عوض أن يغادر المغرب الشقيق منطقه التوسّعي إلى منطق آخر يقوم على الحل السياسي وفق قرارات الأممالمتحدة، ها هو يختار، مرة أخرى، طريق التأزيم والمواجهة، ربما رغبة في تحقيق بعض ما قد يعتبره «تحسينا لمركزه التفاوضي» مع جبهة البوليساريو. هذا المنطق مكلف للمغرب أولا وللمنطقة بأكملها ثانيا، وهو يهز الاستقرار ويعطل التنمية ويعكر علاقات كل الأطراف في المنطقة، بل وقد يفتح باب التدخل لأطراف خارجية تعمل بوضوح على تعطيل كل عمل مغاربي مشترك. إن التوسع التنموي المشترك هو المصلحة المشتركة. وأذكر أنه وفي زيارة رسمية لرئيس حكومة سابق للمغرب، كان من بين القضايا التي درست بين الوفدين تنمية المناطق الحدودية، بغض النظر عن الخطوات التي تقطعها تسوية قضية الصحراء الغربية، واعتبر الأمر مصلحة مشتركة أكيدة. لم تسر الأمور كثيرا في هذا الاتجاه بسبب سلوكات مغربية، مصلحية وغير منطقية حينا، وحينا آخر مدمرة لفرص العمل المشترك. إن غلق الحدود مثلا، وأسبابه معروفة وواضحة، لم تكن جهود تجاوزه أبدا كافية، فالمخدرات عابرة بقوة للحدود الغربية وصارت إشكالية أمنية وصحية للجزائر، والتنسيق الأمني بين البلدين ضعيف في أحسن الأحوال أو منعدم، وليس هناك استراتيجية مشتركة لمكافحة انتشار المخدرات والحد من نشاط وتحركات الجماعات المتطرفة والمسلحة، وهناك انطباع قوي أحيانا كثيرة أن المغرب الشقيق «يتلذذ» بمشاكل الجزائر أو يتصور أن كل إضعاف للجزائر هو مصلحة مغربية، وهذا ليس خطأ فحسب، بل هو «تيه استراتيجي» مكلف للجميع. المنطق يحتّم لتجاوز هذا الوضع، ليس تفجير بؤرة توتر جديدة ولا الخروج الصارخ عن أحكام وقف إطلاق النار ولا الوقوف في وجه التسوية على أساس تقرير المصير وفق القرارات والآليات التي وضعتها الأممالمتحدة، إنه يتطلب التخلي عن المنطق التوسعي والتوجه بقوة باتجاه منطق سياسي استراتيجي آخر يبني مستقبل المنطقة على أسس أخرى؛ منطق يطلق التكتيك ليأخذ بما هو استراتيجي دائم يبني ولا يهدم يسوي ولا يؤزم. وفي كل الأحوال، فإن «مغرب الشعوب» سيقوم يوما، لأنّ ما بين شعوب المنطقة أقوى وأدوم وذلك هو منطلق كل حساب سليم وصحيح.