أكد عدد من المثقفين في حديث ل«الشعب» أن الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في العاشر ماي المقبل واجب وحق وأحد شروط المواطنة، مشيرين إلى أن هذه الاستحقاقات تمثل مرحلة حاسمة في تاريخ الجزائر، وفرصة للتغيير بإجراء انتخابات يفوز بها الأجدر. وأضاف محدثونا أن هناك نوع من الحركية السياسية، من خلال فتح المجال لأحزاب جديدة، مؤكدين أن ذلك يعتبر مؤشرا على أنه من المحتمل أن يكون هناك أفق لتغيير حقيقي في الجزائر.. أكدت مديرة المعهد العالي العربي للترجمة الدكتورة إنعام بيوض في حديث ل«الشعب» أن الانتخاب واجب وحق من حقوقنا الديمقراطية، يجب أن يمارسه كل مواطن وأن يستغله كيفما شاء، حتى بتقديم ورقة فارغة. وأشارت الدكتورة إلى أن الفضاء السياسي لا يزال يتسم بتعددية لها فرع أصلي وهو حزب جبهة التحرير الوطني، مضيفة أن هذه التعددية لا تعني أن كل الأحزاب لها وزن وقواعد شعبية. وأعابت الدكتورة بيوض على بروز هذه الأحزاب إلا مع اقتراب الانتخابات، حيث لا يوجد لها أثر في الحياة العامة متسائلة إن كانت هذه الأحزاب مجرد مطية للوصول إلى السلطة. وأضافت أن الجزائر تمر دائما بتجارب الديمقراطية، وهي ليست سهلة، كونها ممارسة تحتاج إلى وقت وإلى مراس وتقليد وتعلم ممارستها، مشيرة إلى أن التعلم لا يقوم بالانزواء. وقالت انه على أي شخص أن يعرف من يمثله في هذه الاستحقاقات، حتى ينتخب ولا يُفاجأ عندما يكون في قاعة الانتخاب. ودعت الدكتورة إلى التقرب من الناس، لكن ليس بالخطب الرنانة وفي المناسبات فقط، وإنما بالعمل، وطالبت بفتح المجال أكثر للأحرار، مشيرة إلى أن هناك أشخاصا ليسوا منضوين تحت لواء حزب معين، لكنهم يتمتعون بالكفاءة والرغبة في التغيير وصنع شيء لهذا البلد. وأكدت أن هذه الانتخابات ستكون حاسمة بالنسبة للجزائر، والمشاركة فيها أمر في غاية الأهمية، بحيث ستكون مؤشرا لما بعد الاستحقاقات والانطلاقة التي سنخطوها، وهل هناك نية للمجالس المنتخبة لأن تتبني دولة القانون، والدخول في عهد الحوكمة الراشدة. وتساءلت بيوض عن البرنامج المقترح، وهل سيكون تكرار لتجارب سابقة أثبتت عدم نجاعتها، وفي بعض الأحيان فشلها في التعبير عن انشغالات الجماهير، مشيرة إلى أن هناك فئات بحاجة لأن يُسمع صوتها، ومناطق بحاجة لأن تُنمى. وفي الأخير قالت الدكتورة إنعام بيوض «نحن نطمح لجزائر تعددية.. جزائر يسود فيها الوئام، يحترم فيها كل فرد اختلاف الآخر في إطار دولة القانون». الانتخابات نحو الديمقراطية الحقيقية من جهته قال المخرج محمد حازورلي في قراءته للمشهد السياسي المتغير «قبل كل شيء علينا أن نعترف بالتغيرات التي حصلت على مستوى العالم العربي والثورات التي هزت بقوة وفي غالب الأحيان بعنف لم يسبق له مثيل على مستوى بلدان كنا نظنها مستقرة وهادئة وكان يضرب بها المثل في الهدوء والاستقرار». وأضاف بأنه لا يمكن تجاهل الظروف والمتغيرات التي حدثت وإلا سيعتبر ذلك خطأ سياسيا خطيرا يدفع البلاد إلى مستقبل مضطرب، مشيرا إلى أن الجو الذي سيسود الانتخابات المقبلة سيكون مغايرا تماما عن الاستحقاقات السابقة. وأكد حازورلي أن التغيير يبدأ من الانتخابات المقبلة على الوجوه القديمة والتي تجسد الركود السياسي ونراها دائما في مقدمة المترشحين في كل