أكد الباحث والإعلامي المتخصص في التعليم العالي والبحث العلمي عبد الرحمان بوثلجة أن إنشاء مدارس عليا لتخصصات العلوم الأساسية والدقيقة، هي المصدر الأول لكل إبداع أواختراع علمي وتكنولوجي، ويمكنها أن تكون الخطوة الأولى في إعادة توجيه بوصلة التكوين والتعليم والبحث في الجزائر، مضيفا أن جائحة كورونا أظهرت لنا أن الجامعة الجزائرية تتوفر على كفاءات يمكن التعويل عليها في تطوير البحث العلمي والاقتصاد الوطني على حد سواء. أبرز الباحث بوثلجة أهمية العلوم الدقيقة كالرياضيات والفيزياء والكيمياء لأنها أساس كل الاختراعات في عالم التكنولوجيات المتقدمة، قائلا:« هذا يدخل في إطار إستراتيجية واضحة مبنية علي دراسة جيدة، في قطاعي التربية والتعليم ونظرة إستشرافية للوصول إلى بناء اقتصاد المعرفة الذي لا ينهار بانهيار أسعار البترول”. وفي هذا الصدد، أوضح أن كل الاختراعات في عالم التكنولوجيا، أساسها معرفة صحيحة بأساسيات العلوم في الرياضيات أوالفيزياء أوالكيمياء، وما يتفرع عنها من علوم تكنولوجيا من إعلام 0لي وإلكترونيك وميكانيكا وكيمياء صناعية، فالمعرفة بالمبادئ الأساسية هوالذي يوصل إلى الاختراع الصحيح. ويرى الأستاذ الجامعي ضرورة إعداد إستراتجية دقيقة متكاملة، وبدون ذلك لا يمكن أبدا أن ارساء اقتصاد المعرفة، مشيرا إلى أن الأزمة الصحية التي عاشها العالم أظهرت أن الدول المتطورة التي يعتمد إقتصادها على العلوم والتكنولوجيا والاختراعات كانت مواجهتها للوباء أكثر سهولة، رغم أن بعضها كانت موجة الوباء فيها شديدة الانتشار، قائلا:« صنع وسائل الوقاية، مختبرات الكشف، وحتى قضاء الحاجيات اليومية للمواطن إليكترونيا، كما رأينا مجتمعها أكثر التزاما بالحجر الصحي وهذا ما يدل علي أهمية العلوم والمعرفة للمجتمعات وللاقتصاد”. وقال أيضا أن أزمة كورونا أظهرت لنا محاولات كثيرة من طرف الأساتذة الباحثين، كغيرهم من الجزائريين، وحتى الطلبة الذين يحاولون المساهمة في محاربة الوباء من خلال صنع مواد التعقيم والتطهير ووسائل الوقاية وحتى مختبرات للكشف، وهذا ما يدل على وجود الكفاءات بجامعتنا، مضيفا أنه لوأنشأنا شراكة حقيقية مع القطاع الإقتصادي لأنتجنا بما يحقق الإكتفاء الذاتي لبلدنا في الكثير من الأمور، وبالتالي نوفر الأموال التي كنا نستورد بها مثل هذه الأشياء التي تعتبر بسيطة في إنجازها. وبالمقابل نبه بوثلجة إلى نقطة يشتكي منها أساتذة القطاع وهي ضعف لدى بعض حاملي الشهادات، بسبب غياب إستيراتيجية التكوين حسب إحتياجات الجزائر سواء إقتصادية، أو إجتماعية، قائلا: السياسة التعليمية السابقة على مستوى الجامعات ارتكزت على فتح تخصصات جديدة وكان لزاما الإهتمام بالكم والتمكن من توفير مقعد بيداغوجي لكل طالب، ومنح شهادات تحت شعار “شهادة جامعية لكل من له شهادة البكالوريا، وكان الضحية الكيف والتكوين الجيد”. في هذا السياق أوضح أنه، بالنظر إلى توزيع الطلبة وتوجيههم في الجامعات منذ ذلك الوقت، لوحظ أن نسبة كبيرة توجه إلي تخصصات في العلوم الإنسانية والاجتماعية والآداب واللغات والحقوق وغيرها، ورغم أن كل هذه التخصصات مهمة لتنظيم وإدارة وتسيير وتطوير المجتمع، إلا أن بعض الطلبة أصبح يراها المكان المفضل لأخذ الشهادات، وليس التكوين والتعلم. وأضاف الباحث الجامعي، أن جزءا 0خر من الطلبة يذهبون بمعدلات مرتفعة إلى العلوم الطبية والصيدلانية والتخصصات القريبة منها، -وحسبه فإن - سبب إرتفاع معدلات القبول ليس فقط أهمية مهنة الطب ونبلها، بل الطلب الكبير غير المفهوم عليها، فهناك من يراها الأقل مسافة زمنيا للحصول على لقب “ دكتور”، وهذا مفهوم خاطئ علميا وتنظيميا. مشيرا إلى أن هذا اللقب “دكتور” أصبح متوفرا كثيرا في الجزائر، بعد “الإصلاحات التربوية والجامعية “ التي عرفتها بلادنا مع بدايات سنة 2000، ولا أحد يسأل عن التكوين الحقيقي، وحتى في تخصصه وليس المعرفة الواسعة بتخصصات أخرى، كما يجب لحامل شهادة عليا أن يفيد مجتمعه. وقال أيضا أنه حين نتكلم عن الطلبة الموجهين إلى العلوم الدقيقة أوالتكنولوجية فنجد أن أغلبهم بمعدلات أدنى، وفي الغالب مرغمون علي إختيار هذه الشعب، لأن حسب بعض الطلبة الدراسة بها صعبة وليس لها مستقبل كبير في التوظيف، متأسفا عن هذا الواقع المؤلم الذي أصبح ضحيته الطالب والأستاذ والمجتمع على حد سواء.