مثلما وعد به في لقاءات مع وسائل الإعلام ومحطات عديدة، آخرها أثناء توليه مهام رئاسة الجمهورية، شكّل تعديل الدستور ضرورة قصوى في تنفيذ برنامج عبد المجيد تبون، متصدرا ورشات التغيير العميق والإصلاحات الجذرية الممهدة لاستكمال الدولة الوطنية الحديثة، التي يتطلع إليها الشعب بشغف وينتظرها بحرارة. حظي مشروع مراجعة الدستور الذي كلفت به لجنة خبراء يرأسها أحمد لعرابة، وتتشكل من كفاءات مختصة، معظمهم دكاترة برتبة بروفيسور بمختلف جامعات الوطن، بعناية خاصة من قبل الرئيس تبون، معتبرا أنه مدخل الإصلاحات الشاملة للنظام السياسي، أسلوب الحكم ووظائف السلطات، الرقابة البرلمانية وغيرها من القضايا المصيرية، التي تدرج في سياق إقامة جزائر حديثة، لا تتخذ من أصالتها ومرجعيتها حاجزا في التفتح والعصرنة. هو منطلق الإصلاحات، عنوانه ودلالاته، غايته تكريس الديمقراطية، تعزيز حقوق الإنسان والحريات والتداول على السلطة، الذي يجنب البلاد خطر السقوط في الحكم الفردي، الذي عرفته خلال فترات سياسية سابقة، فعطّل مسار تطورها وأدخلها في أزمة سياسية معقدة، تخطتها باعتماد الحل الدستوري الذي كان بحق مخرج النجاة. تكليف هيئة مراجعة الدستور من هذه الزاوية، يصب في الحرص على إعداد وثيقة تعمر طويلا، تسمو على كافة القوانين، وتكون في مستوى التغيير المنشود، الذي ورد في برنامج عمل الرئيس تبون، المتضمن ل 54 التزاما، يراهن عليه لعلاج اختلالات كبيرة في طبيعة النظام السياسي، يفصل بين المال والسياسة تكريسا لأخلقة العمل السياسي وممارسة الحكم الراشد وضبط رقابة وقائية من الفساد ونهب المال العام. إصلاح مؤسسات الدولة، منحها صلاحيات موسعة وتحديد مجالات الحصانة البرلمانية وتكريس عدالة اجتماعية وأجهزة قضائية تحتكم في إصدار القرارات لروح القوانين والضمير الحي، يفرض دستورا يستجيب للتغيير الجذري ويلبي المطالب الشعبية المشروعة المعبر عنها في مسيرات سلمية بأعلى الأصوات. لهذا جاءت تشكيلة اللجنة المكلفة بهذه الورشة الاستراتيجية من خبراء وأهل الإختصاص حاملة التنوع في الأفكار التي تسمح بإثراء وثيقة أسمى القوانين المعنية بالنقاش العميق قبل عرضها على الاستفتاء الشعبي. إقرار تبون بمرور الوثيقة المعدّة عبر القناة الشعبية للاستفتاء، يعني حرصه على نجاعة وديمومة دستور الجمهورية الجديدة وأهميته في تكريس دولة لها شرعيتها ومصداقيتها في خدمة المواطن والديمقراطية التشاركية. ويعني أيضا إقامة دولة تلتزم بالمواثيق الدولية والمعاهدات، تضمن الحقوق ولا تسمح بانتهاك الحريات، تتخذ من الحوار قاعدة ثابتة في العلاقة بين القمة والقاعدة، وإشراك المواطن في القرار السياسي عبر مؤسسات منتخبة، باعتباره الطرف الفاعل في التغيير، المطلب الملحّ والغاية المنشودة.