رسالة الشّعر مقدّسة..والتاريخ لا يُخلّدُ الرّداءة اختار الشّاعر المتألّق محمد سليم ميداوي أن يكون صاحب قلم هادف يسعى لكتابة تاريخه بخطى ثابتة، وأن يرسل وفاءه للكلمة والحرف للعالم عبر رسالة شفّافة ببصمة منفردة في مجال الأدب، وذلك من خلال أعمال بسيطة وراقية ذات محتوى بنَّاء مكسو بالاحترام والتواضع، لا أن يكون مجرد تكملة عدد بين عرمرم من الشّعراء، لاسيما الكتاب وفقط، فهو برغم قلة الإمكانيات والدعم والمرافقة، يطمح لمواصلة حمل راية الشعر الأصيل المقدسة، لأنه يؤمن بأنّ القدرات الفردية الإبداعية في أي مجال، من شأنها أن تكون هي الجيش الوحيد في معركة التحدي، والتي إما أن ينتصر فيها أو لا ينتصر، ويتمنى من خلال حوارنا معه والذي سنكتشف معا حرارة حماسه وحبه ودفاعه عن الشِعر، أن يكون بحق التلميذ الوفي لخير سلف وسيبقي اسمه منقوشا في ذاكرته ألا وهو الأستاذ بشير زلاسي. الشعب: نبذة تعريفية عن محمد سليم ميداوي؟ الشّاعر ميداوي محمد سليم: أنا ابن مدينة الأغواط صاحب ال29 خريفا، أستاذ متعاقد في مادة الرياضيات في الثانوية، بدأت تجربتي الشعرية سنة 2006 على يد أستاذي (بشير زلاسي)، وابتعدت كثيرا عن الشعر خلال فترة الجامعة، وكذا في السنوات الأولى للعمل، ثم عدت للكتابة فقط مع نهاية سنة 2019، محاولا كأيّ شاعر حقيقي إثبات قدمي في ساحة الأدب، واضعا نصب عينيّ اسم بلدي الجزائر واسم عائلتي. وما هو عنوان العمل الذي شاركت به في الطبعة العاشرة من مهرجان همسة؟ وحول ماذا كانت تتحدّث أبياته؟ قصيدتي الفائزة بالمركز الأول عربيا في مهرجان همسة الدولي للآداب والفنون عنوانها (ما لم يقله الهدهد)، وتتحدّث عن حمل رسالة الشعر الأصيل على عاتق كل شاعر حقيقي، ومحاربة الرداءة التي نراها تطغى على المشهد الثقافي العربي عامة والجزائري خاصة. لكل شاعر طفولة مستمدّة بالحب والشوق، فما هي أبعاد طفولة الشاعر محمد سليم ميداوي؟ وكيف التقى بكراسة الشعر؟ كما ذكرتُ آنفا، ترعرعتُ في ولاية الوادي في ظروف صعبة جدا، وكنت متفوّقا في دراستي والأول في مؤسستي طوال مشواري الدراسي إلى غاية السنة الثالثة متوسط، حيث تلقّنتُ مبادئ الشعر العمودي وأصوله على يد أستاذي الشاعر (بشير زلاصي)، ومن ثَمَّ انتقل الوالد إلى العيش في مدينة (سيدي مخلوف / الأغواط)، حيث حاولت تطوير أدواتي الشعرية وتجربتي الفنية شيئا فشيئا، ومازلتُ أرى نفسي لم أصل بعدُ إلى المستوى الذي يرضيني كشاعر يريد أن يكون حقيقيا. ما يميّز شاعر عن آخر هو جملة من الأبعاد، فما هي أبعاد قصائد شاعرنا صاحب اللقب الأول عربيا؟ لا يستطيع الشاعر عادة الإجابة على مثل هذا السؤال، ويترك الحكم للقارئ والناقد كي يرى البُعدَ الذي يظهر له من خلال النص، وحسب تحليله الذي - ولو حرص - ستؤثر عليه العاطفة الشخصية. فأنا كأي بشر أتحدّث عن أي شيء يثير فكري ورؤاي في نصوصي ويحرّك قريحتي، فأتحدّثُ شعرا وأؤمن أن الشعر يُقال (أو يُنشدُ) ولا يُؤلَّفُ. يقال أنّ بعض الشّعراء يكتبون قصائدهم، وأن البعض الآخر تكتبه القصيدة، فمن أي الشعراء أنت؟ وكيف تولد القصيدة لديك؟ سؤال جيد، الشعر يكتبُ صاحبه فيكون النص حقيقيا، أي أن يظهر الشاعر جليًّا ككيان عاطفي من خلال النص. عن نفسي لا أشعر أنّني أقول شعرا لما أكتب تحت الطلب أو وفق مناسبة ما أو من أجل هدف ما، فهنا الشاعر هو من يكتب النص، وأراه في هذه الحالة شعرا مزيفا ومصطنعا، فأنا أؤمن بالنص الحقيقي وأحاول أن أكون حقيقيا. ما رأي الشّاعر بالمسابقات الشعرية؟ وما مدى نزاهة لجان التحكيم؟ لا أملك خبرة كبيرة في المسابقات، لكن حسب تجربتي فالمسابقات تختلف وفق اللجان والجوائز والمناسبات، ولأنّ موضوع التحكيم في حد ذاته عميق ويستحق الكثير من الاستفاضة، فأحبذ أن أتحدث عنه سطحيا في هذه السانحة، فأقول، في الجزائر نملك كوكبة من النقاد الذين يستحقون الريادة في عالم التحكيم على مستوى المسابقات الشعرية والأدبية، ولكن للأسف أرى رداءة اللجان تعلو في مجملها على المشهد الثقافي في الجزائر، وهذا السبب الذي جعل المشهد الثقافي في بلدي يبقى رديئا في غالبه. ولا أنكر وجود بعض المسابقات الراقية والنزيهة في الجزائر، وهذا يتوقّف على مستوى كفاءة لجنة التحكيم، وكذا مستوى وقيمة الجوائز، فالشعر يرقى ويبقى بالاِحتفاء به، والاِحتفاء يكون بالتكريم المستحَقّ للفائز المستحِقّ، وما يضمن اعتلاء مُستحِقِّي الريادة هو كفاءة اللجان. بمناسبة جو المسابقات والتحكيم، ما أهي أهم العناصر التي تمّ انتقادها في عملك المتوّج بالنّجاح السّاحق؟ قصيدتي «ما لم يقله الهدهد» نالت إعجاب وإطراء لجنة التحكيم الدولية في مهرجان «همسة» بامتياز، واعتبروها من أجمل القصائد العربية لهذه السنة، ولكن رغم هذا الإطراء فأراني ما زلتُ ألاحق قصيدة لم أكتبها بعدُ، ولستُ راضيًا عن مستوايَ، وأعدُ جمهوري المتواضع بنصوصٍ أفضل وأقوى كل مرة إن شاء الله، وأعدُ بلدي بتشريفه مستقبلا في الساحتين الوطنية والدولية والنهوض به شعرا، فالجزائر تملك قوة شعرية لا ينكرها أحد، ومن سنحت له الفرصة بالظهور عربيا فليحمل على عاتقه همّ تشريف بلده وتمثيله أحسن تمثيل، ولا بد لوزارة الثقافة التركيز أكثر على الفئة الشابة الموهوبة، فهناك طاقات للأسف لا تتمّ العناية بها. ما هي أهم الأعمال التي ساهمت في تكوين رؤيتك الفكرية لاسيما الشعرية؟ كما صرّحتُ من قبلُ، أنا لا أملك ديوانًا مطبوعا لحد الآن، ورؤيتي الشعرية تكوّنتْ من الواقع الذي عشته وأعيشه - كأي شاب جزائري - محاولا البوح بلسان حالي، ما زلنا نسعى ونتعب من أجل إيصال هذه الرسالة الشعرية المقدّسة، حيث لم أرَ دعما من الوزارة أو أي جهة لحد الآن، حتى تكاليف السفر إلى مصر والحجز والعيش هناك طيلة أيام المهرجان تكفّلتُ بها بمفردي، كباقي المسابقات والملتقيات الوطنية. الشاعر الجزائري يعاني عدم الرعاية، وهذا عتاب محبٍّ لبلده، ولكننا نحاول إيصال الرسالة الشعرية رغم كل العقبات والتهميش وعدم الرعاية والحالة الاجتماعية. كيف يمكن حصد أعمالك؟ أعمالي لحد الآن ليستْ مطبوعة، ولكنني أنشر مقاطعَ على صفحتي في «الفيسبوك»، وأترك الباقي لعلها تحظى بالطباعة يوما ما. لو طلبنا منك همسة في أذن الشّعراء، ماذا تقول؟ كشاعر جزائري بسيطِ المعيشة، يحاولُ أن يكون «حقيقيا»، أرسل هذه الرسالة إلى معشر الشعراء الحقيقيين في الوطن: اعتنوا بنصوصكم، وبتجاربكم، اتركوا القيل والقال والخلافات الواهية، اجعلوا نصب أعينكم حمل رسالة الشعر المقدسة، لا تبقوا في بوتقة التأفّفِ من تهميش الجهات المعنية، والاهتمام بالمشاحنات فيما بينكم، وخلق الانتماءات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والبقاء في جبة التقليد لغيركم، كل منكم يجعل له أسلوبا يمثّله، واسمًا يحاول إعلاءهُ، وهدفا هو النهوض بالشعر، وتبليغ رسالته وتشريف الأهل والوطن. التاريخ لا يُخلّدُ الرداءة مهما استطال حبلها، وسيذكر الحقيقيين ولو دُفنوا أحياء وما يكتبون. هلاّ قدّمت لنا في نهاية الحوار بعضا من أبيات محبّبة لديك؟ وهو كذلك، هي مقتطف من قصيدة «ما لمْ يَقُلْهُ الهُدْهُدُ»، وأتمنى أن تروق للقارئ: يا صاحِبَيَّ أذِيعَا في الوَرَى نَبَئِي ولْتُخْبِرَاهُمْ بِفَحْوَى ضُرِّيَ الخَبِئِ فَمُذْ بُعِثْتُ نَبِيئًا لَمْ أزَلْ وَجِلًا مِنَ الرِّسَالةِ، شاءَتْنِي ولمْ أشَإ يا نخلةَ العُمْرِ هَيَّا اسَّاقَطِي رُطَبًا مِنَ الحنانِ عَلى مِحرابِيَ الهَرِئِ وأوْزِعِينِي عَراجِينًا مُجَدَّلَةً لَعَلَّنِي أبْتَرِي سَيْفًا مِنَ الصَّدَإ فما بَكَتْنِي سماءُ الوَجْدِ حَيْثُ أَرَى إلَّا لأرْفَعَ في العَلْياءِ مُبْتَدَئِي أَذْكَيْتُ حُزْنِي فيا أخْتُ اجْمَعِي حَطَبًا ولْتَسْتَزِيدِي فحُزْنِي غَيرُ مُنْطَفِئِ.