تعجّ المحطات الثقافية بسجل هام لمقولات خالدة لشخصيات تحدثت بإسهاب عن أهمية القراءة الموسومة بغذاء الروح، وعن استشعار قيمة المقروئية في حياة البشر، وكأن تلك المحطات تستصرخ ضمائرنا في وقتنا الحالي عصر التكنولوجيا، عصر المنصات والمواقع الإلكترونية، وتدعونا إلى الالتفاف حول مدارك القراءة، التي ثبت عنها بأنها أصل كل معرفة، وفضل كل علم، ونتاج كل كتابة عانقت كل مخطوط أومؤلف أو مجلد أو بحث لاسيما الكتب وما تبلور عنها من جرائد ومجلات ثقافية اِستمالتها موجة الحداثة وهيمنة شبكات الانترنت، ومن أبرز المقولات الكبيرة التي تناولت ذلك هي للمستشرقة الألمانية (زيغريد هونكة) التي ذكرت في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب: إن متوسط ما كانت تحويه مكتبة خاصة لعربيٍّ في القرن العاشر كان أكثر مما تحويه كل مكتبات الغرب مجتمعة. أشار الكاتب سعيد فتاحين في حديثه للشعب إلى أهمية دور ثقافة القراءة في المجتمع التي قال عنها بأنها لم تعد مجرد هواية فحسب بل أصبحت ضرورة مُلِحَّة، مؤكدا بأنّ حاجة القراءة هي فعل وجودي للإنسان لتشغيل كل شيء، حيث قال في هذا الصدد: يقرأ من أجل تشغيل التلفاز، يقرأ من أجل أن يعرف قوانين الدستور، يقرأ من أجل الوصول إلى مرحلة بناء فكرة حول العالم، ولهذا لابُد أن تتحوّل هواية القراءة إلى ضرورة بالنسبة للكاتب والأديب والباحث، وإنّ الإنتقال من الذّوق إلى التّذوق هو فتح باب أسئلة جديدة ما بعدية في حياة الإنسان، وتلك الأسئلة تقودنا إلى فعل الكِتابة. وفي ذات السياق، دعا المتحدث الجهات الوصية لتفعيل هذا الإرث الفني الثقافي ألا وهو القراءة، واستغلاله في منصات هادفة من شأنها أن تشكل مجتمع ناجح فكريا وحضاريا قادرا على النهوض بكل مجالات الحياة بأسلوب راقي الذي لن يتم إلا بكل من آلية القراءة والشغف اللامحدود في الكتابة، حيث قال في هذا الصدد: لو كُنّا نملك منظومة ثقافية حازمة وملمة بالشأن الثّقافي، لكان الكاتب الناشئ قد وجد نفسه ووجد دليلاً من أجل فهم معنى الكِتابة، وفي هذا الشأن تطرح مجلة الدوحة الثّقافية كُتبًا هامة في التراث والأدب والسير الذّاتية، التي هي بمثابة قاعدة يتشكل عليها الكاتب وهذه أهم الكتب المنشورة على عاتق المجلة من أجل نهضة فكرية ثقافية حضارية في قطر، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لا نملك مجلة ثقافية في الجزائر تهتم بالنصوص الأدبية وتكون بمثابة منارة فكرية ثقافية نقدية تهتم بالكتابة و أحوال الكِتاب في الجزائر. حث في الأخير الكاتب والناقد سعيد فتاحين الجهات المعنية إلى بذل الجهود في استحداث فضاء آمن وهادف لشباب اليوم ولجيل المستقبل،كما جاء على لسانه في هذا السياق: نحن اليوم بحاجة شديدة لتعميم ثقافة قراءة المجلات الثّقافية وملحقاتها سواءً ورقيًا "بثمن معقول" أو ثقافة إلكترونية، بدل الألعاب الجاهزة لاختراق عقول المراهقين، في صورة عناوين مهمة لكل كاتب من أجل أن يمتلك قراءة قاعدية يستطيع من خلالها تأثيث نص إبداعي.