سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الجزائر سباقة في خوض تجربة الديمقراطية التعددية في ظروف داخلية معقدة وتأثيرات خارجية رئيس الجمهورية في الذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وتأسيس اتحاد العمال:
ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أول أمس بأرزيو (ولاية وهران) خطابا بمناسبة إحياء الذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات و تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين. فيما يلي نصه الكامل: «بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
أيتها الأخوات الفضليات أيها الإخوة الأفاضل تحيي الجزائر حدثين بارزين في مسيرتها المظفرة من أجل استرجاع استقلالها وتعزيز سيادتها الوطنية، ذكرى تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين في 24 فبراير 1956 الذي أطر نضال العمال وتجندهم في الدفاع عن القضية الوطنية تحت لواء جبهة التحرير الوطني داخل البلاد وفي ديار الغربة. كما تحيي ذكرى تأميم المحروقات الذي تم في 24 فبراير 1971 ذلك القرار التاريخي الذي استكملت به بلادنا استقلالها الاقتصادي باسطة سيادتها الكاملة على ثرواتها الطبيعية. تغمرني الغبطة والسعادة وأنا أشارككم احتفالكم بهذه الذكرى المزدوجة العزيزة على قلوبنا جميعا التي نستحضر فيها بوفاء واعتزاز نضالات العاملات والعمال الجزائريين وتضحياتهم المتواصلة عبر سنوات التحرير والتشييد، منوهين بجهودهم المعتبرة ومواقفهم المسئولة والتزامهم الدائم بخدمة الأهداف الوطنية الكبرى. أقف في هذا اليوم الأغر وقفة ترحم وإجلال على أرواح شهداء الحرية والواجب الوطني، ترحم وإكبار على أرواح شهداء الحركة النقابية الوطنية وروادها الأبطال من عيسات إيدير إلى عبد الحق بن حمودة الذين بذلوا الغالي والنفيس، حاملين الوطن في قلوبهم أمانة مقدسة فوق كل اعتبار، فوق كل الحساسيات والخلافات، مقتنعين مدافعين مستشهدين من أجل جزائر حرة متوحدة ومتألقة. كما أحيي كل العاملات والعمال معربا لهم عن فائق عبارات التبجيل والإكبار ومسديا للاتحاد العام للعمال الجزائريين أجمل آيات العرفان والتقدير لتعبئته المستمرة في خدمة الوطن. لقد ارتبط تاريخ تأميم المحروقات، عن وعي وقصد، بتاريخ إنشاء الاتحاد النقابي الوطني للتأكيد على أن الوعي النقابي كان قرين الوعي الثوري المؤمن بأن استرجاع الاستقلال يجب أن يكون شاملا كاملا غير منقوص، والتأكيد أيضا على أن ثروات البلاد تزداد قيمة بتثمين العمل ومكانة العمال الذين هم عليها الأعين الأمينة الساهرة. الشعب تحمل معاناة من أجل الحرية والسلم والاستقرار أيتها الأخوات الفضليات أيها الإخوة الأفاضل تعيش بلادنا، بعد نصف قرن من استرجاع استقلالها الوطني، مرحلة عامرة بالانجازات والإصلاحات مثقلة بالتحديات تتطلب من الجميع مزيدا من التلاحم والتعبئة والعطاء. لقد تحمل الشعب الجزائري الكثير من المعاناة والتضحيات من أجل الحرية والسلم والاستقرار، وبذل جهودا معتبرة متواصلة لتحقيق تنمية شاملة لكافة مناطق البلاد قوامها العدل والتوازن والتكافل وغايتها حياة كريمة لكل المواطنات والمواطنين. تعلمون أن بلادنا كانت سباقة في خوض تجربة ديمقراطية تعددية في ظروف داخلية معقدة، تزامنت مع متغيرات وتأثيرات خارجية صعبة أفرزتها عولمة زاحفة كاسحة. كانت مرحلة مؤلمة باهظة الثمن خرج منها