أرجعت المحامية فاطمة بن براهم تراجع عدد النساء ودورهن في قبة البرلمان إلى فترة المأساة الوطنية التي حالت دون استمرار تقدمها ورغم عودتها القوية للسياسة إلا أنها لم تكن بنفس حجم فترة ما بعد الاستقلال وتحديدا 1964، مشيرة إلى أن رئيس الجمهورية فتح الأبواب أمامها لتعزيز مشاركتها السياسية بقانون تنفرد به الجزائر عن دول العالم، وأن الانتخابات التشريعية المقررة في العاشر ماي المقبل فرصة لا ينبغي تفويتها. و قالت الأستاذة بن براهم في حوار خصت به ''الشعب'' على هامش أشغال ندوة حول ''صورة المرأة المغاربية السياسية في الإعلام''، بأن المرأة الجزائرية تختلف كثيرا عن المرأة في تونس والمغرب، لأنها لم تكتشف المعركة السياسية مع المنظمات غير الحكومية، وإنما وجدت نفسها منذ بدية التاريخ تلعب دورا مناهضا للظلم والحقرة ما جعلها امرأة سياسية بطبعها، محملة وسائل الإعلام الأجنبية مسؤولية تسويق صورة غير حقيقية وزائفة عن المرأة الجزائرية عن قصد. @ الشعب: إلى أي مدى يمكن مقارنة المرأة الجزائرية بالنساء في الدول الجارة؟ @@ الأستاذة بن براهم: نضال المرأة في الجزائر بدأ بالكاهنة ومر عبر نضال فاطمة نسومر الشابة التي لم تستأذن أباها أو أمها ولا خالها ولا عمها لدى طرقها أبواب النضال لمحاربة استعمار غاشم في محاولة منها لوضع حد للحقرة التي كانت تراها بأم عينيها، امرأة قادت الرجال إلى جانب بوبغلة في المعركة. فالمرأة الجزائرية ليست في حاجة إلى درس في السياسة من امرأة أخرى، أما صورتها فقد اكتسبتها من الكفاح الذي يسري في دمها وعروقها بحكم المراحل التاريخية التي مرت عبرها، والفرق بين الجزائريات والنساء في الدول المجاورة ممثلة في تونس والمغرب، فالوضع مختلف فعلى عكس المرأة الجزائرية لم تقدم النساء في الدول المغاربية تضحيات لطرد المستعمر، لأن نظام الحكم تحت إشراف السلطان كان تابع للنظام الفرنسي، وبالتالي لا يوجد وعي سياسي ولم تقتحم السياسة، إلا على أيدي منظمات غير حكومية تدفعهم إلى النضال وتقوم بتمويلهم لتكريس أفكار الغرب. @ ما هي خصوصية المرأة الجزائرية؟ @@ المرأة الجزائرية فتحت عينيها على الثورة، لتصبح المرأة الثائرة والثورية، كما أنها امرأة سياسية أكثر من غيرها في الدول العربية عموما، في إشارة إلى الاستعمار الذي دام 132 سنة لتكون بذلك دائما مجاهدة صفة ظلت لصيقة بها إلى غاية مرحلة التسعينات حيث سقطت ضحية الإرهاب الذي لم تسلم منه كونها امرأة. كما أن المرأة الجزائرية لم تضع يوما السلاح سواء تعلق الأمر بتربية الأطفال والنشء على القيم أو بالسلاح الحقيقي بمحاربتها جنبا إلى جنب مع الرجل، والتاريخ والعالم يشهد لها بذلك، فبعد نضال صامد ولعب دور حاسم في الثورة التحريرية المجيدة، خرجت الجزائريات في شهر ديسمبر 1960 إلى الشارع منتفضات يطالبن فرنسا بالرحيل وقبل ذلك وتحديدا في عام 1958 خرجن بعد الخطاب الذي ألقاه ديغول لقول كلمتهن بخصوص ''الجزائر فرنسية'' رافضين المبدأ جملة وتفصيلا. والجزائرية خرجت إلى الشارع مرتدية ''الحايك الأبيض'' دون استئذان