لا تزال الأحزاب السياسية، ولا سيما تلك المحسوبة على التيار الإسلامي، تبدي تخوفا كبيرا، من التزوير وعدم نزاهة الانتخابات التشريعية المقبلة، كما أنها لا تزال تطالب بمزيد من الضمانات الدقيقة والتفصيلية، والتي كانت فيما مضى السبب الأساسي في عدم شفافية الانتخابات السابقة. على الرغم من المساعي التي تبذلها الجهات المعنية من أجل تجسيد كافة التعهدات الضامنة لنجاح التشريعيات وفق معايير النزاهة والشفافية، إلا أن تجارب الانتخابات السابقة لا تزال ماثلة للعيان من منظور كل الأحزاب السياسية، ما عدا حبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وهي التجارب التي تخللتها الكثير من الغموض والشكوك حول شفافيتها، وكانت من أبرز سماتها، عزوف أغلبية الناخبين وبالتالي إضفاء اللاشرعية على برلمانٍ، قيل عنه الكثير، وعلى مدى تمثيله الحقيقي لإرادة الشعب. لقد أفضت جل الانتخابات التي أعقبت تعليق المسار الانتخابي لعام 1991، إلى تشكيل طبقة سياسية بثلاث فئات أساسية، أحزاب كبيرة وأخرى صغيرة وثالثة معارضة، ولم يكن للتيار الإسلامي مكانا بارزا في التصنيف، رغم الصعود المفاجئ للحزب الذي كان يقوده عبد الله جاب الله آنذاك واستحواذه غير المتوقع على القاعدة الشعبية للفيس المحل أو ما تبقى منها، في الوقت الذي كانت فيه حركة «حمس» بزعامة المرحوم محفوظ نحناح، تعتقد أنها الورثية الشرعية لأبرز تيار إسلامي في بداية حقبة التسعينات، وأنها المستفيدة الأولى من تعليق المسار الإنتخابي وكان لها ذلك، عندما تدرجت في السلم لتصبح ثالث قوة سياسية، مهادنة للسلطة تارة ومغازلة لها تارة أخرى ثم أصبحت حليفة تقليدية لها، إلى أن هبت عليها رياح الربيع العربي، ودفعتها إلى فك الرباط مع التحالف الرئاسي وليس قطع الحبل السري مع السلطة. ولم تلتفت حركة مجتمع السلم كثيرا إلى الانتقادات العديدة التي وجهت لها، في محاولاتها المتكررة لإعادة التموقع وفق المعطيات التي أفرزتها الثورات والتي دفعت بالأحزاب الإسلامية بقوة نحو سدة الحكم في مشهد سياسي فريد من نوعه وغير مسبوق، على اعتبار أن التيار الإسلامي مثّل ممرا نحو الديمقراطية في بلدان عديدة، جرت فيها الانتخابات بحرية وشفافية، بكثير من الثقة، التي تراها أحزاب سياسية لا تزال موالية للسلطة، بأنها مبالغ فيها، يؤكد التيار الإسلامي في الجزائر، وعلى رأسه حركة «حمس» أنه كما نجحت الأحزاب الإسلامية في الوصول إلى الحكم في العالم العربي، فسوف ينجح إسلاميو الجزائر في إكتساح الساحة السياسية والظفر بأغلبية أصوات الناخبين يوم الإقتراع، شريطة أن تتكفل التيارات الاسلامية في جبهة موحدة لمواجهة التزوير وعدم مصادرة أصوات الناخبين لصالح أحزاب أخرى، تعودت على الانفراد بالغنائم أي بالسلطة. وإن كانت التجاذبات واختلاف الرؤى داخل التيار الإسلامي، لا تزال سيدة الموقف، حول الدعوة لعقد تحالف إسلامي، للم شمل الإسلاميين والدخول بقوة في الانتخابات التشريعية، إلا أن الهدف الأساسي الذي قد يوحد التيارات الإسلامية يكمن في ضرورة تشكيل تكتل سياسي، للوقوف ضد ما يعتقدون إمكانية حدوث تزوير لمنعهم من الاستحواذ على أغلبية مقاعد البرلمان، مثلما يتوقعون. لقد سبق لأحزاب إسلامية، على غرار حركة «حمس» وأن أعلنت على ضرورة وجود تيار إسلامي موحد يضاف إلى تشكيلة الطبقة السياسية كأحد أبرز الفئات فيه ومن يرفض ذلك، فإنه سيجد نفسه يغرد خارج السرب على حد تعبير رئيس الحركة أبو جرة سلطاني، ولعل هذا الكلام موجه بالدرجة الأولى إلى المنافس القوي في التيار الإسلامي، ألا وهو رئيس جبهة العدالة والتنمية الشيخ عبد الله جاب الله، العائد بقوة من بعيد، والذي يسعى من جهته إلى أن يكون الرقم الأول الصعب في معادلة عودة النفوذ القوي للتيار الإسلامي خاصة وأنه لم يكن في يوما ما، لا مهادنا ولا مغازلا ولا حليفا للسلطة أو على الأقل قبل الانطلاق الحقيقي للتنافس على تشريعيات الربيع القادم. يبدو أن جميع الأحزاب السياسية منهمكة اليوم في إعادة تنشيط قواعدها بالنسبة للقديمة منها، بينما تستعد أحزاب أخرى حديثة الاعتماد عقد مؤتمراتها التأسيسية، وإن كانت منشغلة بوضع كافة ترتيبات الاقتراع، إلا أنها تتابع عن قرب مدى التزام الجهات المعنية تجسيد تعهداتها حول ضمان شفافية الإنتخابات التي كانت ولا تزال محل شك، وهو ما يفسر الدعوة الملحة لاجماع يكاد يتبلور حول ضرورة التكتل لصد أي محاولة للتزوير وأن أي عمل انفرادي سيفسح المجال واسعا أمام خروقات لا يحمد عقباها، مثلما يلح على ذلك دعاة التحالف.