الشعب الجزائري منتصرا متحدا دون عون أو نصير. خرج منها أشد صلابة ومناعة، مستخلصا الدروس والعبر أعمق تضامنا وتسامحا في كنف الوئام المدني والمصالحة الوطنية، نابذا التطرف والعنف، رافضا أبدا الفتنة والمغامرات الفتاكة، أكثر تشبثا بهويته الأمازيغية العربية الإسلامية، وأقوى تمسكا بالحداثة والديمقراطية. لقد حققت بلادنا خلال السنوات الأخيرة إنجازات ضخمة لا ينكرها إلا جاهل أو جاحد، كما قطعت أشواطا بعيدة في مسار الإصلاحات السياسية التي تعززت بقرارات جديدة تتعلق بتحديث المنظومة القانونية التي ستعقبها مراجعة الدستور، كل ذلك من أجل مواكبة التطور الطبيعي لمجتمعنا والاستجابة لمتطلباته المشروعة ومسايرة التحولات المستجدة عبر العالم. هذه الإصلاحات التي تهدف إلى توسيع الديمقراطية التشاركية التمثيلية، ودعم الحقوق والحريات الفردية والجماعية للمواطن بما يقوي أسس دولة الحق والقانون ويكرس الديمقراطية خيارا لا رجعة فيه. العودة إلى عهد بائد تجاوزه الزمن أيتها السيدات أيها السادة تمر بلادنا بمرحلة حافلة بالتشييد والتجديد في ظروف دولية مشحونة بمتغيرات سياسية وتوترات أمنية وأزمات اقتصادية وتدخلات أجنبية، هي مرحلة حساسة على المستويين الداخلي والخارجي، تستدعي التعامل مع مقتضيات المرحلة برصانة وحكمة، بثقة وتفاؤل في ضوء توجهات الإستراتيجية الوطنية وأولوياتها. لقد بلغ الشعب الجزائري من اليقظة والإدراك والنضج ما يؤهله لاستيعاب أبعاد المرحلة وتحدياتها، فهو يقدر أهمية ما ينتظره من استحقاقات والتزامات يحسن التعبير عن مطالبه وانشغالاته في انضباط ومسئولية دون الانسياق وراء مغالطات مشئومة ومقارنات زائفة تعود بنا إلى عهد بائس بائد تجاوزه الشعب الجزائري إلى الأبد. وفي سياق تجديد مؤسسات الجمهورية تكتسي الانتخابات التشريعية المقبلة أهمية بالغة إذ تعتبر خطوة مميزة في استكمال مسار الإصلاحات السياسية التي تشكل سندا قويا للبرامج التنموية الكبرى المتواصلة والتي تتجلى آثارها الإيجابية المتلاحقة خيرا ملموسا على حياة المواطنات والمواطنين. سيشهد الاقتراع المقبل مشاركة واسعة للأحزاب بما فيها الأحزاب الجديدة المعتمدة مما سيفرز برلمانا ديمقراطيا تعدديا، برلمانا نأمل أن يكون حقا أوسع تمثيلا وأكثر تنوعا وأحسن تأهيلا لمواصلة مهمته التشريعية في تكييف وتطوير المنظومة القانونية للبلاد وخاصة مهمة تعديل النص القانوني الأسمى أي الدستور وذلك بما يتلاءم مع تحولات المجتمع وتقدم الإصلاحات السياسية ومتطلبات التنمية المتسارعة. نجاح الاقتراع مرهون بالإقبال على الصناديق أيتها المواطنات، أيها المواطنون لا تنهض المجتمعات باللغو والتشرذم والفوضى، بل بالرأي البناء والفعل الخلاق، والتلاحم والالتفاف وراء أهداف وطنية كبرى.آن الأوان لإحداث تغيير نوعي في الذهنية والسلوكات العامة، آن الأوان لإحداث القطيعة مع العادات والممارسات السلبية مثل التسيب واللامبالاة وغيرها من النقائص الشائنة التي لا تليق ببلد منخرط في مشروع تنموي كبير ومسعى تحديثي واعد يتطلع إلى مكانة مرموقة بين الأمم. إن نجاح الانتخابات يبقى مرهونا أولا وأخيرا بمدى إقبال الناخبات والناخبين على الاقتراع، هذا الإقبال الذي ينبغي أن يكون انشغالا للجميع، فالإدارة مسئولة عن توفير الإمكانات اللازمة والظروف الملائمة لكن المسئولية الأكبر تعود للأحزاب في قدرتها على تجنيد شرائح واسعة من الشعب، وعلى