قامت «الشعب» باستطلاع حول واقع المتقاعدين في الجزائر من خلال زيارة صندوق التقاعد بشارع بوقرة بالعاصمة الذي يقصده المئات لاستخراج مختلف الوثائق وتقديم الطعون والاحتجاجات، واكتشفنا مدى المعاناة هؤلاء بعد استكمال مسارهم المهني. وحتى وإن رحب الكثيرون منهم بالزيادات الأخيرة التي دخلت شهر جانفي المنصرم إلا أن متاعبهم الصحية ووضعية أبنائهم الصعبة وغلاء المعيشة وضعف التكفل الاجتماعي تبقى محاور بحاجة إلى الإهتمام يبلغ عدد المتقاعدين في الجزائر 2,4 مليون وهو الرقم الذي شملته دراسة للاتحاد العام للعمال الجزائريين أنجزتها مؤخرا ويسهر على تسيير معاشتهم الصندوق الوطني للتقاعد الذي استفاد من نظام داخلي تحديد صلاحياته بقرار صدر في أفريل 1997.
التقاعد لم يوفر لنا الراحة كشف لنا السيد (علالي/م) متقاعد من الشركة الوطنية للتموين بالمواد الغذائية عن المتاعب والمصاعب الكبيرة التي تواجهه في حياته اليومية منذ 1994 تاريخ تقاعده بمعاش 8 آلاف دج، فالسنوات الأولى كانت متوسطة وكان المعاش يوفر حياة لابأس بها غير أنه وبعد غلق المؤسسات العمومية وتسريح العمال بين 1994 و1995 والزيادة في الكثير من أسعار المواد الأساسية بدأت حالتنا تتدهور وأصبحنا لا نقدر على توفير متطلبات الحياة الكريمة. وأضاف نفس المتحدث، الذي يقطن بحسين داي عن تأخر رفع معاشات المتقاعدين موضحا بأن الزيادات الأخيرة رفعت معاشه إلى 20 ألف دينار غير أن عدم التحكم في أسعار المواد الاستهلاكية والمواد الأخرى الأساسية جعل تلك الزيادات تذهب أدراج الرياح. وتسببت هذه الظروف في تدهور حالتنا النفسية في ظل التحولات المتسارعة وحتى أبناءنا يجدون صعوبة كبيرة في إيجاد فرص عمل من أجل مساعدتنا وقد زادت حالتنا الصحية تدهورا بفعل الظروف القاسية التي كنا نعمل فيها ونعاني اليوم من أمراض الضغط والسكري ونأمل في أن تتخذ الدولة إجراءات جديدة تشمل الرعاية الصحية المجانية مع إدماج الاستفادة من التحاليل بالمجان لأنها تثقل كاهلنا كثيرا خاصة وان مصالح الضمان الاجتماعي لا تعوضها. واشتكى نفس المصدر وآثار السنين بادية على وجهه من غياب مساحات الاجتماع والالتقاء مع المتقاعدين الآخرين فالعاصمة أصبحت مكتظة كثيرا ولا نجد أماكن نجلس فيها. وقال المتقاعد «مزياني فاتح» من شركة سوناطراك أن معاشه المقدر ب6 ملايين سنتيم أصبح لا يسد مقتضيات المعيشة فبعد أن كان يضمن لي حياة كريمة أصبحت أعاني مؤخرا بفعل غلاء المعيشة وحتى الأولاد كبروا واتسعت مطالبهم خاصة في ظل عجزهم عن توفير السكن والمصاريف الأخرى. وأضاف إن السكن في العاصمة لا يقل عن 700 مليون سنتيم ولا أعتقد أن أجيرا في هذا الزمان قادر على توفير هذا المبلغ. وعن الحياة الاجتماعية فقد تحدث السيد مزياني عن ألمه من قضايا الفساد المستشري في بلادنا موضحا بأن ما يطلع عليه في مختلف وسائل الإعلام يزيده تشاؤما. وأشار إلى ضرورة الاعتناء بالشباب واستثمار أموال الجزائر داخل الجزائر حتى نحقق الرفاهية الاجتماعية لأنه لا يعقل أن يعاني إنسان عامل مهما كان منصبه لأن العمل الذي لا يوفر الظروف الملائمة يبقى معاناة.
التقاعد.... فرصة لإيجاد منصب عمل جديد فرضت التحولات الاجتماعية والاقتصادية على جل المتقاعدين إيجاد مناصب عمل جديدة من أجل سد الحاجيات المتزايدة لطلبات الأسرة، كما أن المداومة على العمل جعلت الكثيرين لا يقتنع بالتقاعد تخوفا من الوقوع في الفراغ ومنه الإصابة بأمراض نفسية واجتماعية خاصة في ظل ضيق السكنات وعدم توفر المساحات والفضاءات اللازمة. وقال (عبد الوهاب/ب) متقاعد من ميناء الجزائر عن عدم تقبله التوقف عن العمل بعد التقاعد حيث وبعد أيام فقط شرعت في البحث عن مناصب عمل جديد من أجل ملء الفراغ أكثر منه بحثا عن المال فالفراغ الثقافي وغياب مساحات للنقاش في مواضيع هامة فقد عملت بالإدارة ألفت من خلالها جوا معينا طيلة 32 سنة ولم استطع نسيان تلك المرحلة. وتحدث (ك/مصطفى) متقاعد منذ أسابيع من المؤسسة الوطنية للسيارات الصناعية عن تخوفه من المستقبل موضحا بأن المتقاعدين بحي باب الزوار يعانون كثيرا من الظروف المحيطة بهم وجعلتهم سلبيين يكتفون بالجلوس في المقاهي وأركان الحي من أجل لعب «الدومينو» أو تجاذب أطراف الحديث حول متاعب الحياة، فلا يخلو حديث المتقاعدين من غلاء المعيشة وكثرة المشاكل داخل الأسرة. وصرح بأنه سيبحث عن عمل من أجل سد الفراغ خاصة وأنه يقطن بشقة صغيرة. واعتبر المتحدث الفضائيات ومتابعة مباريات كرة القدم متنفسه الوحيد في ظل تدهور العلاقات الاجتماعية وطغيان المادة وهو ما يزيد من تخوفي فالظروف والتحولات جعلت قيمة الإنسان تنحط.