الجولة الرابعة لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، كريستوفر روس، إلى منطقة النزاع في الصحراء الغربية والتي تقوده إلى أربع مناطق مغاربية، منطقتين تمثلان طرفي النزاع هما جبهة البوليزاريو والمملكة المغربية، ومنطقتين تمثلان دولتي الجوار وهما موريتانيا والجزائر أو بتعبير قرارات الأممالمتحدة تمثلان طرفي النزاع المهتمين بالقضية بحكم الجوار الجغرافي، يضاف إلى الجزائر أنها منطقة للاجئين الصحراويين الذين تم طردهم تعسفا من مناطقهم في الصحراء الغربية بعد مسيرة الاحتلال التي قادها المغرب في فترة الانسحاب الإسباني من الصحراء في منتصف السبعينات من القرن العشرين. وفي هذه الجولة الرابعة لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة يحاول روس أن يبعث مسار المفاوضات بين طرفي النزاع التي انطلقت في صيف 2007 وتوقفت عند الجولة الرابعة في المفاوضات المباشرة وانتهت إلى حيث ما انطلقت منه، حيث الانسداد وتناقض إرادات المتفاوضين مما أدى إلى فتح مجالات للمفاوضات الموازية لتذليل العقبات والصعوبات التي جمدت الوصول إلى تسوية سلمية عادلة يقبلها الطرفين. وهنا المعضلة في التفاوض بين البوليزاريو والمملكة المغربية التي وصفها المبعوث السابق فان ولسوم بأنه من غير الواقعية أن نحرك المفاوضات باتجاه التسوية في غياب أية ضغوط على الطرف المتشبث بموقفه، وهنا يحاول أن يركز على دور مجلس الأمن باعتباره الآلية الأمنية والسياسية للأمم المتحدة التي يجب أن تسند أي تحرك أممي لإيجاد تسوية نهائية لقضية الصحراء الغربية. وعليه، فإن جولات روس المغاربية التي تطمح إلى دفع جولة ثالثة من المفاوضات الموازية في شهر نوفمبر القادم ستبقى تراوح مكانها وذلك لعدة أسباب واقعية بمفهوم فان ولسوم، أولها أن لوائح الأممالمتحدة وأخر اللوائح تتحدث بصيغة قانونية وسياسية فيها الكثير من المطاطية، فعندما تتحدث عن حسن نية الطرفين، فهذا يعني أن النزاع لا يشكل نزاعا جوهريا حول أرض مغتصبة وإنما عن نزاع حدودي بسيط، كما أن الوصول إلى حل سياسي عادل وتسوية عادلة يقبلها الطرفان فهذا معناه تمييع المفاوضات إلى ما لا نهاية، في الوقت الذي تؤكد فيه اللائحة على الإطار المرجعي للمفاوضات وهو حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وهنا يبدأ التناقض بين طرفي النزاع، حيث يتشبث المغرب بالحل السياسي المتمثل في خيار الحكم الذاتي الموسع كخيار وحيد للمفاوضات وتسقط كل الخيارات الأخرى التي يتمسك بها الطرف الصحراوي التي تكفل له الحرية في تقرير المصير بالاستفتاء على كل الخيارات الممكنة والمحتملة ومنها خيار الاستقلال التام، أو خيار الاندماج في المملكة المغربية أو خيار الحكم الذاتي كخيار مطروح من بين الخيارات التي ترجع للشعب الصحراوي في اختيارها بكل إرادة وسيادة. هذا هو التناقض الجوهري بين طرفي النزاع أي أن كل طرف يبني سياسته وقناعته في الاتجاه المتناقض مع الطرف الآخر مما يجعل أي تسوية للقضية مرتبطا بمدى تليين أي طرف أو الطرفين معا لسلوكهما التفاوضي. ويبدو أن المغرب في جولاته التفاوضية يريد تحقيق هدف إستراتيجي وهو خلق اليأس لدى المتفاوضين