بعد رهانها على «ذروة» النشاط في شهري جويلية وأوت من أجل إنقاذ الموسم، ومع استمرار الحظر الجوي والبحري والبري، دخلت وكالات السياحة في نفق مظلم وأصبح هاجس الإفلاس يطاردها بعد أن سجلت خسائر بالملايير. بعد أن علقت وكالات السياحة والأسفار آمالها على استئناف العمل، خلال شهري جويلية وأوت، لعلها تتمكن من تدارك العجز المالي الكبير الذي تكبدته، منذ توقف نشاطها السياحي، حدث ما لم يكن متوقعا بسبب استمرار جائحة كورونا وارتفاع عدد الإصابات إلى مستويات قياسية قاربت عتبة 700 إصابة يوميا، تزامنا ومرور 5 أشهر كاملة عن تسجيل أول حالة محلية. وتنبئ هذه المعطيات بما لا يدع مجالا للشك، أن موسم الاصطياف لهذا العام مؤجل إلى حين، وأن الإفلاس لم يعد شبحا يحاصر أغلبية وكالات السياحة والأسفار، وإنما واقعا مريرا فرضه الوضع الصعب الذي يشهده النشاط السياحي في الجزائر، التي لم تسلم على غرار أكبر الدول العالم من وطأة «الفيروس الشبح» كوفيد 19، الذي فرض أكبر حظر تاريخي على حركة النقل الجوي والبحري والبري. أكد رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية في الجزائر بشير جريبي، أن استمرار أزمة كورونا سيدفع وكالات السياحة والأسفار إلى مصير مجهول، مضيفا أن 90 ٪ من هذه الشركات مهددة بالإفلاس التام. أوضح جريبي في تصريح خصّ به «الشعب»، أن قرار رفع الحجر على الوكالات السياحية، منذ شهر جوان إلى غاية اليوم، لم يحدث أي تغيير ايجابي، لأن أغبية شركات السياحة المتواجدة عبر القطر الوطني، لا يزال عملها متوقف في ظل الشلل الذي يهيمن على حركة الطيران، وتجميد حركة النقل البري وغلق الفنادق والشواطئ ومختلف المناطق السياحية. يرى رئيس النقابة، أن عودة نشاط الوكالات السياحية بعد كورونا بالوتيرة التي كانت عليها في السابق أمر من الصعب تحقيقه، لأن ذلك يتطلب وقت طويل من أجل استئناف وتنظيم العمل السياحي، مطالبا السلطات المعنية بإعفائهم من دفع الضرائب، نظرا لتوقف نشاطها في الميدان. ولفت محدثنا، إلى أن الوكالات السياحية تكبدت خسائر فادحة، منذ بداية إجراءات الحجر الصحي بعد انتشار فيروس كورونا في الجزائر، واستمرار الأزمة لآجال غير محددة سيدفع الوكالات إلى مصير مجهول، فهي الآن تشبه -على حد تعبيره- باخرة تبحر في عاصفة قوّية، مهددة بالغرق في أية لحظة. النشاط بحاجة إلى إعادة الاعتبار في سياق آخر، انتقد رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية واقع السياحة في الجزائر، نظرا للمشاكل التي يتخبط فيها القطاع والعراقيل التي حالت دون تطويره، معتبرا أداء النشاط السياحي ضعيف وبعيد عن التطلعات، كما أنه لا يعكس المقومات التي تزخر بها البلاد، معتبرا تأثير الذهنيات على السياحة الجزائرية أسباب غير مبررة وإنما يتطلب الأمر تغيير السياسات ووضع قرارات صائبة من شأنها أن تساهم في النهوض بقطاع السياحة. أشار إلى أهمية إعادة الاعتبار لمكانة السياحة الحقيقية من خلال دعم رجال الميدان الذين يبذلون مجهودات كبيرة لتطوير النشاط السياحي والترويج للوجهة الداخلية، بالإضافة الى ضرورة تفعيل المجلس الأعلى للسياحة وإيجاد حلول لبعض المشاكل التي أعاقت بعث السياحة المحلية، من خلال تسهيلات في الحصول على التأشيرة بالنسبة للسياح الأجانب، نظرا للصعوبات التي