قال الدكتور بلحاج محمد، أستاذ التاريخ بكلية العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية، بجامعة وهران 1 «أحمد بن بلة»: أن «مجازر الطحطاحة الشهيرة في 28 فيفري 1962، وصمة عار في تاريخ المستعمر الفرنسي والمنظمة الإرهابية (OAS) التي استهدفت جزائريين عزل، ونحن على مشارف الاستقلال». أكد «بلحاج» في حديث ل «الشعب» أنّ «سنتي 1961 و1962 الأكثر دموية في تاريخ مدينة وهران، إبان العهد الاستعماري، ومجازر 28 فيفري 1962 ما هي إلا واحدة من أبرز المحطات المأسوية التي اقترفها الجيش الاستعماري الفرنسي». واستدل في ذلك بعديد شهود العيان المشتغلين بالبحث العلمي، على غرار الباحث في علم الاجتماع السياسي»صادق بن قادة»، رئيس بلدية وهران (سابقا)، الذي أجرى بحثا مطولا حول هذا الملف، بعد اطلاعه على سجلات الحالة المدنية لضحايا 28 فيفري 1962 وخلص إلى أنّ نحو 81 شخصا من الشهداء، وردت أسماءهم في القوائم وآخرين مجهولين. وثمّن «محدّثنا» أبحاث الدكتور «فؤاد الصوفي»، وقد اشتغل هو أيضا على الملف في شقه المتعلق بجملة الأهداف والغايات وراء تنفيذ هذا الاعتداء الذي جرى في هذا التاريخ في قلب الحي العتيق «المدينة الجديدة»، متسلسلا بالأحداث المشتركة منذ زمن الجنرال «لاموريسيار» ومحاولاته لتنفيذ سياسة إبعاد الجزائريين عن مدينة وهران في حدود 1845. من بين الأسباب التي ساقها الباحث بخصوص اختيار حي»الطحطاحة» لتنفيذ أكبر عملية تفجير بتاريخ الجزائر، أنّه يمثّل منبعا للهويّة الجزائرية ومكوّنات الموروث الثقافي المادي واللامادي، ولاسيما في ظل ترّبعه على عديد الزوايا ومساجد الفلاح، ناهيك عن ريادته في النضال الوطني التحرري من خلال احتضانه لعديد المنظمات والأحزاب السياسية الهامة، ومنها: جمعية العلماء المسلمين وحركة فرحات عباس وحزب الشعب الجزائري والكشافة الإسلامية، وكذا الاتحاد العام للعمال الجزائريين... استنادا إلى نفس المصدر، «فقد كان الحي الشعبي العريق «المدينة الجديدة»، إبان الاستعمار، يتميّز بالخصوصية الجزائرية، كونه ممنوعا على الأوربيين، مع أنه كان محاطا بالأحياء الأوربية من كل الجهات بما فيها حي زبانة وسانطاطوان وسان ميشال، وهو ما جعل من عملية استهدافه سهلا، كما تم اختيار التوقيت من الرابعة إلى الخامسة مساءً في موسم الصيف، وخلال شهر رمضان الكريم، وذلك بالقرب من متجر بيع الزلابية لصاحبه المدعو «بولحية»، المعروف وقتها محليا ووطنيا بجودة سلعته وارتفاع زبائنه، وذلك حتى تكون الجريمة وصداها بمعدلات كبيرة، تخلق الرعب وسط الجزائريين. في هذا السياق، أشار إلى التواطؤ الكبير الذي كان في تلك الفترة بين منظمة الجيش السري (OAS) وفئة من الجيش النظامي الفرنسي في خضم التفاوض مع جبهة التحرير الوطني، وكيف تمكّن هؤلاء الأوروبيين من زرع القتل، بمدينة وهران، مستدلا على ذلك بالعمل الجبان الذي قامت به هذه المنظمة، قبيل 28 فيفري 1962، بالتواطؤ مع الدرك الفرنسي التابع للجيش الفرنسي، من خلال تزويد