ركز المتدخلون في اليوم الأول والثاني للملتقى الدولي حول "الاستعمار والحركات التحررية في إفريقيا" على ثلاث نقاط رئيسية حيث نفى المتدخلون في أولاها المزاعم التي تبرر استعمار القارة وتجعله ايجابي وثانيا أهمية الثورة الجزائرية في تحريرالقارة الإفريقية وثالثا القضية الصحراوية كآخر مستعمرة افريقية يجب أن تتحرر والتضامن الإفريقي معها. يتواصل الملتقى الدولي حول الحركات التحررية في افريقيا والذي يدوم أربعة أيام ويحتضنه قصر الثقافة إلى اليوم الثاني، حيث أشرفت في يومه الأول وزيرة الثقافة خليدة تومي على افتتاحه إلى جانب شخصيات تاريخية وطنية وإفريقية من بينها زهرة ظريف بيطاط، جلول ملايكة والأمين العام السابق لمنظمة الإتحاد الإفريقي سليم أحمد سليم والمحامي جاك فيرجس ورئيس دولة الموزمبيق سابقا مارسيلينو دوس سانتوس. يناقش الملتقى الدولي خلال أربعة أيام عبر مجموعة من المداخلات والمحاضرات يلقيها عدد من الخبراء والأساتذة تاريخ الاستعمار في افريقيا والآثار السلبية المترتبة عنه، خاصة في الفترة الممتدة بين القرنين 17 و19 والتي أصبحت فيها افريقيا أحد الأقطاب الأساسية للتجارة الثلاثية وتجارة الرق خاصة، كما سيسلّط المؤرخون الضوء على الحركات التحررية، بدايتها ونتائجها إلى ظهور الدول الإفريقية المستقلة. يبرز الملتقى عبر عدة محطات ومحاور إشكالية "غياب إفريقيا في المسار التاريخي والعبودية والاستعمار" وهذا بهدف تقديم أجوبة واقعية وحقيقة لأجيال الجديدة بخصوص تاريخهم ومساهمتهم في الوجود الإنساني وإثراء التراث البشري. كما سيشرف عدد من المحاضرين على تنشيط ندوات تتمحور حول الاستعمار ذو الطابع التجاري والمتاجرة في الرق والتقاسم الاستعماري للقارة ومختلف أنواع الاستعمار أشكال الاستغلال ومقاومة السكان وبروز الحركات الوطنية وكذا حول حروب التحرر الوطنية ومختلف سبل الاستفادة من الاستقلال الوطني. . أكذوبة أن الاستعمار إيجابي من بين القضايا التي أثيرت مؤخرا حول الاستعمار وكانت فرنسا قائدة القاطرة فيها هو محاولة إعطاء الشرعية للاستعمار عبر مجموعة من المغالطات التاريخية والأخلاقية والتي تتحدث عن استعمار ايجابي، في هذا الإطار وصف المحامي الفرنسي جاك فيرجيس ما تدعيه بعض الأوساط الأوروبية بأن الاستعمار ايجابي ب"الأكذوبة"، وهذا كما أضاف استنادا إلى نصوص المستعمرين أنفسهم، مقدما الجزائر كمثال على ذلك، معتمدا على تقديم التناقضات التي تنفي هذا الادعاء، حيث تساءل: كيف يمكن أن نقرأ تدمير وحرق المدارس واختطاف النساء والأطفال وقتل الرجال؟ الأمر الذي يؤكد كما قال "أن الاستعمار لم يكن له أي جانب ايجابي"، بالإضافة إلى "مصادرة الأراضي والممتلكات ونهب البلدان وإنكار الشخصية والمحارق، مؤكدا أنه "يصعب" أمام كل هذه الوقائع الاعتراف بأن الاستعمار كان إيجابيا". ومن جهة أخرى أبرز فيرجيس دور وسائل الإعلام والمدارس في إطلاع الأجيال الشابة الإفريقية على حقيقة تاريخها وماضيها قائلا "ينبغي أن نقول لهم الحقيقة". من جانب آخر شدّد فيرجيس على أن مساهمة القارة الإفريقية في الإرث الإنساني والحضارة الإنسانية لم تكن وليدة الاستعمار، النظرية التي يرفضها وتنفيها الحقائق التاريخية وآثار الحضارات المتعاقبة على افريقيا ومن هنا تساءل: "ماذا تمثله إذن أهرامات مصر والروؤس والصفائح البرونزية للبنين والرسومات الصخرية للتاسيلي أو لجنوب إفريقيا"، مؤكدا أن "الأفارقة كانوا متحضرين منذ زمن بعيد"، وفي هذا الإطار وضع جاك فيرجيس الاستعمار والنازية في خندق واحد، حيث اعتبر أن النظام النازي كان يبرر الإبادات العرقية والمجازر التي يرتكبها، على غرار الاستعمار بآسيا وأفريقيا، كما ذكّر في ذات السياق بنظريات "آليكسيس دو توكفيل" الذي كان يرى في "الشخص المستعمر الإنسان الذي يصلح للإبادة ". وأوضح فيرجيس أن الجيش الاستعماري الذي كان يقوده جنرالات أمثال بيجو وسان آرنو قد طبق هذه الإيديولوجيات العنصرية من خلال المجازر التي اقترفت في الجزائر وفي جزر موريس مشددا في هذا الصدد على ضرورة "تنظيم رد إفريقي"، مؤكدا انه لا يمكن انتظار شيء من "العنصرية التي تعد داء لا يشفى منه". الثورة الجزائرية النموذج الأبدي للتحرر أشاد المشاركون والمحاضرون في الملتقى البحثي والدراسي التاريخي والذي تميز بمداخلات مهمة وعميقة، بالدور الهام