.. ويبقى همنا الأكبر تعويض الريع النفطي بالقيمة المضافة للعمل المنتج ماديا وتكنولوجيا باللجوء إلى خيارات أخرى كالزراعة والصناعات التحويلية والطاقة خارج المحروقات.. هي عبارة قوية وجهها رئيس الدولة بمناسبة إحياء الذكرى ال54 لاندلاع ثورة نوفمبر التحريرية، وتحمل دلالات تتطلب التوقف عندها ضمن العمل على إنجاز معادلة الربط بين الماضي التحرري والحاضر التنموي بما يضع مكاسب الاستقلال والحرية في منأى عن أي خطر محدق، مثلما تعكسه تطورات النظام العالمي الذي يستهدف سيادة البلدان النامية من خلال الهجمة الشرسة على اقتصادياتها. لا يمكن الاحتفال بمثل هذا العيد الرمز دون النظر إلى الواقع الذي يمكن وصفه بالصعب جدا، ويقتضي انخراط كل القوى الوطنية مهما كان حجمها في بوتقة التنمية من خلال اقتحام قطاعات اقتصادية مهما كان تواضعها، حيث بالإمكان إنتاج قيمة مضافة وتحقيق ثروة ذاتية أو جماعية. ولا يوجد قطاع أفضل للتعبير عن التمسك بالسيادة مثل القطاع الفلاحي الذي يراهن عليه في التوجه إلى مستقبل أكثر أمنا للأجيال الذين لا يمكن تحصينهم إلا بإنجاز برنامج الأمن الغذائي في مواجهة عولمة لا تعطي الوقت لالتقاط الأنفاس، بل تضغط على الضعفاء أكثر فأكثر لاستباحة خيراتهم ومواردهم الطبيعية، خاصة وأن أزمة الطاقة تلقي بظلالها على العلاقات الدولية الراهنة وتنذر بمخاطر لا مناص من تفادي أثارها سوى بالاعتماد على الذات والبحث عن أفضل الآليات لتفجير الطاقات الكامنة. وهنا بالذات، يكمن الدور البارز للشباب بالانتقال إلى التعبير عن تلك القدرات والإمكانيات في الميادين الاقتصادية وأساسا ما يصل بالفلاحة بالإقبال عليها وخوض مغامرات عبر ربوع بلادنا الشاسعة وقبول تحدي البيروقراطية وتجاوز العراقيل والمعوقات هنا وهناك، التي ينصبها أعداء الوثبة الوطنية من الذين ينشرون ثقافة الفشل المسبق والتشكيك في الخيارات ويستثمرون في النقائص والعثرات لتكريس روح فقدان الأمل وتثبيط العزائم. إن في مآثر جيل نوفمبر أكثر من برهان على قدرة الأجيال في تخطي الصعاب نحو شق الطريق إلى بناء المستقبل في ظل سهر الدولة بكل مؤسساتها على تأطير الساحة بمنع انتشار الفساد وقطع دابره، وضمان شفافية المعاملات على كافة المستويات، وكذا تكافؤ الفرص بين الجزائريين مع العمل على نشر ثقافة العمل والاكتفاء بالحقوق في حدودها الأساسية. وبالطبع يرتبط هذا الخطاب المفتوح على المنافسة الشريفة بالإسراع في وضع الأدوات اللازمة لانجاز الأهداف المسطرة بدءا بإعادة تنظيم الطابع القانوني للأراضي الزراعية العمومية، التي تتآكل مساحاتها الشاسعة كل يوم بفعل الضياع مستهدفة من مافيا العقار وترتيبها من جديد في شكل مؤسسات زراعية منتجة، وكذا الأمر للوحدات الاقتصادية العمومية الصغيرة والمتوسطة المعطلة التي أصبح عقارها الثمين في عين إعصار الفساد والانتهازية الساقطة. ------------------------------------------------------------------------