يستغرب عمال العديد من القطاعات وخاصة الشركات العمومية والقطاع الاقتصادي بشكل عام التمييز غير المبرر في قيمة المنحة العائلية الخاصة بأبناء العمال، ففي الوقت الذي تستفيد فيه نسبة كبيرة من مليون ونصف مليون عامل في قطاع الوظيف العمومي (التربية والصحة والادارة وكل الأسلاك التابعة لنظام الوظيف العمومي) من منحة عائلية شهرية تقدّر ب 600 دج عن كل طفل، يتقاضى أجراء جزائريون آخرون، لأسباب غير مبررة وغير مقنعة ولا مفهومة حسبهم، منحة تقدّر ب 300 دج فقط. بداية المشكلة يؤكد أصحاب الانشغال أنّ المنحة العائلية عرفت في النصف الثاني من التسعينات وبنص تنظيمي مراجعة بتخفيضها من 600 دج إلى 300 دج لمن يكون راتبه الخاضع للاشتراك في الضمان الاجتماعي 15000دج أو أكثر، حينما كان الحد الأدنى للأجور أقل بكثير من 10000دج فكان صاحب راتب 15000دج يعتبر أجره محترما جدا بل هو راتب إطار، ومع مرور الوقت أصبح هذا الأجر أقل من الحد الادنى للأجور الذي يقدر حاليا ب 18000دج. وبالنتيجة فإنّ الجميع يفترض أن يتقاضى منحة ب 300 دج، لكن واقع الحال أنّ عددا كبيرا من عمال وإطارات الوظيف العمومي يتقاضون مهما كانت أجورهم مرتفعة، وبمعنى أدق تفوق السقف المحدد 600دج كمنحة عائلية في مقابل 300 دج لباقي القطاعات بما يعني خسارة شهرية ب1500 دج في راتب عامل له 5 أطفال على سبيل المثال. من يحمي خزينة الدولة؟ تبين هذه الحقائق حسب المعنيين خللا يتعين معالجته، إمّا باسترجاع أموال الخزينة إذا كان النص القانوني مازال ساريا، أو تعويض العمال الذين يتقاضون 300 دج بما خصم منهم من يوم دخول النص المذكور أعلاه حيز التطبيق، على اعتبار أنّه لم يطبق على الوظيف العمومي بنفس الكيفية، ويتعين تحديد المسؤوليات لحل الإشكال نهائيا، لأنّ بقاء الوضعية غير مبرر ولتفادي الوقوع في وضعيات مماثلة يتعين العلاج بالصدمة من خلال تعويض العمال الذين استفادوا من منحة 300دج، ومن الناحية القانونية المنطقية فإنّ النص المشار إليه يكون قد سقط تلقائيا منذ اليوم الذي أصبح فيه الأجر الأدنى 15000دج فما فوق لأنّه تحصيل حاصل كما أوضح بعض المختصين، وفي جميع الحالات فإنّ مصداقية نظام التأمين في بلادنا على المحك في ظل هذه الوضعية التي إمّا تضر بالأجير أو تضر بالخزينة العمومية. آراء المعنيين اتّصلنا بأحد إطارات وزارة المالية وطلبنا رأيه في الموضوع، فأعطى تفسيره بأنّ القرار المتخذ سنة 1997 بإعادة النظر في قيمة المنحة على النحو الذي اوضحناه طبق حتى بعد الزيادات في الأجور، بمعنى أنّ الموظف الذي كان يتقاضى آنذاك أقل من 15000دج كانت منحته العائلية في حدود 600 دج، واستمرت المنحة بنفس المبلغ رغم الزيادات المطبقة في الأجور حتى ولو صار يتقاضى اليوم 60000دج، وهذا ما هو حاصل حاليا، فالمعلمون يتقاضون 600دج للمنحة العائلية رغم أجورهم المرتفعة والتي تفوق الحد الأقصى المحدد قانونا، وتأكّدنا من ذلك بالحديث مع أحد المعلمين، وهذا عكس عمال القطاع الاقتصادي الذين يطبّق عليهم صندوق الضمان الاجتماعي منحة ب 300دج حتى ولو كانت رواتبهم أقل من المعلمين بكثير، أي أن تكون بزيادة ولو دينار واحد على 15000دج. وقد تأكدنا من ذلك مع عمال في مؤسسات اقتصادية عمومية لا تتجاوز أجورهم 25000دج ويتقاضون منحا عائلية ب 300دج، وعبّروا عن استنكارهم للتمييز بينهم وبين عمال الوظيف العمومي، ولمبلغها الرمزي، وهي الوضعية التي لا تتفق مع أي منطق سليم. موقف صندوق الضمان الاجتماعي تتكفل الدولة إلى غاية إشعار آخر بتسديد المنح العائلية، وإذا كانت الخزينة العمومية أخذت على عاتقها دفع المنحة من خلال إدراجها في الميزانية العامة للدولة في قانون المالية السنوي، فإنّها تتكفل بها من خلال دفعها للأجراء غير المنضوين تحت لواء الوظيف العمومي عن طريق صندوق