تقلص الثروة السمكية ألهب الأسعار وأعالي البحار الحل يفصل وزير الصيد البحري والمنتجات الصيدية سيد أحمد فروخي، في حواره ل«الشعب» في محاور برنامج قطاعه للفترة الممتدة بين 2020 - 2024 بعد إعادة الاعتبار له وترقيته من مديرية ملحقة بقطاع آخر إلى وزارة، وهو البرنامج الذي يتضمن 5 أهداف، ترقية المورد البشري وتحسين ظروف ممارسة المهنة، الحفاظ على الثروة البحرية بالساحل، توسيع مناطق الصيد للأعماق، تشجيع تربية المائيات في المياه العذبة والمالحة، وتوجيه القدرات الاستثمارية نحو الموارد البحرية غير المستغلة لإنشاء وحدات تحويلية. كما يخوض في أسباب ارتفاع أسعار السردين أو«غذاء الفقراء»، حيث أرجع ذلك إلى تقلص الثروة السمكية على طول الساحل، مقابل توسع الهوة بين العرض والطلب، نتيجة النمو الديمغرافي المتزايد وتغير الثقافة الاستهلاكية للمواطن الجزائري، ما يفرض اللجوء إلى بدائل جديدة لتوفير بروتين حيواني، عن طريق تربية المائيات المكثفة، والتوجه للصيد في أعالي البحار، أوفي الدول التي تتوفر على هذه الثروة، بمرافقة المتعاملين الاقتصاديين الراغبين في ذلك بشرط عودتهم بحصة من الصيد للأسواق الوطنية. - الشعب: استعاد قطاع الصيد حقيبته الوزارية بعد أن كان مديرية ملحقة بوزارة الفلاحة، هل هو إعادة اعتبار للمهنة، أم اعتراف بأهميته في تحريك عجلة النمو خارج المحروقات؟ سيد أحمد فروخي: لماذا نمنع أنفسنا من الاستثمار في موارد لم نحسن استغلالها في وقت سابق؟، ولم نعط لها كل الأهمية، حتى أنه كان فيه تنظيم للقطاع تم التخلي عنه، أعتقد أننا اليوم في ظرف كل قطاع لديه ثقله، وفي قطاع الصيد توجد موارد بحرية وقارية لا يمكن تركها تضيع أوتبقى دون استغلال، لأننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى توسيع المجال لكل القدرات للمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني الجديد، واستغلال كل الموارد بما فيها الكلاسيكية التي بني عليها الاقتصاد الوطني. أعتقد أن هذا القرار هو اعتراف في نفس الوقت بالمهنيين وخصوصية النشاط البحري، فالقطاع يوفر أكثر من 120 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر، نصفهم بحرية، وهؤلاء لديهم مساهمة في تحريك الاقتصاد الوطني، ولكن ينبغي الاهتمام بهم، وتحسين ظروفهم المعيشية والمهنية لضمان استمرارية نشاطهم ومساعدتهم على إعالة أسرهم. البعض نسي أن الصيد البحري من أقدم النشاطات الاقتصادية الموجودة في الوطن، وليس مهنة جديدة، وقناعتي أن هذه النشاطات يجب الحفاظ عليها، لأن لديها خصوصياتها، فهي ليست مهنة فقط وإنما إرث ووسيلة عيش، ورثها البعض أبا عن جد. ربما يتساءل البعض عن نتائج القطاع في الماضي، لكن أنا متيقن أنه لو لم يتم إعادة الاعتبار لهذا القطاع، وجعله وزارة قائمة بحد ذاتها، لاندثرت هذه المهن، واليوم استطاع الشباب الاندماج في هذا الميدان بفضل التكوين مقارنة ببعض الأنشطة التي اندثرت، حتى ولو أردنا إعادة بعثها فلن نجد من يعود إليها لأنها لديها خصوصيات سوسيولوجيا. - تتضمن إستراتيجية القطاع للفترة بين 2020 - 2024 إحداث القطيعة مع الهيكلة التنظيمية وطرق التسيير السابقة، كيف سيكون ذلك؟ ليس من المنطق إعادة بعث القطاع بنفس التنظيم والآليات ونكرر نفس الأخطاء، خاصة وأن الأهداف اليوم ترمي إلى تقليص الفجوة بين العرض والطلب التي أصبحت كبيرة، ورفع حصة الفرد من البروتينات تدريجيا، لا سيما أمام تحسن مستوى المعيشة وارتفاع الكثافة السكانية. في سنوات الستينيات والسبعينيات، كان توزيع المنتوج البحري منحصرا في المناطق الساحلية، ولا يصل المناطق الداخلية لعدة أسباب، لكن الآن أصبح المنتوج يوزع في دوار أو في قرية صغيرة بأعلى قمة في الجبال، أو بأقصى منطقة في الجنوب، وحتى الثقافة الاستهلاكية تغيرت عند الجزائريين في مختلف المناطق. لذا الطلب ارتفع ونحن لم نستطع التجاوب معه لا من جهة النوعية، والكمية ولا من ناحية الأسعار التي يقف وراءها عامل أساسي هو نقص الوفرة، ولكن هذا لا يمنع وجود عوامل أخرى، مثل تنظيم السوق، المضاربة، ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند إعداد استراتيجية لمعالجة هذه الإختلالات. - ترجعون ارتفاع الأسعار إلى نقص في الثروة البحرية، والجزائر تمتد على شريط ساحلي طويل، كيف ذلك؟ كل شخص أو طرف لديه تفسيره لارتفاع أسعار الأسماك خاصة الزرقاء، فيوجد من يربطها بضعف شبكة التسويق، وبممارسات الصيد غير القانونية، ومنهم من يربطها بالظروف المهنية للبحارة، وارتفاع تكاليف الصيد، وعند إحصائها تجد 20 أو30 عاملا وراء هذه الظاهرة، لكن العامل الأساسي حسب التقييم الموضوع على مستوى الوزارة، بالتنسيق مع مختلف المتدخلين والأخصائيين هو نقص الثروة البحرية، وهي طبيعية محدودة ولا يستطيع أي شخص التحكم في تكاثرها، ونحن وصلنا اليوم إلى حد أدنى في استغلالها. قد يقول البعض لماذا الجزائر فقط المعنية بتقلص الثروة البحرية ؟ ولماذا بلدان البحر الأبيض المتوسط لا تعرف نفس الوضع؟ كل التقارير حول الثروة السمكية في البحر الأبيض المتوسط، تؤكد تقلصها في كل البلدان مقارنة بسنوات سابقة، سواء في إسبانيا، فرنسا، أو تونس، ولا نتحدث عن الدول التي تطل على المحيط، وحتى لورفعنا عدد البواخر فسيتم اصطياد نفس الكمية، خاصة الأسماك الزرقاء الأكثر طلبا من الطبقات المتوسطة. موسم صيد السردين يكون في الفترة الممتدة من جوان إلى غاية شهر أكتوبر، وهو ليس متوفرا على طول السنة، لذا نجده بكميات قليلة في فصل الشتاء، تتولى اصطيادها بأحدث التقنيات سفن الجياب في الأعماق، ونفس الشيء موجود في كل البلدان، لكن أمام الطلب المتزايد، ومحدودية المنتوج الأسعار ترتفع نوعا ما في هذا الفصل. ثم تجد المعلقين يتعجبون في شهر جانفي أو فيفري من بلوغ سعر السردين سقف 1000 دج أو أكثر، رغم أن نفس الأمر يحدث مع الفواكه في غير موسمها، لذا إذا أردنا أخذ مؤشر السعر الحقيقي للسردين يجب أن يكون في موسمه، حتى لا نغلط أنفسنا، ولكي نجد حلا لهذه المعادلة، علينا تحليل السعر مقارنة بنفس الفصل في عدة سنوات. ^ تلبية الطلب الوطني على المنتوج البحري واستدراك العجز الناجم عن تقلص الثروة، يقتضي البحث عن موارد أخرى، هل الحل في تعزيز مشاريع تربية المائيات في البحر والمياه العذبة، أم هناك مخارج أخرى؟ ^^ برنامج القطاع الخماسي، مرجعه الأساسي تطبيق تعهدات الرئيس الرامية إلى إرساء اقتصاد بحري يعتمد على مقاربة جديدة تعتمد على إعادة تعبئة الوسائل الموجودة داخل وخارج القطاع، بإشراك المتعاملين الخواص والعموميين، وإعادة هيكلة القطاع بما يستجيب للاحتياجات الجديدة. على هذا الأساس وضعنا تحسين تسيير ما هو موجود كهدف أول، 120 ألف بحري، 5 آلاف سفينة، 39 ميناء، ثروة سمكية في الساحل تصطاد بوسائل تقليدية أو نمط تقليدي يجب الحفاظ عليها، تحسين ظروف العمل، توسيع شبكات التسويق خاصة في المدن ذات الكثافة السكانية المرتفعة، وهذا يسمح كل سنة بجني منتوج وتوزيعه دون