تعبئة الناخبين وكسب أصواتهم. فضلا عن الحركة الجمعوية التي يجب أن تضطلع بدورها الحيوي في تأطير المواطنين وتوعيتهم. وكذا الإعلام بكل أنواعه ووسائله المؤثرة الذي يعول عليه كثيرا في أداء واجبه المهني والوطني في تبليغ الموطنين وتحسيسهم بأهمية هذا الاقتراع وجدواه. ينبغي للأحزاب أن تكون في مستوى أهمية هذا الاستحقاق الوطني، فتطرح برامج عملية مفيدة، وتقدم مترشحات ومترشحين ذوي كفاءة ومصداقية، قادرين على جذب الناخبين وإقناعهم، وكذا الإسهام في تطور المجتمع ودعم مؤسسات الدولة. إن نجاح الانتخابات المقبلة، بما هي اختبار مواطنة وديمقراطية، ستكون من جهة، فرصة لتمتين علاقة المواطن بالمؤسسات الدستورية، وتعزيز ثقة الناخبين في المنتخبين، وتثمين مصداقية المجالس المنتخبة مما يمكنها من الإسهام أكثر في عملية البناء والتجدد الوطني. كما ستكون من جهة أخرى، قوة دافعة لمسار الإصلاحات السياسية الجارية ودليل وعي وطني وتقدم ديمقراطي ورسالة الجزائر إلى العالم أجمع. وحرصا على صحة الانتخابات ونزاهتها، فقد تضمن قانون الانتخابات المعدل مؤخرا العديد من الإجراءات التي من شأنها ضمان حياد الإدارة وشفافية الاقتراع والتي قررنا تعزيزها بحضور واسع لملاحظين أجانب، ستسندها تغطية إعلامية وطنية ودولية واسعة وحرة. وفي هذا الشأن، وجهت تعليمات إلى كل الجهات المعنية من إدارة وقضاء ولجان مراقبة مستقلة، مؤكدا على ضرورة احترام القانون وتطبيقه الصارم، مشددا على أن يتحمل الجميع مسئولياتهم كاملة، وأنه سيحاسب كل من يتورط في مخالفة القانون، أو يقصر في أداء واجبه المهني، أو يعرقل نزاهة العملية الانتخابية. كما أجدد التأكيد على ضرورة حياد الإدارة التام، وانضباط أعوان الدولة في أداء مهامهم، وعلى التزامهم الكامل بتطبيق القانون وتنفيذ ما يصدره القضاء من أحكام، مشيرا إلى أن الإشراف القضائي على الانتخابات سيكون اختبارا حقيقيا لمصداقية القضاء وفرصة لتعزيز دوره الحيوي في تكريس الديمقراطية وترقية الحقوق السياسية في المجتمع، بضمان شفافية الاقتراع ونزاهة التنافس الحر بين مختلف القوى السياسية، بما يساعد على إنجاح الاستحقاقات السياسة المقبلة والمضي قدما بمسار الإصلاحات إلى المبتغى المنشود. ويجدر التذكير أيضا أن القانون يكفل الحق للجميع في تقديم الشكاوى والطعون أمام مختلف الجهات المختصة التي ستتكفل بمعالجتها واتخاذ ما يجب من إجراءات وأحكام طبقا للقوانين المعمول بها. كما سيعمل المجلس الدستوري على التدقيق في النتائج والفصل في الطعون بما يضمن صحة ونزاهة الاقتراع. وأحكامه في ذلك نهائية وملزمة للجميع. الشباب الرهان الكبير أيتها المواطنات، أيها المواطنون إن الانتخاب حق وواجب دستوري، فهو علامة التزام وطني ومواطنة صالحة وحس مدني حضاري. آمل أن تكونوا مشاركين معبرين عن خياركم الحر وموقفكم المشهود أن تقولوا كلمتكم المسموعة المؤثرة، وألا تتركوا غيركم يختار مكانكم، ويصنع مستقبلكم في غيابكم. إلى عاملات وعمال الجزائر، ركائز التنمية الصلبة وأعمدتها الشامخة، وإلى إخوانهم الفلاحين الذين يزرعون بذور الخير والنماء في أرض الجزائر الطيبة، إني أراكم في موعد الانتخابات التشريعية قريبا، كما أراكم اليوم، وكما عهدتكم سابقا، مجندين متضامنين، ملتزمين مخلصين أوفياء لواجبكم الوطني في الإدلاء بصوتكم المسموع والتعبير عن رأيكم الحر. إن شباب الجزائر هو الرهان