الذي لعبته الثورة التحريرية الجزائرية في التخلص من مخالب الاستعمار، مما أهّلها لأن تكون من أبرز الثورات التحررية في العالم. كما أبرز المتدخّلون الدور الذي لعبته الجزائر في تصفية الاستعمار من القارة عبر نجاحها في اختراق القوة الاستدمارية الفرنسية والقضاء على أسطورة أنها لا تقهر، مما ولّد الأمل لدى الكثير في التحرر، بالإضافة إلى منح فرنسا الاستقلال لعدد من الدول للتفرغ لمواجهة ثورة بالجزائر، في هذا الصدد استعرض وزير الشباب والرياضة والثقافة الناميبي ويلام كونجور في تدخله "آليات" التحرير ببلدان القارة، مؤكدا أن الجزائر ساهمت بفعالية" في هذا المسار، حيث ذكّر بالمساعدات التي كانت تقدمها الجزائر لمختلف الحركات التحررية بإفريقيا، سيما كما قال لصالح الموزمبيق وأنغولا وجنوب إفريقيا وناميبيا، مضيفا أن الحركات التحررية في إفريقيا، كانت ستأخذ منحى آخر لولا الدعم السياسي والمادي الذي كانت تقدمه الجزائر، وهذا ما يفسّر كما قال فتح كل من المؤتمر الإفريقي وحزب شعب جنوب غرب إفريقيا "سوابو" مكاتبهما في الجزائر قبل أي بلد آخر. من جهته أكد الأمين العام السابق لمنظمة الوحدة الإفريقية سليم أحمد سليم على أن "الأجيال الحالية يجب أن تدرك ما عاناه أسلافها من أجل تحقيق الاستقلال بكامل القارة باستثناء الصحراء الغربية التي تعد آخر مستعمرات القارة الإفريقية". كما اعتبرت اميناتو طراوري وزيرة سابقة للثقافة بمالي فأن أطماع المستعمر لا زالت قائمة، مشيرة إلى الظرف الذي نشر فيه كتابها إفريقيا المهانة" والذي جاء "كرد على المشككين في كفاح أفريقيا ضد الاستعمار"، لتضم ضمن هذا المسعى الخطاب "المثير للجدل" الذي ألقاه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بدكارفي السينغال يوم 26 جويلية 2007 وأضافت تقول أن "افريقيا كانت علي حق وأن الغرب هو الذي نهب ثرواتها" وإذا كان العالم يواجه أزمة غذائية وبيئية وأخلاقية وسياسية فذلك لأن هذا النظام قد برهن علي فشله الصحراء الغربية آخر المستعمرات في إطار الحديث عن الاستعمار الحديث وتصفيته من القارة الإفريقية ما يزال الشعب الصحراوي الشقيق يعاني من ويلات هذا الظلم البشري الذي تعدى كل الحدود في مخيمات لاجئا ينتظر الحل السلمي وسط تعنث وتواطؤ دولي. في هذا الإطار دعا مدير مركز الساقية الحمراء وريو دي أورو للدراسات الإستراتيجية والسياسية بابا مصطفى سيد من الجزائر الدول الإفريقية لتضامن "أكثر فعالية" تجاه الشعب الصحراوي في كفاحه ضد الاستعمار المغربي، حيث حمّل نفس المسؤول على هامش الملتقى الدولي حول "المؤسسة الاستعمارية والحركات التحررية بإفريقيا الدول الإفريقية مسؤولية ما يحدث للشعب الصحراوي المحروم من جميع حقوقه وسط تجاهل دولي ومغربي لجميع قرارات المنظمات الدولية لا تزال. من هذا المنطلق طالب بابا مصطفى سيد الدول الإفريقية بمباشرة تضامن عملي وأكثر فاعلية لتحرير القارة السمراء من الاستعمار كليا. من جهة أخرى تأسف بابا مصطفى سيد لكون إفريقيا ليست مستقلة بأكملها طالما أن الصحراء الغربية لا تزال تعاني من هاجس الاستعمار حيث عبر بالمقابل عن أمله أن يكون هذا تضامن القارة السمراء مع قضية الشعب الصحراوي العادلة "شاملا لجميع الميادين سيما السياسي والاجتماعي". في نفس السياق أوضح المتحدث أن "عدد كبير من الشعب الصحراوي يصارع الاستعمار المغربي فارغ الأيدي، مضيفا "نحن في حاجة إلى تضامن مادي وسياسي وإلى أي التزام للتعريف بالمقاومة وبالكفاح اليومي للشعب الصحراوي" ولأجل ذلك طالب سيد أن لا يقتصر التضامن على القول فقط بل يتعداه إلى الفعل الذي يدعم السعي نحو تحقيق استقلاله. من جانب آخر تأسف المتحدث لموقف فرنسا بخصوص القضية الصحراوية سيما خلال اجتماعات مجلس الأمن الأممي، مشيرا أن هذا البلد "يدافع عن المغرب بجميع الوسائل "، مؤكدا أن "انتهاكات حقوق الإنسان تتواصل كل يوم في الأراضي الصحراوية المحتلة رغم ادعاء فرنسا بأنها بلد حقوق الإنسان، كما استبعد مدير مركز الساقية الحمراء وريو دي أورو إمكانية العودة إلى الكفاح المسلح لتحرير الأراضي الصحراوية المحتلة في حالة ما "إذا بقيت الأممالمتحدة مكتوفة الأيدي أمام النظام الاستعماري المغربي". واختتم سيد تدخله بالقول أن "وقف إطلاق النار لم يخدم إلا السلطات المغربية التي لم تتوقف عن نهب ثرواتنا".