جزائر جديدة ترتكز على الكفاءة والعمل لكسب رهان التنوّع الإقتصادي يترقب الرأي العام الكشف عن تشكيلة الحكومة الجديدة التي يراهن عليها في إطلاق مسار التحول الشامل للحياة الاقتصادية والاجتماعية في ظل تراكمات أزمة متعددة الجوانب خلفت آثارا تستوجب إعادة تنشط عجلة التنمية من خلال توسيع مساحة الاستثمارات وتفعيل عجلة النمو في كافة القطاعات التي تتوفر على عوامل إنتاج الثروة واقتصاد احتياطي العملة الصعبة. بعد تجاوز الاستحقاق الرئاسي بانتخاب الرئيس تبون بإرادة شعبية واضحة وتكليفه عبد العزيز جراد وزيرا أول، يستكمل البناء الهيكلي للجهاز التنفيذي بطاقم حكومي يضم، وفقا لما أعلن عنه تبون في الندوة الصحفية التي أعقبت نتائج الرئاسيات، بين صفوفه كفاءات وعناصر من الشباب المؤهل ضمن نسيج منسجم ومتكامل يرتكز على القدرة في تحمل المسؤولية والنجاعة والإخلاص. يندرج عمل الحكومة المنتظرة، كونها المخولة بتجسيد التغيير في الميدان، في إطار بناء الجزائر الجديدة التي تستوعب مطالب الشعب المعبر عنها وتقود البلاد إلى مرحلة أكثر استقرارا ونموا، ينعكس على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، في مواجهة نظام عالمي اقتصادي يتسم بالشراسة في ظل اتساع مشاريع الهيمنة التي ستهدف الأسواق ومصادر الثروة كما ترسمه صورة العالم اليوم في أكثر من منطقة خاصة في إفريقيا والشرق الأوسط. تخمينات عديدة يجريها خبراء ومتتبعون للشأن الوطني حول طبيعة الجهاز التنفيذي المقبل، وإن كان الجميع يتفق على أن طابع تركيبته المحورية سياسي واقتصادي، لكن بمعايير مطابقة للمرحلة من حيث الكفاءة والطاقة في البذل والنزاهة في الأداء، من منطلق التكفل بفعالية وبأقل تكلفة وفي أجل معقول بالملفات المعقدة والمتداخلة التي خلفتها المرحلة السابقة قبل أن تحسم الأمور وفقا للمسار الدستوري بمرافقة من الجيش الوطني الشعبي باتجاه الدفع بالأوضاع إلى مستوى أكثر هدوءا حتى تتضح الرؤية للمستقبل. في هذا الإطار من الطبيعي أن يجري نقاش في دوائر اقتصادية وسياسية حول النمط الحكومي الذي يولد مع بداية العام الجديد حاملا آمالا واسعة وتطلعات مشروعة تستدعي تجنيد كل الإمكانيات وحشد كافة الموارد المتاحة لتجاوز الظرف بأقل كلفة وبأكثر نتائج جيدة من حيث إنشاء الثروة وإعادة تفعيل عجلة النمو. لذلك يمكن أن يتم إعادة إدماج حقائب وزارية في دوائر كبرى وإحداث أخرى جديدة تماشيا مع مستلزمات التحولات العالمية وإمكانيات طبيعة التحديات الوطنية وفقا للأهداف الكبرى التي ينبغي إنجازها ضمن الرؤية التي سطرها الرئيس تبون وفكك خيوطها الوزير الأول ضمن معادلة محسوبة ودقيقة تتمخض عنها نتائج ملموسة في المدى القريب خاصة بالنسبة لبعض القطاعات التي يعوّل عليها في تدارك التأخر. حقيقة الأمور أصبحت واضحة اليوم، بفضل المكاسب التي تحققت على الصعيد السياسي بإنهاء أزمة أعقبت تطورات المشهد بعد 22 فيفري عن طريق إرساء مسار الشرعية الشعبية مجددا، والشروع في أعلى الهرم في إعادة ترتيب وضبط البيت وصياغة ممارسات حديثة تعيد للوظائف على كافة المستويات دورها الفاعل، مما يعطي دفعا حقيقا لمسار التخلص نهائيا من أزمة عمرت طويلا وتستنزف الموارد الحالية التي تكتسي أهمية قصوى تحسبا للمستقبل بكل تداعياته نتيجة تقلبات أسعار المحروقات وهيمنة القوى الاقتصادية العالمية على الأسواق بما فيها الناشئة حيث يمكن للمؤسسات الجزائرية المنافسة فيها بالنظر لما أظهرته أكثر من تجربة من قدرة على التموقع في بعض الأسواق في إفريقيا والوطن العربي. لذلك المرحلة لا تحتمل مزيدا من التردد بعد أن تم رصد الواقع بجزئياته في كافة القطاعات عبر تشخيص معمّق أعطى لصاحب القرار رؤية واضحة المعالم للمبادرة باتجاه حلول