لا تجد فرنسا أي حرج في التقرب من الجزائر اقتصاديا وتجاريا، في محاولة منها لبعث العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، وهذا ما تترجمه الزيارة المرتقبة للوزير الأول الفرنسي الأسبق، المكلف بالملفات الاقتصادية الفرنسية الجزائرية، السيد جون بيار رافاران إلى الجزائر هذا الأربعاء، الثانية من نوعها في أقل من سنة. على الرغم من الفتور السياسي الذي طبع علاقات البلدين خاصة في عهد الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي على خلفية ماضي فرنسا الاستعماري ومناورات بعض الساسة في تمجيد الاستعمار البغيض، إلا أن فرنسا وعندما يتعلق الأمر بمصالحها الاقتصادية، تسعى إلى أن تضع كل ثقلها لدفع العلاقات التجارية والاقتصادية في الاتجاه الذي يدر عليها المزيد من النفوذ في الجزائر من خلال طرح ملفات اقتصادية ثقيلة، تدرك تماما أنها ستثير اهتمام الحكومة الجزائرية، مثلما تدرك الجزائر أيضا أن فرنسا لا تريد تضييع فرصة المشاركة في المشاريع الكبرى، المتضمنة في البرنامج الخماسي الثاني الذي يدخل عامه الثالث، بتمويل قياسي وغير مسبوق ناهز 280 مليار دولار كأقل تقدير له. براڤماتية فرنسية غير مسبوقة في سعيها لتجسيد الاتفاقيات المبدئية التي تم التفاوض بشأنها في الزيارة الأولى لمبعوث ساركوزي الخاص في شهر ماي الماضي أملتها في واقع الأمر مجموعة من الأهداف الفرنسية، أهمها الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه فرنسا على خلفية أزمة منطقة اليورو، وخفض تصنيفها من طرف وكالة التصنيف الائتماني، ستاندارد اندبوز قبل أسبوعين، مما ساهم في إضعاف ساركوزي سياسيا في مواجهته لألمانيا لقيادة المناقشات الجارية في أوروبا حول الملفات الاقتصادية. ومن جهة أخرى، يسعى ساركوزي إلى تعزيز موقفه الداخلي من خلال رفع حصيلة انجازاته الاقتصادية في حملته الانتخابية القادمة للضفر بعهدة رئاسية ثانية أمام منافسة تبدو شرسة للإشتراكيين. ولهذا فإن ساركوزي يعّول كثيرا على ما ستؤول إليه زيارة مبعوثه الخاص إلى الجزائر، وتحقيق نتائج هامة للرفع من مستوى التعاون بين البلدين، حيث أن فرنسا لم تعد تبدي ذلك الانزعاج الذي عبرت عنه سابقا، حول الاجراءات الجزائرية التي دخلت حيز التنفيذ قبل ثلاث سنوات والقاضية بتطبيق قاعدة 51 / 49 في أية عملية استثمارية وإعطاء الأغلبية في مشاريع الشراكة الأجنبية للطرف الجزائري. تعتبر فرنسا أن السوق الجزائرية، تبقى الأهم في منطقة الشمال الافريقي، كما أنها محل اهتمام العديد من الدول الأوروبية، ولهذا فإنها تسعى لأن تفسح المجال واسعا أمام شركاتها لمزيد من النفوذ، حيث من المقرر، تنظيم حوالي 25 مهمة متخصصة في قطاعات عديدة منها الهياكل القاعدية والصناعة والطاقة والصيانة الصناعية للقيام بعملية مسح شامل والبحث عن فرص الاستثمار فيها، وهي العملية التي أبدت ما لا يقل عن 750 مؤسسة فرنسية، الاهتمام بها، ويرتقب أن تنجزها في السنة الجارية، حسب ما أكدته وكالة »إكوفان« الفرنسية قبل أيام. علما أن 450 مؤسسة فرنسية تعمل في الجزائر باستثمارات تفوق 2 مليار أورو في سنة 2010، بينما تقدر الاستثمارات الفرنسية في الجزائر ب 10٪ من الحجم الاجمالي للاستثمارات الأجنبية المباشرة في الجزائر، وتتركز أساسا في قطاعات مثل البنوك والسيارات والمواد الغذائية ب 34٪ والصيدلة ب 20٪ والمحروقات ب 9٪. وتعد فرنسا الممون الأول للجزائر بما يعادل 03 ، 7 مليار دولار في سنة 2011، بينما لا تحتل سوى المرتبة الرابعة من حيث الزبائن ب 61، 6 مليار دولار بعد كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإيطاليا وإسبانيا، وبذلك تعد الأكثر استفادة من الاقتصاد الوطني، وتسعى لأن تتوسع أكثر في شراكتها الاقتصادية، ولكن أيضا التجارية مع الجزائر من خلال الملفات الثلاثة التي يحملها راقاران في حقيقته، ويتعلق الأمر باستثمارات لافارج في الجزائر في قطاع الإسمنت وشركة طوطال لإنجاز مصنع للإيتان وأخيرا مصنع »رونو« لإنتاج السيارات في الجزائر بمعدل 15 ألف سيارة سنويا، لكن وفيما يبدو فإن الطرف الفرنسي، لا يريد المضي بسرعة في إتمام هذا المشروع بالذات، وقد يتماطل أكثر ويطيل عمر المفاوضات، على خلفية النتائج السريعة المربحة المحققة في تجارة فرع »رونو« بالجزائر والتي فاقت تسويق 75 ألف سيارة في سنة 2011، مما يعني أن إنجاز مشروع المصنع قد يعني تراجع أرباح الشركة الأم، ولهذا فإنه من المتوقع أن يتأجل الحسم النهائي إلى أجل غير مسمى، خاصة وأن حجم المبادلات فاق 5 ، 10 مليار دولار بين الجزائروفرنسا واستفادت منه هذه الأخيرة على نحو كبير، الأمر الذي يستدعي من المفاوضين الجزائريين التركيز على صيانة المصالح الوطنية، عوض الاستمرار في منح صك على بياض للشركات الفرنسية التي تستعد لمزيد من التوغل.