الصحراويين بعدم جدوى الخيارات الأخرى مع محاولة إغراء المتفاوضين بأهمية خيار الحكم الذاتي الموسع، وقد تراهن على الانقسامات داخل الطرف الصحراوي بلعب ورقة الصحراويين الذين يتبنون هذا الخيار كما هو واضح في إشراك ما تسميه المغرب بممثلي المجلس الاستشاري الملكي للصحراء وفي بعض الأحيان تراهن على المنشقين الصحراويين السابقين للتأثير النفسي على عملية المفاوضات، وهو سلوك مغربي يراهن على النفس الطويل لإجهاض كل مشاريع التسوية التي بدأت بمشروع وقف إطلاق النار في فترة الأمين العام ديكويلار سنة 1991 وتم على إثرها إنشاء بعثة الأممالمتحدة للاستفتاء المعروفة اختصارا بالمينورصو، وتم إجهاض المشروع بالرغم من أن المغرب راهن على التصويت التأكيدي بتغيير البنية الديمغرافية للصحراء الغربية من الإحصاء الإسباني 75 ألف صحراوي إلى أكثر من الضعفين بتوطين المغاربة والقبائل الموالية لنظام المخزن، ورغم ذلك أجهض هذا المشروع وأصبح خيار الاستفتاء عديم الجدوى مع تأخر البعثة الأممية للاستفتاء في تحريك أي مشروع آخر يحرك الرمال الساخنة في الصحراء الغربية، وبعد هذا المشروع الفاشل بدأت مفاوضات هيوستن ومشاريع جيمس بيكر وجولات فان ولسوم الذي استقال تاركا وراءه واقعية النزاع، التي تؤكد أن سبب هذا الفشل يعود للتحالفات السياسية في مجلس الأمن مع طرف بقي متشبثا بموقفه يراوغ لكسب الوقت. فالتحالف المغربي الفرنسي أو التحالف المغربي مع بعض القوى الإسبانية المستفيدة من الوضع في الصحراء الغربية هي التي تدعم هذا التماطل مما يبعد أي تحرك أو قرار إلزامي من مجلس الأمن يفرض على الطرف المعيق للمفاوضات عقوبات أو إجراءات ردعية كما يحدث في كثير من قضايا النزاع. والمثال الحي الذي أمامنا ما يحدث في السودان وقضية البشير مع محكمة الجزاء الدولية وتحريك انفصال دارفور والجنوب بما يخدم مصالح القوى الغربية وعلى رأسها واشنطن وباريس. يبقى أن نشير إلى أن التماطل والتسويف اللذين ينتهجهما المغرب في إدارة مفاوضاته مع البوليزاريو أضحيا رهينة المصالح الغربية، بينما هناك تحرك ووعي دولي بقضايا إنسانية يعيشها الشعب الصحراوي، حيث تساند المنظمات غير الحكومية في أوروبا وأمريكا القضية العادلة للشعب الصحراوي، في الوقت الذي يراهن فيه الصحراويون على ورقة حقوق الإنسان وهي المسألة الحساسة التي يمكن أن تكسب المزيد من المساندين لها للضغط على الحكومات الغربية، وربما قضية أمينتو حيدر والسجناء السياسيين الصحراويين في المغرب وقضية اللاجئين الذين يعيشون كوارث إنسانية في مخيمات تندوف، ومخيمات العيونالمحتلة والدخلة وبوجدور هي ورقة قد تكسب الصحراويين إرادة معنوية لتحطيم أغلال الاحتلال المغربي الذي همش السكان الأصليين من التمتع بعائدات مواردهم الطبيعية ونفاهم من مناطقهم الحيوية، وحين تكون الإرادة الإنسانية فإنها قد تصبر على تماطل الاستعمار مهما طال أمده لكن في النهاية كما يقول جمال الدين الأفغاني لا بد لليل أن ينجلي، وفي الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي دام قرنا وربع قرن عبرة لكل الشعوب التي تراهن على إرادتها وعبرة لكل مستعمر الذي يراهن على مصالحه الآنية.