أرقام حصيلة النشاط التجاري طيلة إحدى عشر شهرا الأخيرة مثيرة للجدل وتنذر بالخطر أمام التقلبات العنيفة لأسعار المحروقات وتوجه الموارد الخارجية للتراجع بشكل سيضغط بلا شك على دواليب المنظومة الإقتصاديةإذا لم تسارع السلطات العمومية المختصة إلى تدارك الأمر وتأطير الساحة الإقتصادية والتجارية بالأساس بما يلزم من الضوابط وتدقيق المفاهيم ما سيسمح في آن واحد بحماية الإحتياطي المالي الموفر وترشيد تمويل العمليات الإقتصادية كونه لم يعد ممكنا مواصلة إطلاق اليد للبنوك بتمويل كل ما هب ودب من ملفات صفقات ومشاريع بحجة حرية المبادرة واقتصاد السوق مما يعرض خزان الإحتياطي المالي لمزيد من الإستنزاف. فاتورة الغذاء فقط إرتفعت في نهاية السنة الجارية بأقل من شهر بزيادة تفوق 60 في المائة فوصلت 7 ملايير دولار مقابل رقم زهيد من الصادرات خارج المحروقات بلغ 2 مليار دولار في حين لا تزال المحروقات البقرة الحلوب بأكثر من 97 في المائة من الحجم الكلي للصادرات في نفس الفترة. الخلل قائم دون أن يقدم وزير التجارة التصور المستقبلي لتصحيح الوضعية التجارية مكتفيا بالوقوف عند أرقام جافة إذا استمرت على حالها ستقطع أوصال الجهاز الإقتصادي بمفهومه التنموي ومن ثمة ماذا أعددنا لما بعد سنتين اللتين يمكن تغطية إحتياجاتهما من الموجود الراهن من العملة الصعبة كما حاول أن يحافظ بنك الجزائر أن يطمئن به بينما الوضع يتطلب إعادة صياغة في العمق لميكانيزمات تمويل التجارة الخارجية بدءاً بإحداث فصل نهائي بين من يتعامل في التصدير بكل معاناته ومتاعب الولوج إلى الأسواق الخارجية ومن يتعامل في الإستيراد بكل ما يدره هذا النشاط الفيروسي من أرباح لا تكلف سوى التحكم في عمليات الحساب وعد النقود ويبدو أنه قد حان وقت مطالبة أصحابها بإقحام جانب منها في البرامج الإستثمارية ولو من باب رد الجميل مع الربح المضمون. وعلى سبيل المثال إلى متى يستمر العمل بالسجلات التجارية المسماة إستيراد وتصدير مشفوعة بمزايا يوفرها التنظيم القانوني للإستثمار علما أن الفرق شاسع بين من يصدر العملة الصعبة ومن يجلبها وهنا صميم المشكلة فهو الداء ومنه يبدأ الدواء. الأزمة المالية العالمية بآثارها المباشرة على أسعار البترول دقت ناقوس الخطر وليس محبذا ولا من المسؤولية بمكان أن يواصل بعض دعاة الخبرة في الترويج لشعار غير صحيح من أن البلاد خارج دائرة الخطر بينما الأرقام تفيد بأنها في عين الإعصار ولذلك من الضروري الإسراع في إعادة ترتيب الأوراق ووقف ذلك السخاء المغشوش في أغلبه بتحميل البنوك التجارية مسؤولية كبرى في دراسة ملفات طلبات التمويل الموجه للإستيراد وحتى بالنسبة لمن لديهم تخمة بالعملة الوطنية لا يمكن إطلاق العنان لنزواتهم حتى لا تستنزف تلك الموارد المحصلة على مدار سنوات طويلة من التقشف الذي أثمر التخلص التام من المديونية الخارجية بعد أن كانت مسلطة كالسيف القاتل على رقبة بلد بكامله. ------------------------------------------------------------------------