صعوبة. ثانيا لاحظنا أننا نملك فضاء بحريا واسعا في البحر الأبيض المتوسط، خاصة مع توسيعه إلى المنطقة الاقتصادية الحرة، حتى وإن لم نحدد بعد بدقة الحدود التي نملك فيها الحقوق الاقتصادية مع بعض البلدان، ولكننا نملك عمقا في الواجهة البحرية يمكن استغلاله، لنغير معادلة ارتفاع الأسعار، ووفرة المنتوج، فعملية الصيد حاليا تتم في المناطق الساحلية، ولا تصل إلى عمق منطقة الصيد، وهذا جعل بعض المناطق تبعد عن الساحل ب 15 كلم تبقى دون استغلال لعدة أسباب. 40 ألف هكتار بالبحر لتجسيد 130 مشروع لتربية المائيات - لكن استغلال هذه المناطق يتطلب أسطولا قويا، والجزائر أغلب سفنها مهترئة وقديمة؟ صحيح، حتى نستغل مناطق أعالي البحار يجب بالفعل تكوين أسطول للصيد يكون مجهزا بأحدث التقنيات، والمعدات الإلكترونية لأن مدة البقاء في عرض البحر قد تصل إلى أكثر من أسبوع، ولكن الأسطول المتوفر حاليا نستطيع تحسينه، ومن يملك باخرة من خشب يمكن أن يستبدلها بالبوليستار. من جهة أخرى، يتطلب هذا النوع من الصيد، تكوينا خاصا على استخدام تقنيات تختلف عن الصيد الكلاسيكي التقليدي، لذا سنبدأ من الصفر، فليس لدينا أسطول، ولا بحارة مؤهلون، ولا حتى خدمات الصيانة الخاصة به، ولا موانئ مجهزة تستقبل السفن الكبيرة، ولهذا سنخصص ميناءين لهذا الأسطول أحدهما بولاية تلمسان، توشك أشغاله على الإنتهاء سيوضع تحت تصرف المتعاملين والمهنيين. يبقى تحديد مناطق الصيد، الجزائر تملك حقوق الاصطياد على مساحة 9 ملايين هكتار، إذا وصلنا إلى استغلال 10٪ منها يمكن ضمان مردود وفير. كذلك يوجد مساحات داخل هذه المناطق هي مياه بحرية غير مخصصة للصيد، يمكن تخصيصها لتربية المائيات في البحر، قد نستغل مساحة 40 ألف هكتار منها لتجسيد نحو 130 مشروع لتربية المائيات، يمكن أن ينتج 40 ألف طن سنويا. البيئة البحرية ملائمة لتربية عدة أصناف من المنتجات البحرية، وحتى المستهلك يمكن أن يجد بديلا للأسماك الزرقاء وفي غير مواسمها مثل «الدوراد». كذلك سنعمل على تشجيع تربية المائيات في الأحواض بالمناطق القريبة من الساحل باستعمال مياه البحر، كما نسعى بالاتفاق مع وزارة الموارد المائية إلى إنشاء مستثمرات لتربية المائيات المكثفة في الأحواض بالسدود الصغيرة الموجهة للسقي الفلاحي، وهذه يمكن أن تعطي لنا مردودا قد يصل إلى 6 آلاف طن، بالإضافة إلى خلق نشاطات أخرى، مثل وحدات صناعة الثلج. المناطق القارية والصحراوية، ستتحصل على مشاريع إنجاز مستثمرات صغيرة لتربية المائيات، سواء في المياه العذبة، أو في الآبار المالحة، لإنتاج سمك البلطي الأحمر، سمك القط، جمبري المياه العذبة الذي يستورد رفقة أنواع أخرى من الأسماك المجمدة ويباع في الأسواق الوطنية، رغم أن تكلفة إنتاجه بسيطة. يجب الخروج من التفكير الكلاسيكي المحدود والتوجه نحو الابتكار، أمام تقلص الثروة السمكية، ودورنا سيرتكز على فتح الآفاق الجديدة للأجيال القادمة وتوفير لهم أرضية لتطوير الاستثمار خارج قطاع المحروقات، وإنشاء مؤسسات صغيرة ومبتكرة تستبدل الاستيراد في مرحلة أولى وتنتج للأسواق العالمية في مرحلة ثانية. إعادة النظر في تسيير موانئ الصيد - تداخل صلاحيات تسيير موانئ الصيد بين وزارتي الصيد والنقل، أثّر على أداء مهنيي القطاع بسبب المشاكل الكثيرة التي لم تجد حلا، ما عمّق معاناتهم بسبب عدم الاستفادة من الضمان الاجتماعي بشكل عادل؟ سنعيد النظر في هذه العلاقة، هل ستنتهي باستعادة الوصاية كليا أوجزئيا على الموانئ أو إيجاد صيغة مشتركة للتسيير، سنعرف ذلك بعد فتح قنوات الحوار مع جميع المتدخلين، لتحديد أنماط تسيير هذه الفضاءات، لكن ما سنعمل على تحقيقه تحويل موانئ الصيد في ظرف سنتين على الأقل إلى مرافق اقتصادية تراعي المعايير المعمول بها. بالنسبة، لتحسين الوضعية الاجتماعية للمهنيين، كنا قد أصدرنا نظاما لتمكين البحارة من الاستفادة من التأمين في 2013 لكن لم يطبق بصفة عادلة، فبعد سنة 2015 أصبحت وكالات «كناص» تطبق التعليمة حسب هواها، وتفرض في كل ولاية على البحارة دفع نسبة اشتراكات لا تتوافق والقيمة المحددة في التنظيم بين 1.5 إلى 3 بالمائة من الأجر الأدنى المضمون، وهذا ليس معقولا، لذا يجب معالجة كل هذه الاختلالات. كما توجد إشكاليات أخرى سنتطرق إليها مع وزارة العمل لتوسيع قائمة المستفيدين من تغطية الضمان الاجتماعي، وطب العمل، إلى المهن الأخرى مثل تربية المائيات، وإدراجها ضمن قائمة المهن الشاقة والصعبة. تنشيط اتفاقية استغلال الأقاليم الموريتانية للصيد - وقعت الجزائر وموريتانيا اتفاقية لاستغلال الثروة السمكية من قبل متعاملين جزائريين عبر إقليمها البحري ولكن بقيت دون تطبيق هل سيتم تنشيطها من جديد لتقليص تكلفة الاستيراد؟ توقفت المبادرة، وسنعيد تنشيطها بأخذ بعين الاعتبار نقائص التجربة الأولى لعدم تكرارها، حتى لا نقع في نفس الأخطاء، سنحضر جيدا أنفسنا ونذهب بسفن متلائمة وسنرافق القطاع الخاص، وليس شركات عمومية هي من تستثمر، سنذهب بمنطق اقتصادي حر لتشجيع المتعاملين الاقتصاديين الخواص الذين يرغبون في الصيد بمناطق أخرى، لكن بشرط جلب كمية محددة للسوق الوطنية، ولكن بدفتر شروط سيضبط لاحقا وبدقة. سنفتح المجال للمتعاملين الجزائريين، ونضمن لهم التسهيلات مع هذا البلد لاستغلال أقاليمه في صيد الأسماك، ولكن بشرط احترام القوانين، وإدخال كمية من المنتوج للسوق الوطنية، مع العلم أن الكمية التي ستصطاد بسفن جزائرية ستكون منتوجا جزائريا، حتى ولو اصطيدت في بلد آخر. تمديد حملة صيد التونة الحمراء إلى 10 جويلية - توشك الحملة الدولية لصيد التونة الحمراء على الانتهاء، هل تمكنت الجزائر من صيد كامل حصتها، ومتى يفتح المجال لإقامة مزارع تسمين حتى تستفيد الخزينة العمومية من مداخيل أكبر؟ لم نستكمل اصطياد الحصة بأكملها لحد الآن، ولكن مع تمديد مدة الصيد إلى 10 أيام أخرى من قبل المنظمة الدولية للحفاظ على سمك التونة بالأطلسي «الايكات»، سيتمكن المتعاملون الجزائريون، من اصطياد كامل الحصة المقدرة ب 1650 طن، مع العلم أن الخزينة حصلت أتاوات من المشاركين قدرت بأكثر من 84 مليون دينار. ولأن هذا الصيد خاص ويخضع للقانون الدولي، توجب علينا احترام الشروط التقنية، وضبط ومتابعة العملية بدقة، وقد تم اختيار 23 متعاملا جزائريا للمشاركة في حملة الصيد، من مجموع 25 ملفا تم إيداعه كما أن الوزارة تدخلت لضمان المراقبة الصحية لجميع الأطقم والتأكد من سلامتهم الصحية بسبب تزامن الحملة وجائحة كورونا، كما تدخلت لدى السلطات التونسية للسماح للسفن الجزائرية بالتوجه إلى موانئ قريبة لمنطقة صيد في حال تقلب الأحول الجوية، وقد تم توضع ميناء مهدية تحت تصرفهم. أما بشأن إقامة مزارع للتسمين، فالجزائر تحصلت على 4 تراخيص من «الايكات» في 2018 ، ولكن لا أحد من المستفيدين تمكن من إنجاز هذا المشروع، إذا قررنا سحب التراخيص منهم، والبدء من جديد، ولكن بشرط اختيار متعاملين يملكون القدرة المالية والتقنيات لتجسيد هذه المشاريع لأنها مكلفة.