لم يخفت صوت الثورة الجزائرية يوما في ذاكرة الدول الإفريقية، حيث نجحت ثورة الحرية بسنواتها السبع ونصف في شحذ همم شعوب القارة السمراء، وعجّلت من بلورة كفاح الأفارقة لنيل الاستقلال واستعادة أراضيهم المغتصبة، من الإمبراطوريات الاستعمارية المستبدة، إذن الجزائر واصلت دعمها اللاّمشروط، وبقيت وفيّة معنويا ودبلوماسيا وماديا، تناضل وفق مبادئ ثابتة، ترتكز على العدل والمساواة لإزالة كل أشكال الظلم والاستغلال على المضطهدين في العالم لاسيما أبناء القارة السمراء. هذا التّوجّه اخترق الزّمن لأنّ جذوره راسخة في المرجعية النّوفمبرية، فمد الثورة انتشرت شرارته صوب القارة السّمراء ناشرة للوعي التحرري، ومساهمة في تخليصها عدد كبير من الدول والشّعوب المضطهدة من بطش الاستعمار، خاصة تلك التي تعرّضت إلى النفوذ الفرنسي والبريطاني. ولا يخفى أنّ الجزائر واصلت بوفاء واهتمام مناصرة القضايا العادلة في العالم، وفي كل مرة تقول كلمتها الثابتة المنصفة للمظلوم، والداعية إلى وقف التجاوزات، وكل ما يخترق الشّرعية الدولية، وفوق ذلك تناضل في المحافل الدولية من أجل وقف الظلم وكل أوجه الاستغلال والاستعمار، الذي من المفروض أن يكون قد اندثر في عصر صارت فيه الحرية وحقوق الإنسان حقا مكتسبا للجميع. ثورة الجزائر يعود لها الفضل في انعتاق القارة السمراء، وتخلّصها من إرث الاستعمار البغيض، ودفعت هذه الثورة الخالدة بأحرف يصعب محوها أو تجاهلها بخطابها القومي التحرري نحو القارة الإفريقية، فتلقّفته الشعوب المتعطشة للحرية، واهتزّ لها الرأي العام العالمي، فتحوّلت إلى قبلة للثوار وقبلة للحرية، فأربكت المستعمر الأوروبي وبعد ذلك ساهمت بدبلوماسيتها الحكيمة المضادة للمحتل في إفريقيا السمراء إلى توعية الأفارقة، وأنارت لهم طريق التحرر مسرعة باستقلال دول ثرية بالموارد. إذن تمكّنت الثورة الجزائرية من إيصال صوتها التّحرّري القوي، والتأثير على الرأي العام العالمي، مصحّحة أكذوبة أن فرنسا دولة لا تهزم من طرف دول العالم الثالث المحتل. مازالت الجزائر لم تغيّر من مبادئها الثّابتة المدعّمة للقوانين والشّرعية الدولية، تقف في صف الحق والعدالة تنصف المظلوم وتدافع عنه، ولم يتوقّف مسارها عند الدعم الكامل للقضية الصحراوية، ومناصرة قضية الشّعب الصحراوي إلى غاية إرساء حقّه في تقرير مصيره عبر استفتاء شعبي تماما مثل ما تنص عليه لوائح الأممالمتحدة، لأنّ القضية الفلسطينية توجد ضمن أولوياتها وموقفها الداعم ومسارها الطويل في نصرة الشعب الفلسطيني يعكس شرف موقفها المقلق دوما للعدو المحتل. نضال الجزائر بعد استقلال جميع الدول الإفريقية ماعدا الصحراء الغربية التي تعد آخر مستعمرة بالقارة، استمر وتطوّر بعد أن أخذ مسارا أكثر خصوصية في دعم بلدان القارة دبلوماسيا واقتصاديا وثقافيا وفي مجال التعليم كذلك، لأنّها تستقبل بعثات الطلبة الأفارقة سنويا منذ عقود عديدة، وبعد أن طفا على السطح تحديات أمنية صارت بمواقفها المتّزنة ورؤيتها الاستشرافية الثّاقبة، تهندس لصناعة الاستقرار في العمق الإفريقي وتحترق من أجل استعادة الأمن والسلم، عبر جهود كبيرة تبذلها في تقويم النّزاعات وحل الأزمات وإطفاء بؤر التوتر، بفضل إطلاق وساطات تحمل خيارات التّسوية وحقن الدّماء للأطراف المتنازعة، ولعل الدور الذي قامت به في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظّمة ورفضها للفدية حتى تسهل عملية مكافحة الإرهاب خاصة في منطقة الساحل، جعل منها دولة محورية وازنة على الصّعيد الإقليمي بفضل توجّهها الثابت والشفاف والعادل، الذي لا يغلب مصلحة على أخرى، بل دوما يصطف مع القوانين ومع الشّرعية ومع المظلومين.