يهدف هذا المقال التعرف إلى دور الانتهاكات الإسرائيلية في تعزيز سياسة تهويد القدس ومدى خطورة ذلك عليها، والتعرف إلى أبرز الوسائل التي تساهم في إظهار تلك الانتهاكات وحماية القدس وكيفية فضح الممارسات العنصرية بحق القدس والمقدسات والمقدسيين الفلسطينيين. تمر مدينة القدس في الوقت الحالي بمرحلة خطيرة وحاسمة في تاريخها كمدينة عربية فلسطينية، حيث يقوم الاحتلال الصهيوني بتنفيذ خطة تهويد شاملة للمدينة، ويتبع الاحتلال عدة سياسات ممنهجة فيما يتعلق بتهويد المدينة من خلال الانتهاكات بحق المدينة، ومن بين هذه السياسات ممارسة التمييز العنصري المنظم ضد المقدسيين، وتوجيه استثماراتهم الضخمة لإنشاء أحياء سكنية يهودية، والاستمرار في تضامن المؤسسات الاسرائيلية في سبيل تحقيق هدف التهويد. هذا المقال سيُحاول تسليط الضوء على جملة من النقاط الهامة التي تخص المدينة المقدسية، وإحياء الوعي الجمعي أمام الانتهاكات التي تحدث بحق القدس والمقدسات، آملين أن يكون إضافة نوعية يحظى بالإهتمام اللازم من قبل المعنيين، وأن يُساهم في إماطة اللثام عن وجه الاحتلال القبيح. المشكلة بعد احتلال القدس عام 1967، شكّل هذا التاريخ انعطافة في الواقع الجغرافي والديمغرافي للقدس، وكان بداية مرحلة جديدة من الصراع بين مخططات التهويد الصهيونية الهادفة الى ابتلاع الجزء الشرقي وتهويده وطمس هويته الحضارية العربية، عبر دفع التوسع السكاني والاستيطاني اليهودي من الشطر الغربي للمدينة نحو الشطر الشرقي العربي واختراقه وتطويقه، وشهدت مدينة القدس العديد من الانتهاكات الاسرائيلية بحقها التي ساهمت في تهويد القدس، الأمر الذي يُثير التساؤل الرئيس الآتي: ما دور الانتهاكات الإسرائيلية في تعزيز سياسة تهويد القدس وخطورة ذلك عليها؟ وكيف لنا حماية القدس؟ فصول متعاقبة من التّهويد الممنهج تعرّضت مدينة القدس في العام 1948 إلى نكبة حقيقية كسائر المدن والقرى الفلسطينية، حيث تمّ تدمير القدس الغربية بالكامل وتهجير سكانها الأصليّين، وقامت إسرائيل في حرب عام 1967 باحتلال الجزء المتبقي من القدس الشرقية، وضمه إلى دولة الاحتلال في تصويت غير قانوني وغير شرعي قام به الكنيست الاسرائيلي عام 1980 يقضي باعتبار القدس الموحدة عاصمة اسرائيل. ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الانتهاكات الاسرائيلية بحق المدينة المقدسة ومواطنيها، وتلجأ إسرائيل الى سياسة تهجير للمقدسيين وعقاب ممنهجة من خلال فرض الضرائب المعروفة « بالارنونا»، وسحب التأمين الصحي من العائلات والافراد، وسياسة هدم المنازل، وفرض الغرامات المالية العالية من يقوم بالبناء وغيرها من سياسات الاعتقال والقتل والابعاد. سياسة الكيان الصّهيوني تجاه القدس الخط الاستراتيجي الأساسي بالنسبة للقدس من قبل كيان العدو، وهي إبقاء القدس كاملة عاصمة اسرائيل الخالدة هي مدينة واحدة تحت سيادة اسرائيل وغير قابلة للتقسيم، وقد بدأت إسرائيل مواصلة سياستها لاستكمال تهويد المدينة وطمس هويتها العربية الاسلامية من خلال الدمج بين شرق المدينة وغربها، وإنجاز تطويق القدس بالحزام الاستيطاني وقطع التواصل الجغرافي بين المدن العربية. سياسة الاستيطان وعلاقتها بتهويد القدس بدأت عملية تهويد القدس على يد العصابات الصهيونية من خلال عمليات التهجير الكبرى لأفواج وجماعات يهودية من بلدان مختلفة إلى القدس من أجل تغيير وضع المدنية وتهويدها وتغيير تاريخها، والوجود اليهودي في القدس وجود استعماري استيطاني مرتبط بحركة الاستيطان الصهيوني، وبموجبات التهجير الاجباري لليهود إلى فلسطين على وجه العموم وإلى القدس من أجل طمس معالمها العربية والاسلامية والمسيحية وتحويلها الى مدينة يهودية، ولعملية الاستيطان اليهودية في القدس وضواحيها آثار كبيرة على السكان الفلسطينيين يمكن إجمال هذه الآثار بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي التابعة للقرى التي أقيمت عليها المستوطنات، وتطويق التجمعات السكنية الفلسطينية والحد من توسعها، وتهديد بعض التجمعات السكانية الفلسطينية بالإزالة، وإبقاء فلسطينيالقدس وضواحيها العزل في حالة خوف ورعب دائمين، من خلال الاعتداءات المتكررة عليهم من قبل المستوطنين المدججين بالسلاح، وعزل مدينة القدس وضواحيها عن محيطها الفلسطيني في الشمال والجنوب، وفصل شمال الضفة عن جنوبها، والتحكم في حركة الفلسطينيين بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، وقطع التواصل الجغرافي بين أنحاء الضفة الغربية وتقسيمها إلى بقع متناثرة والحيلولة بالتالي دون إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وتشويه النمط العمراني الرائع للقدس