في المتناول بفضل الحسم في الخيارات واعتماد منهج الرّهان على الكفاءة باعتبارها المعيار الذي يحسم معركة التحول الاقتصادي باعتباره قاطرة الانتقال المأمول والضروري للتخلص من التبعية للمحروقات وإرساء اقتصاد متنوع وإنتاجي يساهم في تنمية إيرادات التصدير من خلال المؤسسات الاقتصادية خاصة الصغيرة والمتوسطة التي ينتظر أن تخصص لها وزارة كاملة ويؤسس لها بنك خاص يرافق تمويل برامج ومشاريع الاستثمار والعصرنة ذات الجدوى. معالم الرؤية المستقبلية اكتملت ولا يبقى سوى الشروع في العمل بلغة الواقع وممارسة حديثة تتوافق مع متطلبات المرحلة التي لا تحتمل مزيدا من استنزاف الجهد والوقت، وهو ما يستشف من المقاربة التي شرحها الرئيس تبون ويجري العمل عليها في انتقاء الكفاءات التي تضاعف وتيرة العمل وضبط الخيارات التي تختصر الزمن وترفع من معدل الأداء في كل القطاعات، بحيث بقدر ما تتقلص مساحة المناورة الاقتصادية لتقليص حدة تداعيات الصدمة المالية الناجمة عن أزمة المحروقات، بقدر ما ترتفع حدة العزيمة والإصرار على تجاوز المنعرج بالتوظيف النوعي والذكي للأوراق الرابحة التي لا تزال في معادلة المنظومة الاقتصادية. ليس هناك قطاع أكثر أهمية من آخر وإنما المطلوب أن ينجز التكامل بينها ضمن خارطة طريق تتوزع من خلالها الأدوار والوظائف بنفس المعايير والأهداف التي يرسمها النسيج المؤسساتي بجميع شركائه ليستدرك المتعاملون، رؤساء المؤسسات والمستثمرون «النزهاء»، كما وصفهم تبون، عجلة النمو بمفاهيم اقتصادية بحتة لا مكان فيها لما حدث في الماضي حينما استفردت العصابة بمقدرات الأمة وهيمنت على مفاصل دواليب الاقتصاد من مفاصلها الإدارية والسياسية قبل أن يتم إزاحتها في مشهد يمثل نقطة تحول جوهرية لوجهة الجزائر بعودتها إلى السكة السليمة ليساهم كافة المخلصين، كل في موقعه في إعادة البناء بهدوء وتدرج وعقلانية، وذلك في كل المستويات وعلى امتداد الجغرافيا الوطنية. بتلك الروح الوطنية والنبرة القوية كما ترجمتها الانتخابات الرئاسية وعبر عنها الشعب الجزائري عند توديعه للراحل الفريق رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي سوف يتمخض عنها مجددا التفاف قوي حول إرادة التخلص من بقايا أزمة بدأت تتبدد وسوف تختفي لا محالة بمرافقة المسار السياسي بإنجاز محتواه الاقتصادي عبر العودة إلى العمل وتثمين الجهد والمطابقة مع معايير المنافسة العالمية في وقت تلوح في الأفق رغبة لا يمكن كبحها لكسر البيروقراطية وإزالة كل ما يصنف في خانة الفساد والتعطيل المبرمج للحركية التنموية في بلد كالجزائر يكتنز كافة مقومات النهوض والدخول ضمن القوى الناشئة دون أي مركب نقص أوعقدة تفوق الآخر، لطالما كانت العصابة تستثمر فيها للهيمنة على الثروات وتبديدها تحت ذرائع واهية مثل ضعف الإنتاج ورداءة الموارد البشرية. الموارد المادية والبشرية قائمة اليوم تتطلع للمرحلة الجديدة حتى تلعب دورها في تغيير صورة المشهد من بائس إلى بناء إيجابي يجذب إلى السوق الاستثمارية شركاء أجانب يبحثون عن فرص ثمينة للاستثمار في السياحة والخدمات والصناعة بكل فروعها إلى جانب الفلاحة خاصة بعد أن تم تطوير مسار الشراكة بإلغاء القاعدة 51/49 في بعض القطاعات غير الإستراتيجية مع تكريس مناخ الاستقرار السياسي وانخراط أحزاب وجمعيات في مسار الشرعية ما يعزّز الثقة في السوق الجزائرية حيث يسود القانون والمنافسة النزيهة بين المشاريع والمؤسسات فيما تمثل المصلحة الوطنية خطا أحمر لا يمكن المساس به تحت أي ظرف كان، بل هي المعيار الذي يسمح بالفرز بين الغث والسمين في عالم أصبح مشهده واضحا يقدم أكثر من مثال لدول لها من الجبروت والهيمنة تضع مصلحتها أيضا في مقدمة كل تحرك سياسي واقتصادي بالخصوص.