الانتخابات وكأنها قدر محتوم على الشعب، ويتواجدون دائما في المناصب والمسؤولية دون أن يتحملونها. وقال إن هناك من سكن المجالس منذ عقود ولا يحرك ساكنا لمصلحة الشعب الذي من المفروض أنه يمثله، حيث أن هناك منتخبون لا يعرفون إلا المراكز والامتيازات التي يجنونها. ويرى المخرج حازورلي أن المسؤولية كبيرة وكبيرة جدا أمام الشعب وأمام التاريخ، ودعا الإدارة إلى الابتعاد نهائيا على العملية فهي مسيرة وليست طرفا، ولا بد أن تكون محايدة أمام الله وأمام الشعب، مشيرا إلى أنه إن لم يتم ذلك فالأمور ستسير كما سارت في الماضي. وشدد حازورلي على كسب رهان الاستحقاقات القادمة التي يتطلع الجميع إليها ويرون أنها اكبر التحديات لتجاوز أي طارئ قائلا: «لا بد من نجاح الانتخابات لسد أخطر باب للمغامرة نحن في غنى عنها وكفانا ما عرفناه من محن وهموم في الماضي غير البعيد..» ودعا المخرج لفتح بهذه الانتخابات صفحة جديدة من خلال تغيير أساليب الترشح والاختيار الفوقي، وأن يكون الاختيار قاعدي، قائلا: «ليكن مجلسا ككل المجالس في العالم، الرأي والرأي الآخر، يستطيع أن يقول رأيه بصراحة ولو لمرة واحدة في قضايا تهم الشعب». وأضاف «مرة واحدة يتخاصمون داخل المجلس دفاعا على المبادئ من أجل إيصال الأفكار والاقتراحات حتى ولو كانت مخالفة لما رسمته الحكومة من سياسة».. «كفانا من لغة الخشب»، هذا ما ناد به أيضا المخرج القدير، مطالبا لأن يصعد إلى منبر المجالس من يمثلون فعلا الشعب لا السلطة، «السلطة لا بد أن تكون لها سلطة مضادة لتراقبها لا لتزكيها في كل الأحوال حتى وإن كانت على خطأ». وهذا جوهر الإصلاحات وورشاتها المفتوحة التي سارت من خلال المشاورات على قاعدة الرأي والرأي الآخر، وتفتحت على كل الحساسيات دون إقصاء. وأشار إلى أنه يحلم بمجلس مسؤول يخضع لما يريده الشعب، مشيرا إلى أن ذلك لن يكون إلا إذا كان الشعب سيدا. ودعا حازورلي لأن تكون هذه الانتخابات تطورا حقيقيا نحو الديمقراطية الحقيقية، ونحو التعددية وغلق الباب نهائيا أمام تجار السياسة والوجوه التي سئم منها الشعب، إضافة إلى قبول التداول على البرلمان، وقال «بدأنا نشعر أكثر بحتمية التداول ونأمل أن يستمر». وأضاف أنه على الجزائر أن تعطي درسا للعالم بإجراء انتخابات مسؤولة يفوز فيها الأجدر والأحسن والشعب أدرى بمن هو أجدر بذلك. آن الأوان ليُثبت المثقف وجوده وقال الشاعر توفيق ومان في هذا الإطار: «أن المثقف ومنذ زمن يطالب بحقوقه ومساهمته في اتخاذ القرار السياسي على كل المستويات.» مشيرا إلى أن المثقف يقول دائما إنه يعاني من التهميش، وخير دليل على ذلك حسب ما أكده ل«الشعب» الرسالة التي أرسلها مثقفون ممضاة من قبل 150 مثقف إلى رئيس الجمهورية والتي تدعو إلى الإصلاحات ومشاركة المثقف في أمور بلده. وأكد ومان آن الأوان حتى يُثبت المثقف وجوده، حيث أتيحت لهم وللإعلاميين أن يدخلوا المسار السياسي من بابه الواسع وفرض آرائهم ومطالبهم، قائلا: «علينا أن لا نفوتها ونبقى فقط نطالب بحقوقنا». إلا أن المتحدث أشار في سياق آخر إلى أن هناك قائمة لفئة من الإعلاميين مع أنها محتشمة، وتتضمن فقط بعض الأسماء التي ليست لها كثافة إعلامية، جاءتهم الفرصة لتحمل المسؤولية والدفاع عن حقوقهم وحقوق زملائهم، وهم من اعتادوا على العمل