التأمينات الاجتماعية للأجراء، مع حديث جاد عن عزمها على التخلي عن هذه المهمة لتتكفل بها الهيئات والمؤسسات من ميزانياتها، أي من أصحاب العمل وهو ما يخيف أرباب عمل عموميين وخواص لأنه سيزيد من متاعبهم المالية. وإذا لم تتدخّل الخزينة العمومية لإصلاح الخلل في الميزانيات السنوية للدولة، فإنّ صندوق الضمان الاجتماعي أخذ الأمر بجدية وصرامة اكبر من خلال مراقبة أجور العمال المؤمنين دوريا لتكييف مبلغ المنحة مع الراتب كما أوضحنا سالفا. وفي نفس الإطار أكّد لنا مصدر بالضمان الاجتماعي حقيقة التطبيق الصارم في مجال المنحة العائلية، والتي يدفعها الصندوق لعمال القطاع الاقتصادي، حيث يسدّد منحة ب 300دج عن كل طفل لمن زاد راتبه عن 15000دج بسنتيم واحد، وهي الوضعية السائدة بشكل يقارب 100 بالمائة حاليا باعتبار أنّ هذا السقف أكل عليه الدهر وشرب، أما فيما يخص الوظيف العمومي فاعتبر أن الأمر لا يعنيه ويعني ميزانية الدولة، مشيرا أنّ العديد من الاحتجاجات وجّهت للصندوق رغم موضوعيتها ولكن الصندوق ملزم باحترام النص الذي لم يحدث عليه تغيير. ما هي قيمة المنحة العائلية في الجزائر؟ يبدو الانشغال أكثر من جدي إذا صحّت هذه الحقائق، والتي تتطلب تحقيقا معمقا من وزارة العمل والضمان الاجتماعي وأجهزة الرقابة على ميزانية الدولة، حيث يتعلق الأمر بمبالغ ضخمة جدا سواء التي اقتطعت من ميزانية الدولة أو التي اقتطعت من أجور العمال الغلابى الذين تقاضوا 300 دج فقط عكس زملائهم في الوظيف العمومي، والتي يطالبون بتسديدها لهم وهم لا يجدون تفسيرات مقنعة لاحتجاجهم لدى وكالات الضمان الاجتماعي التي تسدد هذه المنحة حول هذا التمييز المخالف للدستور والقوانين السارية طارحين التساؤل التالي: ما هي قيمة المنحة العائلية اليوم في الجزائر؟ فإذا كانت 600 دج فلماذا نتقاضى 300 دج فقط؟ وإذا كانت 300 دج لماذا لا تطبّق على أغلب عمال الوظيف العمومي الذين مازالوا يتقاضون 600 دج رغم أجورهم المرتفعة، والتي فاقت أجور الكثير من عمال الشركات العمومية خاصة المتعثرة منها؟ وبالنتيجة من يحمي خزينة الدولة، وقبلها من يحمي الجزائريين من التمييز غير المبرر؟ يتّضح جليا أنّ هناك خللا يتعين معالجته والتكفل به بشكل عاجل وجدّي، لأنه إذا لم يكن يتعلق بحقوق الدولة فهو يتعلق بحقوق أجراء غلابى، فلا يعقل قانونيا ومنطقيا أن يتقاضى موظف راتبا محترما كراتب أستاذ في التعليم منحة عائلية ب 600 دج، في حين يتقاضى عامل آخر راتبا زهيدا مثل 16000 دج على سبيل المثال مع منحة عائلية ب 300 دج في دولة واحدة ونظام تأمين واحد وبنصوص قانونية واحدة وربما في بيت واحد، إنّها مع الأسف الشديد نصوص غير محينة لتتماشى مع الواقع. مطالب جديدة أجمع كل من تحدثنا إليهم حول الموضوع من الأجراء من الفئتين المحظوظين والمغبونين، أنّ مبلغ المنحة أضحى بالفعل مبلغا رمزيا، وعليه طالبوا بمراجعة مبلغ المنحة إلى ما لا يقل عن 1500دج للطفل الواحد شهريا لمواجهة المصاريف المتعددة نظرا للغلاء الفاحش، وذكروا على سبيل المثال بأنّ حليب الطفل لا يقل سعره عن 300دج للعلبة الواحدة من النوعية المتوسطة التي يستهلكها الطفل في 4 أيام، ناهيك عن باقي المستلزمات الأخرى اللازمة ومنها حفاظات الصغار والتمدرس للكبار، وبعملية حسابية بسيطة فإن المحظوظ يتلقى كمنحة عائلية 20 دج يوميا اذا كانت المنحة ب 600دج والمغبون يتلقى 10دج إذا كانت المنحة ب 300دج، وهما مبلغان لا يكفيان لشراء علبة زبادي (ياغورت) محترمة للأول، وبالنسبة للثاني لا يمكنه شراء أية علبة باعتبار أن أدنى سعر لها ب 15دج. ومن جهة أخرى، طالبوا بوضع ميكانيزمات صارمة لإجبار أصحاب العمل العموميين والخواص بالالتزام بدفع المنحة، وعدم التلاعب بها تحت أي ظرف عندما تتخلى الدولة عن دفعها كما هو مخطط له.