تفعيل لجنة مراجعة شبكة الدعم مصادر إضافية لمواجهة عجز النفقات تواصل الدولة الجزائرية التزامها تجاه الطبقة الشغيلة، لاسيما بالوظيف العمومي، من أجل تحسين الوضعية الاجتماعية والمعيشية للمواطن، تزامنا مع الارتفاع المستمر في الأسعار العالمية للسلع الاستهلاكية، الذي أثر بشكل سلبي على القدرة الشرائية، ما جعل الدولة تتحرك في كل مرة لإقرار زيادات بمعدل أربع مرات في ظرف سنتين منذ منتصف سنة 2020. ينتظر الكثير من الجزائريين مطلع السنة المقبلة بكثير من الترقب دخول قرارات رئيس الجمهورية المتعلقة بالزيادة الخامسة في الأجور ومنح التقاعد وحتى الزيادة في قيمة منحة البطالة حيزّ التنفيذ والمرتبطة بالنتائج النهائية للمداخيل الوطنية المنتظر تحقيقها، لتحسين الظروف المعيشية وتلبية احتياجاتهم اليومية، حيث يتوقع أن تكون لها الأثر المالي المباشر والمحسوس هذه المرة، خاصة بالنسبة للفئات الهشة من ذوي الدخل الضعيف. رفع قيمة النقطة الاستدلالية لتحقيق الأثر المالي يرى عبد الصمد سعودي أستاذ مالية وتحليل اقتصادي، أن هذه الزيادات المقررة في مجلس الوزراء الأخير تمثل تتمة لسابقاتها وتترجم التزام الدولة تجاه المواطن. فبالعودة إلى كرونولوجيا الأجور في الجزائر، لم تكن هناك زيادات منذ سنة 2008 إلى غاية 2020، لذا فهذه الزيادات كان لابد منها وضرورة فرضها ارتفاع أسعار مختلف السلع، لاسيما الغذائية منها في السوق العالمية، وآثار جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي أيضا التي ما تزال لحد الساعة. وبحسب المتحدث، فهي تترجم أحد التزامات رئيس الجمهورية في حملته الانتخابية التي تجسّدت بالفعل في جوان 2020 برفع الأجر الأدنى المضمون للجزائريين إلى 20 ألف دينار، ثم إعفاء أصحاب الأجور الأقل من 30 ألف دج من الضريبة على الدخل الإجمالي، لأن معدل الضريبة يؤثر على القطاعات الثلاثة بالجزائر: الوظيف العمومي، القطاع الاقتصادي العام والقطاع الخاص، فتخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي المنظمة بقانون المالية لسنة 2022، وأخيرا مراجعة الرقم الاستدلالي والذي شمل أكثر من 2.2 مليون موظف. علما أن هذه الأجور كلفت 3 آلاف مليار دينار عبر قانون المالية 2022. وأشار أستاذ المالية والتحليل الاقتصادي، أنه حاليا هناك توجه للزيادة في قيمة النقطة الاستدلالية، حيث أنها لم تتغير منذ سنة 2007، وهي محددة عند معدل 45 دينارا، ما يحمل الكثير من الإيجابيات لما لها من تأثير جيد على الأجور والرفع من قيمة النقطة الاستدلالية. لكن المشكلة المطروحة تتعلق بزيادة الفوارق بين التصنيفات العليا وأصحاب الشهادات التي سيكون لها أثر مضاعف في قيمة الزيادات مقارنة بأصحاب التصنيفات الدنيا، كما أنها لن تمس باقي القطاعات، على غرار القطاع الخاص، لهذا يجب أن يكون تنويع أكثر في الزيادات في الأجور. في المقابل، أوضح سعودي أن هذه الزيادات ستؤثر على إيرادات الدولة التي ارتفعت مؤخرا، بفضل ارتفاع الصادرات البترولية وأيضا خارج المحروقات حيث يتوقع الوصول هذه السنة إلى 7 ملايير دولار، بعدما تم تحقيق 3.5 مليار دولار في جوان 2022، ما سيحفز عملية البحث عن إيرادات أخرى. وحتى بالنسبة للإيرادات العادية المتعلقة بمجموعة من الحواصل الضريبية الموجودة بالجزائر التي يجب العمل على تحصيلها من خلال تفعيل وتوسيع العمل بالرقمنة، كونها تشهد الكثير من الإشكاليات المرتبطة بالتهرب الضريبي والغش، خاصة بالجباية المحلية وغيرها... في حين أن أكثر دافعي الضرائب هم الموظفون، مقارنة بالمؤسسات الاقتصادية والتجار وأصحاب المهن الحرة من محامين، موثقين، أطباء وتجار الذين لا يخضعون إلى نظام ضريبي حقيقي، مايزالون يدفعون ضريبة جزافية، لهذا تم التركيز على زيادة النقطة الاستدلالية، لأن الموظف هو المسدّد الأكبر للضرائب وبصفة مباشرة. زيادة الاستهلاك... تحرك