامية إلى دفع مسار حل القضية وقد يؤدي إلى عزلة دولية مستمرة للملف، لكن المغرب متعود دائما على نسف أي تقدم نحو الاستفتاء أو تعطيل أي بوادر لانفراج الملف كما حدث في سنوات 1997 وسنة 2004. فالمغرب مشكلته من القضية نفسها مند 1991 حول صيغة الاستفتاء والاحصائيات الشاملة للاستفتاء. محاولات خبيثة للالتفاف على خيار تقرير المصير - ما مصير المفاوضات التي استأنفت في نهاية السنة الماضية في ظلّ التعنت المغربي والتواطؤ الأممي؟ تلك المفاوضات كانت بمثابة ثمرة حقيقية للمبعوث الأممي المستقيل، الذي نظم مائدتين مستديرتين حول القضية في ديسمبر 2018 ومارس 2019 بحضور طرفي النزاع ودول الجوار، وهو أمر لم يتحقّق منذ لقاء منهاست في 2011، لكن أعتقد أن القرار الأخير فيه نسف لهذه الجهود رغم تأكيده على ضرورة الاستمرار في دفع طرفي النزاع إلى مزيد من المفاوضات وتثمين جهود السلام بين المغرب والصحراء الغربية، إلا أن ردود الفعل تكشف عن الالتفاف على مسار هذه المفاوضات، بالقفز على مضامينها المتقدمة بخطوات كبيرة نحو تسوية الملف، وهو ما قد يقوّض مرة أخرى فرص إنهاء النزاع عبر خطة تقرير المصير، لاسيما بعد تهديد المبعوث الصحراوي بإعادة النظر في مشاركة بلده في عملية السلام برمتها. استعجال تعيين مبعوث أممي جديد - ما المفروض على الصحراويين فعله لتحقيق اختراق دولي يعجّل بحل قضيتهم الحل العادل النزيه؟ إفريقيا اليوم تبعث رسائل الانعتاق والتحرّر للعالم عبر كل اللقاءات الدولية، فهي تريد أن تعيش بسلام وأن تستغل مقدراتها وإمكانياتها دون تدخّل، تريد أن تكون شريكا للعالم في السلم والأمن والتنمية والتطوّر، وقضية الصحراء هي آخر قضية استعمار في القارة والموقف الجنوب إفريقي الأخير في مجلس الأمن بخصوص القرار 2494 يكشف تطلعات القارة الإفريقية حول القضية في مختلف مؤسساتها الإقليمية ومرافعاتها الدولية، لذا فإن المكاسب القانونية والقارية والأممية للصحراويين يجب أن ترافقها دبلوماسية نشطة تهدف إلى الدفع بمزيد من الالتفاف حول مسار تقرير المصير، فما يريده الصحراويين اليوم هو نفس ما دافعوا عنه قبل 44 سنة، فالفرق بين الطرفين، أن الصحراويين يطالبون بحقهم، والمغرب يسعى إلى الالتفاف على هذا الحق بتقديم تنازلات كبيرة لأطراف دولية توفّر لها غطاء دفاعيا وتبريريا، وأصبح هذا الاختراق يتجّه إلى عمق القارة الإفريقية بتغطية دولية أمريكية فرنسية إسرائيلية، لكن حسب سؤالك أظن أن الدفع بالموقف الصحراوي يجب أن يمر حاليا عبر ضرورة تعيين مبعوث أممي يساهم في إعطاء ديناميكية دولية وزخم سياسي للقضية بما يحترم الشرعية الدولية ويدفع بجوهر القضية إلى التجسيد الفعلي لاستفتاء الشعب الصحراوي حول مصيره. - كلمة أخيرة ككلمة أخيرة، وعطفا على ما سبق ذكره، أتمنى أن تتسم مواقف الأطراف بمزيد من العقلانية النابعة من قرارات المجتمع الدولي حول نزاع الصحراء الغربية، فالمغرب لازال يسعى إلى تشبيك مصالح الدول في المنطقة بهدف إطالة عمر الأزمة التي يدرك أن حلها وفقا لما سبق لا يخدم جانبه، وبالتالي يرى في تعطيل التسوية الحل المناسب لها، من كل هذا أتمنى أن تظل إفريقيا من خلال كبارها ومؤسساتها تساند الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بالرغم من محاولات المغرب فرض أجندة جديدة مدعومة دوليا لاختراق الموقف الإفريقي اتجاه الأزمة، وأرجو أن يكون المبعوث الأممي المقبل في مستوى تطلعات القضية.