بالرغم من التضخم وارتفاع سعر المواد الأولية في السوق العالمية، نفى الخبير الاقتصادي بلال عوّالي أن تكون سببا او مبررا للارتفاع الجنوني للأسعار، مرجعا السبب الى المضاربة والمنافسة غير الشرعية على ضوء تحول السوق الجزائرية، لانعدام الفوترة، إلى أرض خصبة للمضاربين اللاهثين وراء الربح السريح ولو كان على حساب جيب المواطن البسيط، مؤكدا ان أخلقة العمل التجاري واستحداث نصوص تشريعية بتجريم فعل المضاربة سيعيد الى السوق الجزائري توازنه الطبيعي. أكد الخبير الاقتصادي بلال عوّالي في اتصال مع "الشعب"، أن الجزائر تعرف منذ مدة سوقا موازية بعيدة كل البعد عن الرقابة او الصرامة القانونية، وهو السبب وراء التذبذب الذي يعرفه التجارة كل حسب مسؤولياته المنوطة به، ما استدعى ضرب الدولة بيد من حديد من خلال عدة إجراءات، حيث يرى أن أخلقة العمل التجاري أهمها وأولها، بالإضافة الى إجراءات ومراسيم تشريعية تصب في نفس السياق. أخلقة العمل التجاري ويشرح الخبير عوالي، أن أخلقة العمل التجاري تتطلب صرامة في التعامل، ترافقها بعض النصوص التشريعية مرتبطة بقانون العقوبات، خاصة وان رئيس الجمهورية في لقائه الأخير مع الولاة، أعطى الضوء الأخضر لوزارة التجارة للتعامل مع ما تعرفه السوق الجزائرية من مضاربة واحتكار أديا الى ارتفاع جنوني في الأسعار، وقد بدأ الجميع يرى ثمار هذه الخطوة، فالتداخل في الصلاحيات أربك أعوان الرقابة كثيرا، وهو ما يستدعي تنسيقا بين مختلف القطاعات. فوزارة التجارة لا تستطيع التدخل في جميع المساحات، كمناطق التبريد التابعة لوزارة الفلاحة مثلا. «غياب قوانين وتأطير تشريعي" منح المضاربين قوة أكبر، بحسب عوالي، لذلك أعطى رئيس الجمهورية الضوء الأخضر لمراقبة الأسعار، ليس بتحديدها ولكن بزيادة المعروض لترسيخ المضاربة الشريفة؛ بمعنى أنها تسعى إلى المحافظة على منافسة شريفة داخل الأسواق بعيدا عن إنهاك جيوب المواطنين. فيما قال في نفس السياق، إن صياغة تشريعات قانونية تجرّم فعل المضاربة بعقوبات صارمة تصل السجن، ستساهم، لا محالة، في الحد من "تغوّل" المضاربين وتحكمهم في السوق الجزائرية. فالملاحظ حاليا، أن المضارب في حال ضبطه يخضع لعقوبة بسيطة هي حجز السلع، ما يعني ان خسارته مادية فقط. لذلك تفكر السلطات اليوم في إخضاعه لقانون العقوبات، حتى لا يتجرأ على الخروج خارج إطار المنافسة الشريفة. واعتبر الخبير الاقتصادي تحسين جو المنافسة الشريفة في الأسواق الجزائرية، خطوة مهمة لوضع حد للمضاربة والاحتكار. ولاحظ ان رئيس الجمهورية تحدث عن كل هذه النقاط في لقائه الأخير مع الولاة. وتعد المداهمات التي تقوم بها المصالح الأمنية لمخازن المضاربين الذين يحتجزون سلعا كالبطاطا من اجل رفع سعرها حيث بلغ 110 دج، نتيجة حتمية لتلك التوصيات والتوجيهات، وأبانت تلك الأطنان المخزنة من البطاطا في مختلف ولايات الوطن عن تربح غير شرعي للتجار. غياب الفوترة... فاقم المشكل في نفس السياق، أوضح عوالي أن غياب الفوترة ساهم بصفة مباشرة في تنامي السوق الموازية؛ بمعنى أن غياب الفوترة زاد من حدة المشكل. فالدولة لا تستطيع تحديد هامش الربح بالنسبة للسلع المتداولة، بحكم قانون المنافسة، أي حرية الأسعار. في المقابل جرت العادة أن تتدخل الدولة عندما يكون هناك ربح مضخما من طرف التجار لمنع انهيار القدرة الشرائية للمواطن، مضيفا ان انعدام التعامل بالفاتورة مشكل أرق عملية الرقابة، عامل مهم ساعد في وجود سوق خصبة للمضاربين. «لا يجب إلقاء اللوم فقط على الدولة، لأن جشع التجار وتربحهم بطريقة غير أخلاقية، باستثمارهم في الأزمات وفي قوت الشعب الجزائري والمواطن البسيط بسبب تفضيله للربح السريع"، هكذا وصف المتحدث ما تعيشه السوق الجزائرية، حيث أرجع السبب أيضا الى جشع التجار المتربحين بطريقة غير شرعية على حساب القدرة الشرائية للمواطن. مؤكدا في نفس الوقت، وجود تعمد في رفع الأسعار من طرف المضاربين. فحسب النظرة الاقتصادية، ترتفع الأسعار إذا كان هناك عامل أول هو طبع النقود او انهيار سعر العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وكذا ارتفاع سعر المواد الأولية في الخارج. وبالرغم من توفر العاملين، إلا أن ارتفاعها لا يكون بهذه الحدة التي تعرفها الأسواق الجزائرية. حقيقة تعاني الجزائر تضخما اقتصاديا، لكن ارتفاع الأسعار يجب ان يكون تدريجيا، فمهما كانت قوة الدولة لا تستطيع كبح جماح الأسعار بهذه الطريقة، خاصة وأنها تزامنت مع الدخول الاجتماعي، ما اعتبره عوالي توقيتا غير عادي، فمثلا ارتفاع سعر البطاطا أو الدجاج تتدخل فيه عوامل مناخية والحرائق التي عرفتها الجزائر، لتسببها في نفوق أعداد كبيرة من الدجاج. أما البقوليات فارتفاع سعرها مرتبط بارتفاع عوامل نقلها، على اعتبار ان الجزائر بلد مستورد، بالإضافة الى انه ارتفاع عالمي وليس خاصا بنا فقط، "أما ان يرتفع أسعار سلع لا علاقة لها بهذه العوامل، كحليب "كونديا" الذي قفز الى 130دج، فهو مرتبط بعوامل غير اقتصادية متعلقة بالمضاربة والربح السريع". المقاطعة... ثقافة ستصنع فارقا ولاحظ الخبير الاقتصادي، أن المقاطعة طريقة ناجعة لتنظيم السوق وإعادة توازنه. فحتى في النظام الإسلامي يعتمد هذه الطريقة لكسر الأسعار، حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أرخصوه بالترك"، رغم ذلك لا يملك الجزائريون ثقافة المقاطعة، لكن ربما سنرى انتشارها في الأيام القادمة مع حملات مقاطعة شراء الدجاج. حقيقة ان الدولة تلقت خسائر كبيرة بسبب الحرائق في شعبة تربية الدواجن، لكنها ليست مبررا كافيا للارتفاع الذي تعرفه هذه المادة الاستهلاكية، فارتفاع السعر لما يقارب 500 دج أمر غير عادي لا يمكن ربطه بالتضخم، لذلك ستعيد الإجراءات المتخذة من طرف الدولة الى حركيتها الطبيعية في الأيام القادمة.