الإنتاجية وفيما يخص الأثر الاقتصادي للزيادات المقررة، أشار المتحدث أنها ستزيد في العملية الاستهلاكية وبالتالي زيادة الطلب وتحريك الاقتصاد الوطني والعجلة الإنتاجية، مشيرا إلى أنه يجب معرفة ما إذا كانت الجزائر تتوفر على قدرات إنتاجية تتوافق مع الزيادة في الأجور، خاصة أن هناك الكثير من القطاعات متوقفة بسبب قلة الطلب عليها على غرار قطاع البناء. فالجهاز الإنتاجي يجب أن يكون مرنا لكي يلبي الطلب المتزايد حتى يتم تجنّب الارتفاع في معدلات التضخم وارتفاع الأسعار. وبخصوص تأثير هذه الزيادات لكتلة الأجور على الخزينة العمومية، خاصة وأنها تمس كثر من 22 مليون موظف، أوضح أن هناك ارتفاعا فيها من 5 آلاف مليار دينار إلى حوالي 7 آلاف مليار دينار، أما بالنسبة للإيرادات لاسيما العادية منها باعتبارها المخصصة لهذه النفقات لم تعرف نفس معدل الزيادات الذي يسمح لها بالتوسع، فالأجور تشكّل 80٪ في نفقات التسيير. وتوقّع سعودي أن الحكومة لن تسير في الطابع السابق، أي الاعتماد الكلي على صندوق ضبط الموارد المكلف بتسديد العجز الموجود في حال كانت النفقات أكثر من الإيرادات، بل ستحاول إيجاد موارد مالية إضافية بالتنويع في الاقتصاد والموارد الجبائية، لمواجهة أي زيادة في نفقات التسيير، خاصة وأن هذا الصندوق كان يعاني عجزا كبيرا، إلى غاية سنة 2021 حيث بدأت أسعار المحروقات بالارتفاع، أكثر من السعر المرجعي ما حقق عوائد بترولية وفائضا. في سياق آخر، أشار المتحدث أن معدلات الأجور في الجزائر تعد الأقل عالميا، لكن في المقابل تعد الأقل في أسعار السلع، لاسيما الاستهلاكية منها، على غرار مشتقات البترول، القمح، السكر، الزيت وذلك بفضل سياسة الدعم، متوقعا أن رئيس الجمهورية سيفعّل لجنة لمراجعة شبكة الدعم. وبحسب أستاذ المالية والتحليل الاقتصادي، فإن زيادة ألفي مليار في الأجور يقابله 2000 مليار دينار جزائري كدعم، ولا يذهب لأصحابه، لهذا فإن الزيادات في الأجور المقبلة الغرض منها تقليص الدعم، من خلال إعادة توجيهه للفئات المعنية به عبر الدعم النقدي وسيمس ذلك حتى القطاع الخاص، مقابل بيع السلع الاستهلاكية بأسعارها الحقيقية وهذه هي الاستراتيجية المتوقعة مستقبلا بالنسبة للجزائر. وأوضح أن الدعم الحالي يستفيد منه كل الفئات، بمن فيهم المضاربون أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، الوسطاء، وجزء بسيط منه فقط يذهب للمواطن، ما يعني أنه ستكون زيادات في الأجور بصفة تدريجية. لكن في المقابل سيكون هناك انسحاب تدريجي للدولة من بعض السلع الاستهلاكية، مقابل منح مساعدات عينية للموظفين وهذا بعد انتهاء الإحصاء السادس الذي تم الانطلاق فيه والذي ينتظر أن يحدد بدقة الفئات المعنية بالدعم والمبلغ الواجب منحه للمواطنين. وبحسب سعودي، فإن توجيه الدعم وتحويله ليس بالعملية السهلة، بل يحتاج على الأقل سنتين للتحكم فيها. وبالنسبة للوضع العالمي والأسعار، فالأمر مرتبط بامتلاك جهاز إنتاجي قوي، وحاليا لا يجب مقابلته بتقييد استيراد الكثير من السلع بهدف تقليص فاتورة الاستيراد وغير موجودة في الاقتصاد الوطني ومنها ما هو مواد أولية، وإلا ستكون الجزائر بصدد مشاكل أخرى. ولعل أزمة المواد المدرسية الأخيرة أحسن مثالا، والحل يبقى بتعزيز الإنتاج المحلي لتغطية الطلب الوطني. وتحدث عن زيادة في الأجور، مع محاولة دعم قيمة الدينار الجزائري غير المحدد بالنظام الحر أو العرض والطلب، بل يحدد إداريا من خلال بنك الجزائر، منوّها إلى أن ما يساهم في تقوية العملة الوطنية، الاحتياطات من العملة الصعبة والتي لن تكون إلا بزيادة في الصادرات خارج قطاع المحروقات. وبالنسبة لزيادات منح المتقاعدين المفروض أن يكون هناك معدل سنوي، أي زيادة سنوية، وارتباطها بمعدلات التضخم حتى يستطيع المتقاعد مواجهة أي ارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية وتحديدا