أفراد عائلتها حاملة سلاحها بيدها، واضعة قنابل دونما الاهتمام بدفع حياتها ثمنا، ولقنت فرنسا درسا إلى جانب الرجل في الحرية والتحرر، وكانت أول من انتخب لقول لا لفرنسا في 1960، في وقت لم تحظ النساء ليس فقط في دول المغرب وإنما في المشرق العربي أيضا بهذا الحق، فقد صوتت المرأة الجزائرية في 1962، النساء في سويسرا في سنة 1971. @ ما مدى مساهمة الدستور الجزائري في مساعدة المرأة على أداء الدور المنوط بها؟ @@ لأن المرأة الجزائرية كافحت، فان دستور 1964 الذي كفل لها حقوقا متساوية مع الرجل لم يكن هدية، ولم يتوقف نضالها بعد نيل الاستقلال وواصلت نضالها في شكله الجديد من خلال انخراطها في اتحاد النساء الجزائريات، كما انخرطت في النقابات وفي صفوف الأحزاب السياسية، ولم تنتظر بروز ما بات يعرف بالمجتمع المدني الذي يأتي نتيجة ضغط أوروبا على بلدان يغيب فيها التمثيل النسوي من خلال جمعيات تدفعهم إلى التنظيم والنشاط على أن تمولهم، الأمر الذي رفضته الجزائر التي بادرت إلى خلق جمعيات جزائرية في سنة 1990، بدليل عدم وجود عدد كبير من المنظمات الدولية، ومنعها التمويل الخارجي لما فيه من خطورة. @متى سجلت الجزائريات تأخرا انعكس على مشاركتهن في السياسة؟ @@ تأخر المرأة الجزائرية كان إبان العشرية السوداء، حيث سجلت تأخرا في مرحلة المأساة الوطنية، فقد ضحت بحياتها وتم التعامل معها كالرجل لتدفع الثمن من حياتها وشرفها، وعادت إلى السياسة بقوة لا سيما في المجلس الشعبي الوطني، لكن ليس بنفس التمثيل في البرلمان مقارنة بالسنوات الأولى بعد الاستقلال نظرا للظرف الاستثنائي الذي عاشته الجزائر. @الإصلاحات السياسية تكرس تعزيز مشاركة المرأة والتشريعيات على الأبواب، والكرة في مرماها، أليست فرصة سانحة بالنسبة لها؟ @@ باتت الجزائر تنفرد عن غيرها من الدول في العالم وليس فقط على الصعيد العربي والجهوي والقاري بقانون يكرس المشاركة السياسية للمرأة بادر به رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في إطار إصلاحات سياسية، وهي فرصة لا تفوت لتعزيز حضورها في المجالس المنتخبة لا سيما منها البرلمان لقول كلمتها والمشاركة في صنع القرار. القانون الذي يمنح نفس الحظوظ في القوائم الانتخابية استجابة وعملا بتعليمات الرئيس بوتفليقة، يفتح الباب للمرأة للعودة بنفس قوة تمثيلها غداة الاستقلال التي عايشها شخصيا لما كان وزيرا، لأنه مدرك تماما بأن الوعي والدور السياسي للمرأة الجزائرية اكتسبته بالفطرة. @لكن صورة المرأة الجزائرية التي تنقلها وسائل الإعلام في الخارج لا تعكس واقعها والدرجات التي بلغتها؟ @@ تتعمد وسائل الإعلام الدولية تسويق صورة غير حقيقية عن المرأة الجزائرية بتحاشيها دائما الحديث عن التطور الذي حققته وحجب الحقائق المدونة في التاريخ الذي يشهد لها بأنها ''امرأة ثورية وثائرة''، ولأن هذا الإعلام يعرف جيدا بأن المرأة الجزائرية لا تركع، ووسائل الإعلام الوطنية لا تبرز الدور الذي تلعبه وهي مطالبة باستدراك الوضع والتأكيد على دورها المكمل وليس المنافس للرجل.