باشرت الجزائر السنة الجديدة بمؤشرات تضمن وتيرة التنمية على المديين القصير والمتوسط، في ظل استمرار ركود الاقتصاد العالمي بفعل الأزمة الاقتصادية التي تبدو أنها تستمر في الزمن إذا لم تبادر الدول الكبرى إلى مراجعة أنظمتها المالية وسياساتها النقدية، وامتلاك الجرأة للانفتاح على الاقتصاديات الناشئة واعتبارها شريكا في القار الدولي. من أبرز هذه المؤشرات التي تضع الجزائر في رواق أخضر أكثر أمنا ولكن إلى حين، تلك التي أكّدتها تقارير صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بتوقع نسبة نمو تقدر ب 3 ، 3 بالمائة سنة ، وتراجع البطالة إلى حدود 9 ، 5 بالمائة خلال هذه السنة مقابل نسبة 9 بالمائة السنة المنصرمة، و10 بالمائة في سنة 2010. ولعل من المميزات القوية التي يتّسم بها النظام الاقتصادي الجزائري، وهذا منذ السنوات الأخيرة، علاوة على مستوى جيد من الاحتياطي المالي بالعملة الصعبة التحكم في حجم التضخم حول 3 ، 9 بالمائة، والتصميم على تصفية حسابات ملف المديونية الخارجية التي يقدر حجمها حاليا بنسبة 2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وسوف يتم الضغط عليها في سنة 2012 لتتراجع إلى نسبة 1 ، 7 بالمائة، علما أن الجزائر تصنّف ضمن البلدان العشرين الأقل مديونية في منطقة الشرق الأوسط. لكن هل يكفي التوقف عند مثل هذه المؤشرات للقول أن العاصفة المالية العالمية مرّت، وأن الاقتصاد برغم نجاعته من منظور كلي بعيد عن انعكاسات محتملة قد تكلّف الكثير خاصة في ضوء الخطر الذي يتربّص بأسواق المحروقات التي لا تزال المورد المالي المركزي في انتظار أن تفلح برامج تأسيس وتنمية اقتصاد خارج المحروقات يضع البلاد في مأمن، علما أن التاريخ يحتفظ بسابقة لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان كالتي حصلت في منتصف الثمانينات حينما انكسر السهم التصاعدي للبترول، فانهارت البرامج وتحطّمت السياسات المرسومة وزاد من حدة ذلك الظرف الذي أنتج أوضاعا خطيرة في المديين القريب والمتوسط، انعدام رؤية واضحة الأمر الذي ليس نفسه في هذه المرحلة، حيث أن الرؤية تبدو واضحة ومن يتخذ القرار يمتاز بالحيطة والحذر، لكن الظرف يتطلب الانتقال إلى سرعة متقدمة في مضاعفة الضغط على فاتورة الاستيراد دون الإخلال باستقرار السوق. حالة الارتياح المسجلة والتي تتكرّس مرة أخرى لا ينبغي أن تدفع إلى ثقة مفرطة قد تصطدم بمتغيرات لا يمكن التحكم فيها محليا، وإنما هي من إفرازات الأسواق الخارجية للمحروقات والصراع الدائر على الطاقة في مختلف جهات العالم. وليس غريبا أن الجهاز الاقتصادي برمّته لا يزال يعاني من جوانب هشة فيه قد تكون الحلقات الضعيفة أمام أي خطر محتمل ينجم عن ضربة غير مستبعدة لأسعار المحروقات على المدين القصير والمتوسط. ومن المجتور الاقتصادية الهشة يمكن تحديد على سبيل الأولوية والثقل بعض القطاعات التي تستنزف الموارد المالية بالعملة الصعبة، بمعنى القطاعات التي تغلب الاستيراد بدرجة أكبر، ويتعلق الأمر مثلا بقطاعات الأدوية والفلاحة رغم التقدم المسجل في الإنتاج، لكن ليس إلى مستوى التصدير المنتظم والتكنولوجيات الحديثة المتقدمة والحبوب والحليب واللحوم الحمراء، ناهيك عن منتجات فلاحية أخرى والمدخلات الصناعية، وهي كلها لا تزال تصدر موارد مالية...وبالطبع يمثل الفساد بمختلف أشكاله الخنجر المغروز في المنظومة الاقتصادية والمالية والاستثمارية، وكلفته تضرب مصالح الأجيال المتعاقبة. بالموازاة، يبقى ترقية التصدير خارج المحروقات الرهان الأكبر لاقتصاد الغد في ظل إنجاز الدولة من خلال برامج استثمارية عمومية غير مسبوقة أثمرت هياكل قاعدية مندمجة مثل الطريق السيار شرق غرب رغم ما يثار بشأنه من جدل حول حقيقة التكلفة والشبكة الوطنية للسكك الحديدة ومرافق النقل كالميترو والترامواي، هي جميعها توفر للمبادرة الاقتصادية مجالا أكبر وأوسع تحفزها تشكيلة معتبرة من التحفيزات خاصة لفائدة تلك الاستثمارات التي تتوجه إلى مناطق الهضاب العليا والجنوب. وضمن مناخ من الارتياح المطبوع بالحذر، يرتقب أن تكون سنة الارتقاء بالمنظومة البنكية للدفع بها وبقوة إلى الساحة الاستثمارية مع الالتزام الصارم بالمعايير الفنية والإجرائية التي تعمل بها البنوك الاحترافية عبر العالم، إذ ليس بداعي الإسهام في التنمية أن حصل ما يمكن وصفه بإلقاء أموال دون مرجعية تقنية وفنية لملفات طلب التمويل التي يجب أن تضفى عليها شفافية المعالجة دون تفريق بين القطاعين العام والخاص، مع تسجيل استفادة هذا الأخير من عمليات تمويل أكّدها محافظ بنك الجزائر في عرضه الأخير للوضعية المالية العامة.