يتلقونها. وفيما يخص ترويج أغلبية وكالات السياحة للوجهات الخارجية على حساب الداخلية، أجاب جريبي أن الطلب يفوق العرض، خاصة وأن العائلات الجزائرية باتت تفضل المقاصد والوجهات السياحية الأجنبية، كون العرض السياحي بالجزائر غير تنافسي ولا يتماشى مع رغباتهم نظرا لارتفاع أسعار الخدمات السياحية وسعر الغرف في الفنادق الذي لا يتغير في مختلف الفصول، زيادة على ضعف جودة الخدمات السياحية. وقال محدثنا إن 20 ٪ من الوكالات السياحية مختصة في الترويج للسياحة الداخلية ولكن المنتوج السياحي موجه للسياح الأجانب باعتبارهم يميلون لاكتشاف مقاصد سياحية جديدة، في حين أن الجزائريين غير متعودين على السياحة الاستجوالية. أضاف في ذات السياق، قائلا: «ننتظر ردة فعل جدية من قبل السلطات العمومية لإعادة بعث السياحة والمحافظة على اليد العاملة خاصة في هذا الظرف الصعب الذي لا يخص الجزائر فقط وإنما أزمة تهدد مختلف دول العالم، ولكن إذا تم مقارنة الوضع مع بلدان شمال إفريقيا خاصة تونس والمغرب نجد أنها تعمل على توفير الظروف الملائمة وإيجاد حلول لعدم خسارة اليد العاملة. وكالات تغلق أبوابها نهائيا كشف صاحب وكالة «ألجي تور للأسفار»، أن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها وكالته بسبب توقف النشاط السياحي، منذ شهر مارس إلى غاية يومنا هذا، فرضت عليه غلق أبوابها نهائيا، بالرغم من تواجدها في الميدان لعدة سنوات. أوضح صاحب الوكالة ل «الشعب «، أن توقف حركة الطيران الداخلي والخارجي، وغلق الفنادق والمواقع السياحية بعد انتشار فيروس كورونا، أثر بشكل سلبي على النشاط السياحي في الجزائر، ما جعل أغلبية الوكالات السياحية تواجه مصير غامض ومجهول. أرجع أسباب غلقه للوكالة السياحية التي تنشط في الميدان، منذ عدة سنوات إلى أزمة كورونا بنسبة 80 ٪، حيث اضطر إلى تسريح الموظفين وإحالتهم على البطالة، بسبب غياب أية مؤشرات للعمل في تنظيم الرحلات السياحية داخل أو خارج الوطن، علما أن وكالات السياحة علقت آمالا كبيرة لاستئناف النشاط السياحي، خلال شهري جويلية وأوت، لأن ذلك قد يكون كاف لاستدراك العجز والخسائر المالية الكبيرة، ولكن حدث ما لم يكن متوقعا في ظل ارتفاع الإصابات أكثر بفيروس كورونا، وتشديد إجراءات الغلق في سبيل تعزيز الوقاية من تفشي الوباء. وقال كريم، إنه حتى في حال زوال الوباء نهائيا لن تعود حركة الشغل إلى سابق عهدها ولن يتمكن صاحب الوكالة من استئناف العمل، جراء المتاعب المالية التي تحملها الوكالة، منذ غلق المجال الجوي والحدود وإلغاء الحجز، مضيفا أن فشل الموسم السياحي الحالي يشكل ضربة موجعة لجميع الوكالات عبر الوطن ويجعل مستقبلها غامضا ومصيرها الإفلاس التام، مشيرا إلى أن قرار السلطات العمومية برفع الحجر عن نشاط الوكالات السياحية، لم يأت بأية نتائج ايجابية في ظل غياب ظروف ممارسة النشاط من نقل بري وبحري وجوي وغلق الحدود والفنادق والمنتجعات السياحية. ووصف صاحب الوكالة ظروف ممارسة النشاط السياحي في الجزائر بالصعبة، قياسا الى العراقيل التي تواجهها وكالات السياحة خلال تنظيم رحلات داخل الوطن لغياب تكوين اليد العاملة، معتبرا أن إنشاء فنادق ومنتجعات سياحية غير كافي للنهوض بالسياحة في الجزائر، وإنما يتطلب الأمر ترقية الخدمات وتحسين ظروف استقبال السياح