تبنّت الجزائر خلال السّنوات الأخيرة آليات جديدة لتفعيل دور المجتمع المدني في المشاركة في إدارة شؤونه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك من خلال ترقية أداء ودور الجمعيات في مختلف الميادين، ويتضح الاهتمام المتزايد بهذا الدور، حسبما أشار إليه البروفيسور بوحنية قوي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة قاصدي مرباح ورقلة في حوار ل «الشعب»، من خلال دسترة المرصد الوطني للمجتمع المدني، مؤكّدا أنّ هذه الأهمية تعود بالأساس إلى اعتراف المشرّع بدور هذه الجمعيات، باعتبارها مساهمة في الحركة التنموية، وهو ما ظهر في حزمة النصوص القانونية. الشعب: لاحظنا خلال السّنوات الأخيرة تزايدا واضحا في دور الجمعيات بالجزائر، إلى ما يعود ذلك برأيكم؟ أستاذ العلوم السياسية بوحنية قوي: يمكن القول إنّ دور المجتمع المدني في الجزائر محوري وتاريخي، سواء من خلال مختلف الحقب التي عرفتها الجزائر أو مختلف المواثيق، لكن الحضور هذه المرة أضحى أكثر قوة، نظرا لعدة اعتبارات أولها وضع رئيس الجمهورية دعم المجتمع المدني في أولويات تعهداته 54، ولاحظنا كيف أن المجتمع المدني أدى دورا مهما جدا خلال جائحة كورونا، وتجلى ذلك في أهمية العمل التطوعي باعتباره يشكل محورا أساسيا لأي عمل جمعوي، كما برز أيضا نتيجة لتزايد واجبات أصبحت الدولة بحاجة لإشراك المواطن فيها وتعزيز دوره للقيام بها. والحقيقة أنّ القطاع التطوعي هو أكثر دراية بالفجوات الموجودة في نظام الخدمات، كما أن العمل التطوعي يساهم في تكريس مشاركة المواطن في إدارة شؤونه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويدعم تكاتف الجهود الحكومية والخاصة والآلية في تحقيق الأهداف التنموية الكبرى، كما يساعد في زيادة الربط والتواصل بين المواطن والحكومة، ممّا يساهم في تقليل الفجوة بينهم. بمعنى أنّ العمل التطوعي الذي يعتبر المجتمع المدني أحد ركائزه الأساسية باعتباره يشكّل همزة الوصل بين المجتمع من جهة والدولة من جهة أخرى، أضحى له أكثر من ضرورة ولذلك هناك دعم كبير لحركات المجتمع المدني، برز من خلال دسترة المرصد الوطني للمجتمع المدني في المادة 213 والمجلس الأعلى للشباب، وتعود هذه الأهمية بالأساس إلى اعتراف المشرع بدور هذه الجمعيات باعتبارها تساهم في دور تنموي مهم، وهو ما ظهر من خلال حزمة النصوص القانونية، منها قانون 12-06. ما هي طبيعة الجمعيات التي تنشط في الجزائر؟ وما طبيعة عملها؟ الخارطة السياسية والخارطة الفسيفسائية لحركات المجتمع المدني والجمعيات في الجزائر، تختلف من حقبة إلى أخرى، حيث كان هناك إشارة لدور الجمعيات في الدساتير السابقة وظهر العمل التطوعي في قانون 12-06، وبعد التعديلات التي عرفها الدستور الجزائري وصولا إلى التعديل الأخير للدستور في نوفمبر 2020، كانت هناك إشارات واضحة سواء في ديباجة الدستور في المادة 10 أو في المادة 213 و214، أين تظهر الأولوية والأهمية الكبرى للجمعيات والشباب، حتى قانون الانتخابات كذلك شمل تعريفا للشباب ودورهم ودسترة هذا الدور ليقتحم الشباب العمل السياسي بمنطق أخلقة وتشبيب الحياة السياسية والعمل البرلماني. فيم تتمثّل آليات دعم العمل الجمعوي؟ أعتقد أنّ الحق في تأسيس الجمعيات في ظل الدساتير التي عرفتها الجزائر عُرف من خلال مجموعة من الإجراءات الإدارية التي يمكن اعتبارها غير منسجمة مع دعم ما يسمى بالديمقراطية التشاركية، فالقانون 12-06 الذي قسّم الجمعيات إلى جمعيات وطنية ومحلية بين الولايات والبلديات والجمعيات الدينية والجمعيات ذات الطابع الخاص، وضع جملة إجراءات صارمة ترتبط بتشكيلات الجمعيات التأسيسية والتصريح لدى الجهات المختصة، ثم دراسة الملف من قبل الإدارة، ثم هناك بعض الإجراءات الإدارية المرتبطة بالدعاية والإشهار، بالإضافة إلى ما يرتبط بذلك من آثار قانونية للتصريح. هذه الإجراءات، اعتبرها رئيس الجمهورية بأنه لا يمكن أن يعتد بها، وأمر بإعادة النظر في مجموعة النصوص القانونية، مثل قانون الانتخابات وقانون الأحزاب وقانون الجمعيات، ومنحت في هذه المرحلة خلال السنتين الأخيرتين الدعم الكبير لتأسيس كثير من الجمعيات والمؤسسات التي أدّت دورا في التخفيف عن معاناة المواطنين، سواء في مجال التعليم عن بعد أو التطبيب عن بعد أو الإغاثة أو تقديم الخدمات الاجتماعية، وهذا هو الدور المحوري الذي تراهن عليه الجزائر. كيف يجب العمل على تعزيز دور المجتمع المدني في الجزائر مستقبلا؟ يمكن القول إنه من خلال مختلف الندوات أو لقاءات ولاة الحكومة أو الندوة الوطنية للإنعاش الاقتصادي التي شهدتها الجزائر من تاريخ 4 إلى 6 ديسمبر 2021، بأن الجزائر تعيش سنة اقتصادية محضة، وهناك تجسيد لبرنامج الإنعاش الاقتصادي الممتد من 2020 2024و ومقاربة جديدة أيضا في مجال تحصين الجبهة الداخلية. لذا يعتبر إشراك المجتمع المدني بشكل واضح ومفعل بمثابة الآلية المبادرتية، التي تساهم في دعم دور المجتمع المدني في تعزيز عملية التنمية من حيث مجموعة من الآليات، منها مثلا توسيع الاستشارات العلمية والمهنية، واللجوء إلى التكوين المتخصص المهني، والمساهمة في نسيج العمل الجمعوي، وأيضا توظيف الرقمنة في مجال رصد عدد الجمعيات الناشطة على مستوى تراب الجزائر من أجل دعم التعاون البيني بين هذه الجمعيات، وتطوير ما يسمى الروح المقاولاتية الجمعوية، خاصة أنه هذه المقاربة الأخيرة سيكون لها دور مهم جدا في تمويل الجمعيات نفسها بنفسها، وبالتالي لا يكون دورها مجرد تقديم مجموعة من المطالب والاعتماد على الدولة، وإنما سيمكّنها من تقديم رؤية مقاولاتية، تعتمد بالأساس على الأهداف والبرامج والمشاريع التي تعمل على ضخ الأموال، ودعم الجمعيات نفسها بنفسها، ومن ثمة التمويل الذاتي.