الجمعوي وينشطون في الساحة السياسية والإعلامية، وسنرى ما سيفعلونه، لأن دور المثقف لابد أن يكون فعالا في المسار السياسي في دولتنا. وأشار إلى أن الظروف السياسية والظروف العالمية الجديدة التي تخيم على كل الدول العربية أو الأوروبية، تطلبت إعادة هيكلة الخريطة السياسية والجغرافية، حيث أن هناك يقول دول انقسمت، لذلك لابد على الانتخابات المقبلة أن تستقطب المواطنين بأكملهم، لأن الظرف ليس سهلا والجزائريون مطالبون بفهم المعادلة وما يحاط من حولهم من أخطار وتداعيات ظرف صعب. وأكد أن ما حدث ليس ربيعا عربيا وإنما خريفا عربيا.. ما حدث ليس انتفاضة شعب حر، كونه ليس هو من قرر ذلك، بل هي قرارات خارجية وهنا تكمن المصيبة يواصل حديثه حيث نرى أن الغرب مازالت له أطماع السيطرة على العالم العربي، الذي انهار وانبطح بسبب عدم وجود الشرعية والديمقراطية الحقيقية. وأكد ومان أن الشعب الجزائري لديه نظرته الخاصة، ولا يتحمل أن يأتي إليه أحدهم ليملي عليه شروطه، لأن الجزائري سيد نفسه، وقال «لدينا رئيسنا، وشعبا مثقفا، ونحن بإمكاننا لم جراحنا مع بعضنا البعض، وحتى نكون أسياد أنفسنا يجب أن تكون فعلا هناك ديمقراطية وأن نكون صادقينا مع أنفسنا حتى تزدهر الجزائر». ... التغيير السلمي الآن من جانبه قال الدكتور والكاتب عبد الحميد بورايو إن هناك فرصة للجزائريين للتغيير عن طريق انتخابات حقيقية، مشيرا إلى أن هناك نوع من الحركية السياسية، من خلال فتح المجال لأحزاب جديدة، وهو مؤشر على أنه من المحتمل أن يكون هناك أفق لتغيير حقيقي في الجزائر، وبالرغم من ذلك يقول أن هناك في نفس الوقت تراكمات قديمة، جاءت بها الانتخابات السابقة، جعلت المواطن يفقد الثقة تماما في مثل هذه الاستحقاقات وما ينجم عنها من نتائج. ودعا بورايو إلى أن يكون هناك عمل وتغيير حقيقي يساهم فيه الجميع، السلطة والمعارضة وكل التشكيلات السياسية، حتى يكون هناك بريق أمل في أن يحصل تغيير في الجزائر، أو أن يكون هناك طغيان للرأي الغالب والتسيير السابق للانتخابات، وبالتالي يصبح التغيير محدود وجزئي. وقال بورايو إنه على المواطن أن يثق في السلطة، حيث يجب أن تكون هناك حركية كافية والانفتاح التام لوسائل الإعلام على المجتمع ومحاولة الاستماع للمشاكل الحقيقية للمجتمع الجزائري وعدم الانغلاق على رؤية ضيقة. مراجعة طبيعة التمثيل الحقيقي للشعب الجزائري أما الروائي السعيد بوطاجين فيرى أن الاحتكام إلى التشريعات السابقة يُلزم مراجعة طبيعة التمثيل الحقيقي للشعب الجزائري، مؤكدا أن هناك أحزاب كثيرة تقدم مرشحين بعضهم يحتاج إلى مساءلات، بالنظر إلى أهدافهم الحقيقية ووعيهم السياسي ومستوياتهم الثقافية، وتجربتهم في معرفة الشؤون القانونية والاقتصادية. وقال «إن ما حصل سابقا من تمثيل ليس بالضرورة أمرا يسهم في تغيير المجتمع ووجه البلد، لأن الأغلبية الساحقة منهم لا تمتلك أي مقدرة على الرؤية المستقبلية، إضافة إلى أن طموحاتها لا تخدم بالضرورة من رشحوها لتمثيلهم في البرلمان أو في مجلس الأمة». وأشار إلى أن تغيير هذه الوجوه تتطلب تغييرا جذريا لفلسفة الانتخابات ولحقيقتها، أما القول بأن الجزائر واقعة تحت ضغوطات فهذا أمر تكرر كثيرا والجزائر تستطيع أن تمارس ضغوطات إن كانت ذا قوة وإستراتيجية واضحة.