وتغيير الذهنيات وإيجاد حلول عاجلة وجذرية لانتشال القطاع من الغرق في متاهة الركود. بحسب ذات المتحدث، فإن العائلات الجزائرية باتت تفضل قضاء العطلة الصيفية خارج الوطن، نظرا للعروض الاستثنائية والأسعار التنافسية على غرار الوجهات الأكثر إقبالا من طرف الجزائريينكتونسوتركيا وإسبانيا وماليزيا، مرجعا أسباب عزوف السياح الجزائريين على زيارة المقاصد السياحية المحلية، إلى ضعف الخدمات السياحية والأسعار المرتفعة خاصة ما تعلق بتذاكر الطيران الخاصة بالوجهات السياحية للجنوب. مخططات السيّاح الجزائريين مؤجلة مع حلول موسم الاصطياف تنطلق العائلات الجزائرية في البحث عن المكان الأفضل لقضاء العطلة، حيث يصبح الشغل الشاغل لأغلبية الجزائريين، خاصة العاملين طوال أيام السنة، فهناك من يفضل الذهاب إلى أجمل المناطق السياحية في الجزائر وآخرون يرغبون في قضاءها خارج الوطن، لكن جائحة كورونا التي طال أمدها حتمت على جميع العائلات الجزائرية البقاء في المنازل، حيث لم تؤثر قرارات توقيف الطيران وتعليق نشاطات فضاءات التسلية والترفيه وغلق الشواطئ على وكالات السياحة والأسفار فقط، وإنما حتى المواطنون أصيبوا بخيبة أمل كبيرة لعدم قضاء العطلة الصيفية وزيارة وجهاتهم المفضلة. «الشعب» تقربت من بعض العائلات الجزائرية الذين تعوّدوا على قضاء موسم الاصطياف داخل الوطن وخارجه، حيث أكدوا لنا أن وباء كورونا أفشل مخططاتهم لهذه السنة، إذ باتوا يعيشون حالة نفسية صعبة ولم يتوقعوا استمرار الجائحة إلى شهر جويلية وأوت. من جهتها، قالت أمال، أم لطفلين أنها حاولت التعامل مع وكالة سياحية عن بعد للتخطيط لزيارة إحدى وجهاتها المفضلة تركيا في الشهر القادم، في اعتقادها أن زوال فيروس كورونا قريب ولن تطول مدته بحسب تطمينات العديد من المختصين، ولكنها أصيبت بالصدمة لارتفاع عدد الإصابات أكثر في فصل الصيف. عائلة أخرى كانت تنوي الذهاب إلى تونس لقضاء العطلة الصيفية، حيث أفاد محمد أنه يختار هذه الوجهة كونها لا تكلف أموالا كبيرة، خاصة وأنه موظف بسيط ويتقاضى أجر متوسط، ولكن ذلك لا يمنعه من السفر في كل موسم اصطياف رفقة زوجته وأولاده. أكد أنه ينتظر فتح الحدود بين الجزائروتونس بفارغ الصبر قبل انقضاء موسم الحر حتى يتوجه إلى العاصمة التونسية لمدة 15 يوما، كما أنه لا يرغب في أخد العطلة حاليا، آملا أن تعود الأمور إلى مجاريها ويزول الوباء نهائيا، خلال الأشهر القادمة. أما إحدى المواطنين فقط اضطر إلى إلغاء فكرة السفر نهائيا إلى أية وجهة سياحية حتى في حال استئناف حركة الطيران وفتح الفنادق وإعادة بعث النشاط السياحي، قائلا إنه حتى إذا تمكن المواطنون من السفر خلال الأشهر المقبلة، لن تكون السياحة على غرار ما عرفناه في الحياة العادية. أضاف أن أزمة كورونا أفشلت مخططات العائلة بعد أن كان الجميع يترقب حلول الصيف بفارغ الصبر حتى يسافر في إجازة إلى اسبانيا ولكن وباء كورونا بات يهدد السياحة في ظل القيود الصارمة على التنقل. وتحاول بعض الدول التي تعتمد على السياحة أن تفتح الباب مجددا أمام السياح، في مسعى لإنقاذ اقتصادها، في حين لا تزال الدولة الجزائرية متمسكة بقرار الغلق وتوقيف الطيران وحركة النقل البري والبحري في إطار الإجراءات الوقائية المتخذة لتفادي أي موجة تفش ثانية من فيروس كورونا.