يبدو أن مظاهر الاحتيال والانتهازية التي تفشت بشكل لافت في الآونة الأخيرة في المجتمع الجزائري بسبب أشخاص عديمي الضمير لا يترددون في الاصطياد في بحر مأساة الطبقة الهشة، وقد انتشرت هذه الظاهرة حتى في المواسم والمناسبات الدينية المختلفة التي رغم قدسيتها وحرمتها لم تسلم هي الأخرى من هذه السلوكات السلبية على غرار شهر رمضان الفضيل الذي كان من المفروض أن يكون مناسبة للرحمة والتكافل، غير أن الذي يصدر من بعض الأشخاص في رمضان يفوق الخيال، فإضافة إلى مختلف التصرفات والسلوكات المنافية تفشت الانتهازية حيث لا يتردد بعض الأشخاص الذين سيطرت عليهم الأنانية وأعمى الطمع والجشع أبصارهم في استغلال الشهر الفضيل من أجل الاستحواذ على قفة رمضان التي هي في الأصل من نصيب الفقراء والمحتاجين لا غير. أضحت مظاهر الإحتيال والنصب التي أصبحت تجد مكانا لها حتى في المواسم الدينية شيئا عاديا لدى بعض الانتهازيين في المجتمع الذي كان يرى في هذه الأساليب الانتهازية سلوكا مشينا وشاذا ودخيلا على مجتمعنا العربي المسلم غير أن معطيات الواقع اليوم تؤكد أن المعايير الأخلاقية النبيلة في المجتمع باتت في حالة زوال تدريجي بل يمكن القول أنها انقلبت رأسا على عقب حيث غابت الأخلاق والقيم التي كانت تميز وتحكم حياة أفرد المجتمع في وقت سابق لتفسح المجال لظهور أخلاق أخرى جديدة أقل ما يقال عنها أنها سلبية منافية للطباع الإنسانية السليمة والأخلاق الفاضلة.. وبين هذا وذاك، وفي ظل حلول الشهر الفضيل الذي كان من المفترض أن يحل علينا بنفحة إيمانية روحانية أساسها التكافل والتراحم والتسابق لفعل الخيرات أعلنت هذه السلوكيات المشينة عن حضورها بيننا لكن على طريقتها الخاصة حيث أن شهر الصيام أصبح فرصة لبعض الأشخاص للنصب والاحتيال والانتهازية للحصول على امتيازات مختلفة شملت حتى أبسط الأشياء وهي المساعدات الغذائية التي تقدمها السلطات المحلية والمتمثلة في قفة رمضان التي تجمعها مؤسسة الهلال الأحمر، إضافة إلى بعض الجمعيات الخيرية المحلية بالتعاون مع المحسنين لفائدة المحتاجين والمعوزين والفقراء. وعلى الرغم من أن المصالح المعنية قامت في وقت سابق بإجراء تدقيق وتفتيش لتحديد الانتهازيين الذين اتخذوا من الشهر الفضيل مطية لتحقيق أهدافهم المادية غير أن الأمر على ما يبدو لم يتحسن في هذا الإطار ولم تتوقف أطماع هؤلاء المحتالين، بل للأسف الشديد ظهرت من جديد وازدادت حتى خلال شهر رمضان الكريم من أجل الاستحواذ على قفة رمضان ليحرموا منها من هم أحق بها. للحديث عن هذا الموضوع كان لا بد علينا من القيام بجولة ميدانية، إضافة إلى إجراء استطلاع بغية كشف ولو جزء صغير من هذا الواقع السلبي الذي لم يسلم منه حتى الفقراء والمساكين خلال الشهر الفضيل بولاية عين تموشنت.
بحث وتحري لكشف الانتهازيين
البداية كانت مع إحدى الجمعيات الخيرية المتواجدة بعاصمة الولاية والتي رفضت الكشف عن اسمها حيث كشفت لنا رئيستها أن جمعيتها التي تنشط بشكل كبير خلال شهر رمضان الفضيل وتتلقى مساعدات وهبات معتبرة من بعض الأشخاص الأثرياء أو الميسورين ماديا حيث تسعى لتقديم قفة رمضان للعائلات والفئات المعوزة والمحرومة خاصة تلك التي تحتوي على عدد كبير من الأفراد أو عدد من الأيتام تنشط منذ ما يقارب أربع سنوات وتستقبل عددا كبيرا من الفئات المعوزة لاسيما من فئة النساء، وحسب المتحدثة فإن الأمر في البداية كان يتم بشكل عادي حيث يحضر المعوز إلى مكتب الجمعية بعد أن يكون قد تلقى معلومات عن طبيعة نشاطها ويتم تقديم المعونة اللازمة لاسيما في شهر رمضان بشكل يومي غير أن الأمر تغير حيث اكتشفنا أن هناك أشخاصا انتهازيين، فرغم وضعهم المادي المرتاح إلا أنهم لا يترددون في الاستفادة من قفة رمضان التي هي في الأساس من حق المعوزين والفقراء الذين يعيشون يوميا نفس تفاصيل معاناة الجوع، وتؤكد أنها منذ تلك الحادثة أصبحت الجمعية تخضع عملية منح قفة رمضان والمساعدات الأخرى لعملية تحري وغربلة من أجل كشف المزيفين والانتهازيين. ثراء على