تواصل الجزائر الصمود في محيط خارجي مليء بالدسائس والمؤامرات وتنكر بعض الأنظمة للقضايا المشتركة، وتصر على التمسكّ بمواقفها الثابتة ومسارها المشرف، وترسيخ دورها كفاعل مؤثر، يساهم بجدية في مواجهة التحديات الدولية، وذلك من خلال طرح المبادرات، والحلول التي من شأنها تعزيز العمل متعدد الأطراف. ليس غريبا نجاح الجزائر في جمع شمل أحرار إفريقيا، وتوحيد موقفهم، حول قضية جعلها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أولوية عمل الدبلوماسية الجزائرية، حيث قال لرؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية في اجتماعه معهم قبل الشروع في مهامهم «إن تقوية الاتحاد الإفريقي لحمايته من المحاولات الخبيثة التي تستهدف وحدة صفه ودوره المركزي، سوف تبقى من بين أولويات عملنا الدبلوماسي»، داعيا إياهم أكثر من أيّ وقت مضى، للتحلي بنفس روح الالتزام والتضحية، التي ميّزت الأسلاف والرد بحزم للحفاظ على المصالح العليا للجزائر، وصد المناورات العدائية التي تستهدف أمننا الوطني. ولأنّ مقتضيات الانتماء الإفريقي، يفرض تبني قضايا القارة على مختلف الأصعدة، بذلت الدبلوماسية الجزائرية جهودا مضاعفة لتأكيد حضورها الفعال بأداء دبلوماسي متميز، من أجل تحقيق مكاسب تعكس القدرات التي تمتلكها الجزائر وتخدم مصالحها وقضاياها، وتأكيد دورها الإيجابي على المستوى القاري. وتواجه الجزائر عدة تحديات أكثر خطورة، على ضوء الصراع المحتدم بين القوى الكبرى لرسم عالم جديد ما بعد جائحة كورونا، واستمرار الأزمات المتعددة الأبعاد التي تشهدها المنطقة، وكذا بؤر التوتر في العديد من دول الجوار، لاسيما في الصحراء الغربية، والأزمة الليبية التي لا تزال تشهد تجاذبات بفعل التدخلات الأجنبية المتعددة، وكذلك الوضع في منطقة الساحل الذي يستمر تحت تأثير عوامل عديدة، مرتبطة بصراعات متعددة الأوجه، وانتشار التهديد الإرهابي والجريمة المنظمة بجميع أنواعها مثلما ذكر رئيس الجمهورية. هذه التحديات جعلت الجزائر، تعمل جاهدة لاستعادة دورها الريادي، وتأكيد تواجدها على مستوى القارة الإفريقية، عن طريق إرساء دعائم سياسية جديدة، من أبرز ثوابتها نصرة حق الشعوب في تقرير المصير، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، وتعزيز ترقية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، إلى جانب ضرورة إقامة علاقات دولية متوازنة وعادلة وعدم الانحياز. مقراني: لا يجوز التغريد خارج السرب ولأنّ العالم يشهد وتيرة متغيرات سريعة جدا خاصة على ضوء عديد الأزمات التي تشهدها مناطق متصارع عليها من طرف القوى الدولية الكبرى ضمن مشروع بسط السيطرة على الأقاليم والمضايق التي تشكل الرقعة المستهدفة في سبيل تطبيق أطماعها المتكالبة، يرى محمد مقراني الباحث في الشؤون السياسة والقانونية ل «الشعب» أنه «لا يجوز الخروج على النص أو التغريد خارج السرب» في قضايا قال إنها «تشكل مساعي المحفل في بعث مشروعه المتمثل في نجاح تيار العولمة أو ما يعرف باسم مشروع دولة العولمة التلمودية ضد كل الدول التي ترافع لأوطانها وحماية شعوبها من هذا المشروع تحت غطاء الدفاع عن مشروع الحفاظ على المقومات الدينية والوطنية السيادة الوطنية« . وثمّن الأستاذ مقراني، الدور الكبير الذي تقوم به الجزائر عبر فروعها الدبلوماسية والذي أعادها مثلما ذكر إلى «مكانتها الطبيعية المعروفة بين الأمم بتاريخها، ونجاعتها وثباتها على مبادئها، في حل العديد من الأزمات والتوترات على الصعيدين الإقليمي والدولي، وجعل منها بلدا مصدرا لقيم السلم والاستقرار، كونها صاحبة مواقف ثابتة ومسارها مشرف يعترف لها بذلك العدو قبل الصديق». من جهة أخرى، فعلت أيضا ما تزخر به من القوى الناعمة وأضحت توظفها أيضا وما تشكله من ميزان دبلوماسي بطابع روحي مؤثر في الوسط الإفريقي وخارجه هذا كله لم يستصغه أعداء الوطن كونها لم ترضخ لضغوطات ولا لإملاءات، بل تفرض وجودها تاركة مسافة مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء للحفاظ على مصالحها خاصة وأنّ العالم حاليا يشهد تغير الخرائط في مشهد ما بعد كورونا، هذا العالم الذي سيحيد عن أحادية الأقطاب والثنائية ويتجه إلى التعددية وما على الجزائر أن تفرض مكانتها بما تستحقه دون مجاملة. مواقف الجزائر هذه، جعلت منها -يضيف الباحث مقراني- في خانة المستهدفة كدولة وطنية وتحطيم جيشها صاحب العقيدة ضمن مخططات وأولويات المحفل نظير مواقفها المساندة لحركات التحرر في مقدمتها القضية الفلسطينية والصحراوية، بالإضافة لدعمها الكامل واللامشروط للإخوة الليبيين والماليين كونها تعد الركيزة الأساسية في الاتحاد الإفريقي لحل الأزمات التي تشهدها المنطقة خاصة بعد «خيانة المخزن» الذي صارت الخيانة والعمالة لديه إرث خدمة للكيان الصهيوني، ولا يمكن وصف ما حدث بتعليق عضوية قرار تعيين الكيان الصهيوني كمراقب منذ أيام سوى نجاح جديد لدبلوماسية الجزائرية ونكسة ضد المخزن الخائن. أهداف أخرى .. وأضاف الباحث مقراني أنّ الجزائر تريد حاليا إعادة بعث روح الوحدة العربية باحتضانها فعاليات الجامعة العربية عبر التركيز على أهم معضلة تنخر الدول العربية متمثلة في سرطان التطبيع وأشرس معركة لنا كجزائريين مع الكيان وأيضا معركتنا مع المطبعيين، خصوصا أنّ الجزائر تكاد تكون بين فكي كماشة، بعد تطبيع المخزن واشتراط التطبيع لتمرير السلطة في ليبيا. وقال «إن كانت البداية الساخنة لسنة 2022 انطلقت من كزاخستان الغنية بثروات النفط والغاز بالإضافة لأوكرانيا، فإنّ إعادة إنتاج المبادرة العربية في القمة القادمة التي ستحيي «حكاية» التطبيع قبل السلام يجعل الدبلوماسية الجزائرية أمام أكبر تحد لها بل يقع في أولى الأولويات التي ستخوضها في شاكلة معركة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية ولو نجحت الجزائر في ذلك سيكون هناك تداعيات ضخمة وربما جنونية، لأنّ إعادة سوريا سيكون بمثابة حسم صراع وإفشال مشروع تمزيق سوريا والسعودية ومصر والجزائر وإطلاق يد الكيان الصهيوني في كل المنطقة في مشروع غايته غلق البحر المتوسط أمام روسيا والصين ويديم قطبية أمريكا في المنطقة بدول الوكالة».