الغذائية أو الخدماتية المهمة كالنقل مثلا. ضبط شروط الاستفادة من منحة البطالة في المقابل، ثمن سعودي قرار الزيادة في منحة البطالة، مقترحا تقييد منحها بشروط، خاصة وأن رقم المستفيدين منها كبير جدا، حيث هناك توقع للوصول إلى 2 مليوني شخص مستفيد منها وهذا أمر غير معقول، مؤكدا أن هذا العدد يحمل الكثير من المتحايلين، ووصل الأمر بالبعض ممن التحقوا بالقطاع الخاص، إلى حد طلب بعدم تأمينهم من أجل الاستفادة منها وهذا احتيال كبير. وأشار إلى أن الاستفادة منها يجب أن تكون 6 أشهر قابلة للتجديد مرة واحد، متوقعا أنه سيتم إعادة النظر في شروط منحها، لأنها أصبحت تؤثر على الاقتصاد الوطني وحتى على العمل بالقطاع الخاص، موضحا أن الرقمنة تساعد في وقف هذا التحايل وتعزيز عمل مؤسسات التفتيش، ناهيك عن تسقيفها حتى لا تؤثر على القطاع الخاص. من جهة أخرى، انعكاسات هذه الزيادات على الصعيد الاجتماعي لا تقل أهمية عن الصعيد الاقتصادي، فهما مرتبطان ببعضها البعض لما لهما من صلة وثيقة ومباشرة بالحياة المعيشية للمواطن وتلبية احتياجاته اليومية. التزام تجاه المواطن البسيط في هذا السياق، يرى الدكتور حسين زبيري المختص في علم الاجتماعي، أن الزيادات المقررة مطلع جانفي المقبل، تعد تتمة لسابقاتها والتزاما حقيقيا من الدولة تجاه المواطن، لاسيما من الفئات الهشة ومرافقتها بالتزامن مع تدني القدرة الشرائية لأفرادها وضعف المستوى المعيشي لمواطني الجزائر العميقة. واعتبر البروفيسور زبيري، أن هذه الزيادات مهمة وتحمل الكثير من الإيجابيات، فهي تعبر عن إرادة حقيقية في تبني اقتصاد حقيقي منتج لا ريعي، بدليل ارتفاع الصادرات خارج المحروقات، لأول مرة، في الجزائر الجديدة بمساهمة القطاع الخاص، ما يعني ارتفاعا في عدد العمال وتراجعا في نسبة البطالة، ووجود استقرار اجتماعي وبالتالي سياسي. وأشار المتحدث، الى أن السياسات الاقتصادية الحالية تحاول الاعتماد على تجديد الاقتصاد والتنويع فيه بمساهمة كل القطاعات المنتجة، على غرار قطاع الفلاحة والقطاع الخاص لتحريك العجلة الإنتاجية والاقتصادية، وبالتالي فهذه الزيادات هي استمرارية وتتابعية لهذه الإستراتيجية. وأعرب المختص في علم الاجتماع، عن أمله في أن يكون للزيادات المقبلة الأثر المباشر على حياة المواطن بقيمة مالية معتبرة، على اعتبار أن الجزائر الجديدة تعتمد على بناء اقتصاد حقيقي وتقويته بالتنويع فيه والبحث عن مصادر تمويل جديدة لا تؤثر على الفئات الهشة، بل على العكس تحسين ظروف الطبقة الشغيلة حتى تصل لمستوى الحياة الطبيعية في تلبية احتياجاتها، خاصة بالجزائر العميقة بداية بتوجيه الدعم لمستحقيه رغم صعوبة ذلك ميدانيا. خلال زيادة الحركية الإنتاجية والاجتماعية من جهته يرى د.عبد الحميد خمقاني، المختص في علم الاجتماع، أن تأثير هذه الزيادات على الفئات الهشة، سيكون مباشرا بتحسين ظروفها المعيشية ما سينعكس على علاقة المواطن بالدولة وبمؤسسته وحتى بالمجتمع، من خلال زيادة الحركية الإنتاجية والاجتماعية بتقليص الفوارق المعيشية، وتعزيز العمل التطوعي التضامني بين أفراد المجتمع الواحد. وبخصوص منحة البطالة، أكد خمقاني أنها تمثل الخطوة الأولى لاستعادة فئة الشباب ومساهمتهم في تسيير الدولة من خلال توفير مرافقة مؤقته لهم في إطار ما أسماه ب «التشاركية الشبابية الديمقراطية» وعدم السماح لهم بالانزلاق في الآفات والانحرافات الاجتماعية بسبب سوء الظروف المعيشية وانغلاق الأفق، في انتظار دمجهم في مناصب شغل. وعبّر المختص في علم الاجتماع، عن تشجيعه لخطة الدولة في احتواء البطالين، في مقابل مطالبته بضوابط أكبر في منح هذه المنحة لتفادي زرع الاتكالية في نفس الشباب البطال، لأن الغرض من التشاركية الشبابية الديمقراطية ممثلة في المجلس الأعلى للشباب، إشراك الفئة في الحياة تمهيدا لاندماجه في عالم الشغل والعملية الإنتاجية.