حساب المعوزين من جهتها السيدة «فاطمة الزهراء» رئيسة إحدى الجمعيات كشفت ل «الشعب» أن النشاط الحقيقي للجمعية التي تترأسها منذ التسعينيات والتي تتلقى هي الأخرى مساعدات وهبات ومعونات من بعض المحسنين والميسورين ماديا من أجل التكفل بالأيتام والأطفال المعاقين الذين تأويهم غير أن نشاطها خلال الشهر الفضيل يتحول إلى تقديم قفة رمضان لبعض الفئات الفقيرة والمعوزة التي دون شك ازدادت أوضاعها المعيشية تدهورا بفعل موجة الغلاء الكاسحة التي قضت على أحلامهم في الحصول على مائدة رمضانية لائقة. وتضيف في ذات الوقت أن «هناك بعض الأطراف عمدت إلى الصعود على أكتاف هؤلاء الفقراء الصائمين» وهو ما حصل في رمضان الماضي حيث قام البعض بالاستحواذ على القفة التي من المفترض أن تكون من نصيب المعوزين والمحتاجين. أما السيد يوسف الذي كان يعمل بأحد فروع مؤسسة الهلال الأحمر الجزائري فقد كشف لنا هو الآخر عن بعض حالات النصب الممنهج والانتهازية التي يعمد إليها البعض خلال شهر رمضان الكريم وقال أنه وخلال فترة العمل التي قضاها في هذا الفرع كان شاهدا على الكثير من التصرفات والسلوكات الانتهازية التي تزداد وتيرتها خلال شهر الصيام حيث أكد أنه كان يعرف عددا من الأشخاص الميسورين ماديا يكونون دائما في الصف الأول خلال عملية توزيع المساعدات وقفة رمضان وهم بذلك يحرمون منها عددا من الفقراء والمعدومين. من جانب آخر إلتقت «الشعب» بعدد من المعوزين والمحتاجين الذين كشفوا من جهتهم عن تغلغل هذه السلوكات الانتهازية في كل عمليات المساعدة التي تقدمها الهيئات والجمعيات الخيرية ومنها المساعدات الخاصة بشهر رمضان الكريم. السيدة صليحة «56 سنة» أرملة وأم لخمسة أولاد روت لنا كيف تحولت المناسبات الاجتماعية والدينية الى فرص للبعض لاصطياد لقمة الآخرين حيث أكدت أنه وباعتبارها أرملة فهي من المستفيدين من المساعدات التي تقدمها الجهات المعنية غير أن المشكل يكمن في حالة الازدحام الكبيرة التي تجدها عندما تذهب لاستلام القفة بسبب الانتهازين الذين يترددون بأعداد كبيرة ويزاحمون الفقراء والمحتاجين الحقيقيين حيث لا يدخرون أي جهد في سبيل الحصول على هذه المساعدة على الرغم من أنه بإمكانهم تأمين وتوفير أحسن منها حسب ما أكدته لنا. نفس تفاصيل القصة ترويها خالتي عائشة التي هي الأخرى أرملة وأم لأربعة بنات والتي تعيش معاناة كبيرة تتنوع بين الفقر والحرمان وضرورة توفير الضروريات لبناتها، كان الحل الوحيد بالنسبة لها هو اللجوء إلى الجمعيات الخيرية ومكاتب الهلال الأحمر، وبعد جهود مضنية تمكنت من افتكاك ورقة الاستفادة من المنح والهبات المختلفة في مختلف المناسبات والأعياد الدينية كقفة رمضان التي تؤكد أيضا أن الحصول عليها بات صعبا للغاية نتيجة العدد الهائل من المستفيدين الذين ترى أن أغلبهم ليسوا من فئة المعوزين والمحتاجين بل من المزيفين، ظروفهم المعيشية أحسن لكن الطمع والأنانية سيطرا عليهم حيث تؤكد أن زوج جارتها المرتاحة ماديا تمكن من خلال واسطته ومعارفه الخاصة من الحصول على بطاقة المستفيد وأصبح يحصل على كل المنح والمساعدات المختلفة وكأنه محتاج وفقير. يساهمون في حرمان المعوزين بدل مساعدتهم من جهته عمي مولود الذي يعاني منذ زمن طويل من السكري الذي أثر على كل حياته لم يتردد في صب جام غضبه على هؤلاء الانتهازيين الذين، حسبه، لم تسلم منهم حتى منح ومساعدات الفقراء والمعوزين، ولم تشفع عندهم كذلك حرمة وقدسية الشهر الفضيل حيث أكد أنه ومنذ أن أصبح مستفيدا من هذه المساعدات والمنح والهبات التي تقدمها السلطات المحلية للفئات الفقيرة كان شاهدا هو الآخر على تصرفات بعض الانتهازيين الذين دفعهم الطمع والجشع إلى مزاحمة المحتاجين حتى في قفة رمضان التي من الممكن أن يوفروها دون عناء مادي لكن الطبع يغلب التطبع، فالأنانية وموت الضمير جعلاهم يطمعون في ما هو ليس من حقهم، ليضيف أن أحد أقاربه الميسورين ماديا كان ولا يزال من بين المستفيدين رغم أن ظروفه المادية لا بأس بها لكن جشعه ولهفته يدفعه لذلك.