الأكبر في مستقبل البلاد. لقد نشأ في كنف الاستقلال ومنه على الخصوص من يشارك أول مرة في هذه الانتخابات، أقول إنكم ذخيرة الأمة صناع الأمل ومشاعل الغد الزاهر، قادرون على رفع التحدي كما فعل أسلافكم من أبطال وشهداء، فلا تفوتوا الفرصة المواتية لتبرهنوا على أنكم جيل أكثر وعيا وإقداما والتزاما، لا تفوتوا الفرصة لتأكيد انخراطكم القوي في الحياة السياسية إذ تجسدون من خلاله قناعاتكم وطموحاتكم، وتسهمون به في ترقية مبادئ الجمهورية وقيمها، وبلوغ مجتمع الحداثة المنشود الذي تصبون إليه جميعا. إن المرأة حققت بفضل جهودها وتضحياتها على مدى سنين طوال وخاصة من خلال صمودها الرائع ضد آلة الموت والدمار أثناء العشرية السوداء، أقول حققت المرأة الجزائرية مكاسب هامة في مختلف المجالات، لكن مشاركتها الفعلية في الحياة السياسية بقيت دون المستوى المرجو. لذلك عملنا في التعديل الأخير للدستور على إقرار مادة جديدة تنص على ضرورة ''ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة''. وإن آليات تطبيق هذه المادة وفق القانون العضوي المصادق عليه مؤخرا، تمثل، بالنظر إلى أسباب وعوائق ثقافية واجتماعية موضوعية، خطوة أولى على مسار طويل قابل للتحسين والتطوير مستقبلا، مسار نحن مستعدون للذهاب فيه بعيدا، حتى تأخذ المرأة مكانتها الطبيعية المستحقة في بنية المجتمع والدولة على السواء. وهنا أود التنبيه إلى أنه على الجهات القائمة على تطبيق هذا القانون العضوي من إدارة وأحزاب، كل في مجال اختصاصه، أن يراعي روح ومقصد ما جاء في الدستور والذي يهدف أساسا إلى تشجيع المرأة على ولوج الحياة السياسية ومضاعفة إسهامها في البناء الديمقراطي، مما يساعد على تحرير طاقاتها الخلاقة ويزيد الأسرة الجزائرية قوة، ويزيد المجتمع الجزائري تماسكا ومناعة. وبالتالي ينبغي أن يتم إشراك المرأة في هذه الانتخابات على نحو يساعد على توسيع تمثيلها في البرلمان القادم. وفي كل الأحوال، يبقى ذلك مرتبطا بإرادة المرأة وتجندها والتي أحثها على المشاركة الواسعة في النشاط الجمعوي والحزبي، وأدعوها إلى الإقبال المكثف على الاقتراع، مما يمكنها بلا ريب من مضاعفة مكاسبها وتعزيز مكانتها وكذا إنجاح الإصلاحات والاستحقاقات السياسية المسطرة. كما أوجه ندائي أيضا، إلى أفراد جاليتنا الوطنية بالخارج نساءا ورجالا، مشيدا بالتزامها الدائم في أداء واجبها الوطني، داعيا إياها إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات المقبلة، مثلما فعلت بقوة في الاستحقاقات السابقة تعبيرا عن ارتباطها الوثيق ببلادها، وتأكيدا لوفائها المعهود ودعمها الثمين المستمر لوطنها الجزائر في مسيرته الديمقراطية وانجازاته التنموية. إن الدولة تستمد مشروعيتها من إرادة الشعب الذي يمارس سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها. فالانتخاب موقف والتزام، والتعبير عن الرأي مهما يكن انتماء صاحبه واختياره، فهو فعل إيجابي مفيد ومؤثر، حق وواجب دستوري لا ينبغي التفريط فيه. إن الانتخابات الوطنية هي اختيارات سياسية ذات أبعاد هامة وانعكاسات على حياة المواطن ومصير الوطن. إنني واثق في حكمة الشعب الجزائري وبصيرته وهو الذي عهدناه دائما يحسن البلاء ويرفع التحدي، شعب أصيل، لا يتأخر في الأحداث الكبرى عن الوفاء بالتزاماته وأداء واجبه الوطني بشهامة وسخاء، خدمة للوطن المفدى. المجد والخلود للشعب دائما وأبدا .