أفرادها التشكيل الإرهابي بألبستهم الخاصة للدخول إلى سجن وهران وإخراج أربعة من المجاهدين، وهم الشهيد الفدائي «قراب الهواري» و»فريح احمد» من وهران، وكذا «حمداني عدة» من تيارت والشهيد «عواد بن جبار» من سعيدة، ليقوموا بتحويلهم إلى غابة كناستيل وتعذيبهم قبل سكب البنزين على أجسادهم وإضرام النار فيهم. نقطة استفهام كبيرة اعتبر الدكتور «بلحاج» أنّ «أعضاء منظمة الجيش السري الإرهابية كانوا على دراية بأفعالهم ودوافعهم»، وقد استدل على ذلك بالحدث الهام الذي شهدته ساحة «الطحطاحة بتاريخ 28 فبراير 1961، حيث أقام العالم الألمعي السلفي، الشيخ «الطيب المهاجي» صلاة «الغائب» على أحد عظماء العالم الإسلامي «الملك المغربي» محمد الخامس»، باعتباره من أكثر الداعمين للثورة الجزائرية، وهي الصلاة الوحيدة في العالم الإسلامي تكريما للملك محمد الخامس، وفي نفس التاريخ من السنة الموالية نفّذ التفجير بذات المنطقة التي تعتبر القلب النابض لحي (المدينة الجديدة)، وهي نقطة استفهام كبيرة تبقى مطروحة، كما يروي محدثنا. منظمة (OAS) وتسلسل الجرائم وبشأن هذه الأحداث المريرة التي شهدتها وهران عام 1962، أوضح الباحث أن «منظمة الجيش السري (OAS) التي عاثت فسادا وخرابا في الجزائر، وخاصة وهران، ما هي إلا تسمية جديدة لتنظيم كان موجودا من قبل بداية الثورة التحريرية، إضافة إلى الجيش الفرنسي والقوات الاستعمارية، في إشارة منه إلى مليشيات المعمرين المسلحة التي كانت تستهدف الجزائريين. وتطرق»بلحاج» في هذا الصدد، إلى التنظيم المسلح الذي شكّله بعض المدنيين الأوربيين من الذين تورّطوا في أعمال إرهابية خارج الإطار الرسمي للقوات الاستعمارية، وأسّسوا في حدود سنتي 1955 و1956 منظمة فرنسية إرهابية سريّة، تعرف باسم «اليد الحمراء»، والتي كانت تستهدف أساسا النخبة الجزائرية من الأعلام والشخصيات الفذّة، ومن بينهم الشهيد الشيخ المصلح «العربي التبسي». وأوضح «أنه بعد هذا التاريخ، ظهر غلاة وجنرالات الاستعمار، أمثال «شال»، « جوهو»، « زيلار» وغيرهم الذين كانوا سببا في قدوم الجنرال «ديغول»، بعد انقلاب 13 ماي 1958، وكان الهدف الأول هو القضاء على الثورة التحريرية، إلاّ أنّه نظرا لضغوط الثورة بقيادة جبهة التحرير الوطني وتمسّك الشعب الجزائري بالاستقلال، أجبر «ديغول» على التفاوض مع جبهة التحرير الوطني، فنفّذوا مرّة أخرى انقلابا ضده في أفريل 1961، إلا أنه حظي بفشل ذريع». أضاف الأستاذ الجامعي إنه «في هذه المرحلة من تاريخ الجزائر، بدأت تتأسس منظمة الجيش السري (OAS)، الخارجة عن الأطر النظامية للجيش الفرنسي، وكانت حصيلتها ثقيلة بالأعمال الإرهابية، وخاصة في المدن التي كان فيها التركيز الأوروبي، ومنها مدينة وهران، وذلك في ظل مساعيها من أجل إحداث ما وقع في جنوب إفريقيا لما استقل المستوطنون الأوروبيون البيض على التاج البريطاني، وذلك من خلال أنّهم يستقلون بالجزائر حتى على السلطة المركزية الفرنسية، لكن الجزائر وشعبها كان لهم بالمرصاد».