العتيقة والقرى الفلسطينية المحيطة، وهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، فمنذ قيام اسرائيل وقضية تهويد القدس تعتبر القضية الاولى لكل الحكومات الإسرائيلية التي بذلت أقصى جهودها في عملية إنشاء مستوطنات داخل القدس وحولها. السّبل والآليات في مواجهة تهويد القدس هناك العديد من الوسائل مثل إحياء وعي العالم الاسلامي ببيت المقدس، والهدف من هذا الإحياء تجديد وعي المسلمين بقدسية بيت القدس وتحقيق كونها ثالث الأماكن المقدسة في الاسلام من خلال تشجيع العرب على زيارة القدس والصلاة فيها. والتركيز على الجهد السياسي فيجب تعزيز الجبهة العربية القوية الموحدة لحماية القدس، وطرح قضية القدس في كل المحافل الدولية والعربية والاقليمية، وكذلك الجهود القانونية كون الوضع الخاص للقدس بأنها منفصلة عن الكيان الصهيوني حسب القرارات الدولية يجب استغلال ذلك لحماية القدس من التهويد، من خلال إدارة خطة عمل عربية محلية واسلامية من التركيز على الوضع القانوني الدولي للقدس، والاحتكام إلى قواعد القانون للحصول على التأييد الدولي لمنع اجراءات التهويد في القدس، وصياغة وثيقة الدفاع القانوني عن القدس ومخاطبة المنظمات الدولية والرأي العام العالمي لتحريك قضية القدس على المستوى الدولي. أما الجهود الاعلامية لإنقاذ القدس، يلعب الإعلام دوراً هاماً في حماية القدس من التهويد من خلال الحملات الاعلامية الاسلامية والمسيحية لتشكيل رأي عالمي ضاغط لحماية القدس، وكذلك الجهود الشعبية هامة لانقاذ القدس من خلال تقوية الوجود الفلسطيني في القدس، وتنشيط المؤسسات الفلسطينية في القدس وتأسيس عدد من الجمعيات الخيرية لدعم المقدسيين، ودعم المؤتمرات الخاصة بالقدس، وحث الاتحادات المهنية والنقابات العربية على وضع القدس ضمن برامجها وأنشطتها السنوية، تنشيط لجان القدس الشعبية، وتنظيم حملة شعبية سنوية للدفاع عن القدس، الحث على الدعم العملي والعلمي لمدينة القدس والتخفيف من المعاناة وهموم سكانها العرب. خلاصة وتوصيات دخلت قضية القدس مرحلة خطيرة بعد ضم إسرائيل لشطر المدينة الشرقي تنفيذا لمخططها الرامي لتوحيد شطري المدينة لتكون كما يدعون عاصمة دولة إسرائيل الموحدة والأبدية من جهة أولى، وأن إسرائيل على مدى خمسة وخمسين عاماً من احتلالها إذ أنها لم تترك وسيلة إلا واتبعتها ولا مخطّطا وإلاّ نفذته في سبيل تهويد مدينة القدس، وأكبر مثال شاهد على ذلك غابة المستوطنات التي طوقت المدينة وحاصرتها وابتلعت أراضيها. لذا من المهم وضع جملة من التوصيات أهمها: 1 - تحديد يوم سنوي في تذكير المسلمين بالقدس من خلال الندوات والاحتفالات الدينية على المستويات الشعبية والرسمية، ونشر الثقافة الخاصة ببيت المقدس في مدارس والجامعات، وعمل الدعاية المركزة عن آثار القدس والمقدسات، وإحياء العادات والتقاليد المرتبطة بالقدس، وإحياء الأسماء العربية للأماكن المقدّسة، ودعوة الجمعيات والمؤسسات بدعم صمود المقدسين واستغلال التقدم التكنولوجي ومواقع التواصل الاجتماعي في دعم ورفع صوت القدس. 2 - تعزيز التضامن العربي مع الشعب الفلسطيني والمقدسيين، وضرورة تعزيز القدرات العربية في المستقبل لمواجهة التهويد وسياسات الاستيطان، من خلال البدء في تنفيذ اتفاقيات تعاون واندماج اقتصادي لرفع الاقتصاد المقدسي، وتكوين جبهة اسلامية ومسيحية لإنقاذ القدس من التهويد. 3 - العمل على تمكين المدنيين المقدسيين من وسائل الدفاع عن أنفسهم، عبر توثيق كافة الانتهاكات التي يتعرضون لها، وتمكينهم من الملاحقة القانونية لمجرمي الحرب عبر المحاكم المحلية والدولية. 4 - الجهود العلمية مثل التركيز على الدراسات التي تحمي القدس مثل الدراسات التأصيلية للأماكن المقدسة كحماية الآثار الاسلامية والعربية والمسيحية في القدس، وإنجاز الوسائل لوقف الحفريات وعقد المؤتمرات العلمية المتواصلة لحماية القدس، وإعداد فريق من الباحثين في الدراسات التاريخية والدينية والآثرية الخاصة ببيت المقدس، وتشجيع البحوث والاعمال الفنية التي تجسد الحياة العربية والاسلامية في القدس خاصة في المستوى الشعبي. 5 - تكثيف حملات الضغط والمناصرة الدولية بهدف خلق رأي عام ودولي شعبي ورسمي قادر على لجم الممارسات العنصرية والعدوانية تجاه السكان المدنيين المقدسيين. 6 - الضّغط بكل الوسائل على منظمات الأممالمتحدة لأخذ دورها في إنهاء الاحتلال الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967. 7 - على المستوى الفلسطيني دعم صمود المقدسيين والتنبه واليقظة الى مشاريع التهويد المستمرة. 8 - الاستمرار في تعبئة الامة العربية معنوياً ومادياً والسعي لتوحيد جهودها لتحرير القدس.