يُنقل عن بابلو بيكاسو قوله: «إن الفن لم يُخلق لتزيين الغرف، إنه آلة يستخدمها الإنسان من أجل الحرب والدفاع ضد الأعداء، وكما بدا لنا من خلال المعارك التي مضت أنه على الإنسان أن يقاتل كل ما يهدد حرية التعبير».. بمثل هذا الفكر وضع فنانون إبداعهم في خدمة القضايا التي آمنوا بها، ومن بينها ثورة الشعب الجزائري. ليس جديدا الحديث عن دور مختلف الفنون في نضال الشعوب من أجل التحرر والانعتاق، لما للفن من دور محوري في شحذ الهمم والتعريف بالقضية والارتقاء بها إلى مستويات إنسانية راقية. ولا تحيد الثورة الجزائرية عن هذه القاعدة، وهي التي ألهمت الفنانين والمبدعين، من داخل الجزائر ومن خارجها، وما تزال تلهمهم وتتجلى آثارها في أعمالهم الفنية. يرى د.احسن ثليلاني أن مستويات العلاقة بين الفن والثورة متداخلة ومتشابكة، «فقد يسبق الفن ومنه المسرح الثورة، فيمهد لها ويحرض عليها ويسعى إلى خلقها من خلال الدعوة إلى قيامها، وقد تسبق الثورة الفن فتمده من حوادثها ووحيها وقيمها ما يجعله يغرف من ينبوعها، وقد يلتحم الفن بالثورة فيواكبها ويكون صوتها وصداها». ويلاحظ ثليلاني أنه، مهما تباينت مستويات تلك العلاقة، فإن «الفن الأصيل لابد وأن يكون لسان الثورة ووسيلة هامة من وسائلها، إذ لا فرق بين فاعلية الرصاصة وفاعلية الكلمة، والصحيح في مستويات العلاقة أنه في البدء كانت الكلمة». ويعتبر ثليلاني أن الثورة فعل يقف وراءه فكر، مستشهدا في ذلك بما قاله د.عبد الملك مرتاض من أن «من الناس من يعتقد اليوم في الجزائر أن ثورة فاتح نوفمبر 1954 لم يكن وراءها مفكرون، ولنكرر ذلك، فهي ثورة شعبية وكفى !. ذلك بأن هذه الفكرة تحمل مغالطة تاريخية وفكرية لا تقبل. إنا لنعلم أن الفكر مصدره الدماغ، وأن الدماغ، من الوجهة العلمية، هو المتحكم في كل حركة من حركات الجسم، فالجسم يتلقى الأوامر أبدا من هذا الجهاز العجيب، وإذا تعطل الدماغ تعطلت الأوامر المصدرة إلى الجسم فيتوقف عن الحركة، ويعجز عن النهوض بأي وظيفة مادية، ولا يعقل أن تكون حركة ثورية عظيمة، كثورة التحرير العارمة، ولا يكون وراءها عقول مفكرة، وأدمغة مدبرة قبلها وأثناءها». الفن التشكيلي المقاوم يركز كل من حبيب شيخي وهاجر شرقي، الباحثان بجامعة مستغانم، على تجليات المقاومة في الفن التشكيلي إبان الاستعمار الفرنسي. واعتبر الباحثان أن الفن التشكيلي الوطني الجزائري كان بمثابة الرد على الفنانين المستشرقين وميولهم الاستيطانية. ويعتبر الباحثان أن الفن التشكيلي يمكن أن يكون وسيلة مقاومة، ويستشهدان بمقولة منسوبة لبابلو بيكاسو: «إن الفن لم يُخلق لتزيين الغرف، إنه آلة يستخدمها الإنسان من أجل الحرب والدفاع ضد الأعداء، وكما بدا لنا من خلال المعارك التي مضت أنه على الإنسان أن يقاتل كل ما يهدد حرية التعبير». ويذكر الباحثان قائمة طويلة من الفنانين الجزائريين الذين انخرطوا في خط المقاومة والنضال، على غرار محمد وعمر راسم، إبراهيم مردوخ، إسماعيل صمصوم، محمد تمام، امحمد إسياخم، محمد خدة، مسلي محمود شكري، ميلود بوكرش، وغيرهم. كما عرّج الباحثان على دعم التشكيليين العرب للثورة التحريرية، واختارا الفنان العراقي محمود صبري نموذجا لهذا الدعم. ولم يغفل الباحثان الأسماء العالمية التي ساندت ثورة الجزائريين، وعلى رأسهم بابلو بيكاسو، الذي لم يكتفِ برسم لوحة المجاهدة «جميلة بوباشا»، بل قدم عائلته الملجأ والملاذ للمجاهدة لويزة إيغيل أحريز. المسرح.. سلاح في يد القضية ونعود هنا إلى د.ثليلاني، الذي نجده يشير إلى تأثير المسرح في المتلقي، واصفا إياه ب»العظيم جدا» حيث يمثل هذه العلاقة «بمحرض ومتحرض يتولد بينهما تيار ينقل الشحنة ويصب أهداف وخلاصات وحرارة نبض ما يجري على المسرح في أعماق نفس المتفرج الفرد، الذي يشعر بالشحنة الوافدة إليه من خشبة المسرح تفترس كيانه وتمتلك مشاعره، وتغزو روحه، فيعيش تحت تأثيرها كل مراحل العمل الفني.» وإذ يستشهد ثليلاني بمسرحيات «الجثة المطوقة» لكاتب ياسين، و»الباب الأخير» لمصطفى الأشرف، و»حنين إلى الجبل» لصالح الخرفي، ومصرع الطغاة» لعبد الله الركيبي، ناهيك عن مسرحيات الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني على غرار «نحو النور» لمصطفى كاتب وكل من «أبناء القصبة» و»الخالدون» و»دم الأحرار» من تأليف عبد الحليم رايس وإخراج مصطفى كاتب، فإن الباحث يشير إلى ملامح الثورة الجزائرية في الفن الرابع ما وراء الحدود الجزائرية، ومن أمثلة هذا الحضور في المسرح المغاربي، يذكر ثليلاني مسرحيتي «البطلة» للتونسي محمد فرج الشاذلي، و»جميلة» لليبي عبد الله القويري. كما سجلت ثورة نوفمبر حضورها في المسرح المصري، ولعل أهم عمل مسرحي مصري وربما عربي على الإطلاق كتب عن الثورة الجزائرية، وفقا لثليلاني، هو مسرحية « مأساة جميلة» لعبد الرحمن الشرقاوي، وهي مسرحية شعرية تقع في حوالي 240 صفحة من الحجم المتوسط، وتتألف من خمسة فصول، وهذه المسرحية «هي من الضخامة، بحيث إن كاتبها عبد الرحمن الشرقاوي قد ألقى بالصراع فيها على عاتق أكثر من ثلاثين شخصية مسرحية ما بين أساسية ومتوسطة الأهمية وثانوية»، يقول ثليلاني، الذي يشير إلى أن صدى ثورة نوفمبر «شمل المسرح العالمي أيضا ومنه المسرح الفرنسي تحديدا»، مستشهدا بمسرحية «الستارات» لجان جينيه.