بعد فترة التذبذب في العرض والأسعار التي عاشتها السوق الجزائرية، نتيجة ممارسات احتكارية وأفعال مضاربة غير مشروعة، عاد الاستقرار إلى الحياة التجارية بعد حملة تطبيق واسعة لمواد القانون 21-15 الصادر في 28 ديسمبر 2021، المتعلق بمكافحة المضاربة غير المشروعة، والذي ينص في مادته الثالثة على أن الدولة تتولى إعداد استراتيجية وطنية لضمان التوازن للسوق، بالعمل على استقرار الأسعار والحدّ من المضاربة غير المشروعة، قصد الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، ومنع استغلال الظروف بغرض الرفع غير المبرر في الأسعار، لاسيما منها أسعار المواد الضرورية أو المواد ذات الاستهلاك الواسع. في هذا الصدد، يوضح الدكتور موسى بودهان، أستاذ القانون بجامعة الجزائر، أن هناك آليات قانونية وأخرى مؤسساتية ساهمت إلى حد كبير في تحقيق الاستقرار الحالي في السوق الوطنية، على رأسها القانون 21-15 الصادر في 28 ديسمبر 2021، المتعلق بمكافحة المضاربة غير المشروعة، الذي كان له دور جوهري في عملية ضبط وإيقاف الممارسات غير القانونية التي اختلقت وافتعلت الندرة في عدة مواد استهلاكية الأشهر الماضية. يأتي هذا، بعدما لم تعد مواد قانون العقوبات السابق وهو الأمر 66- 156 الصادر في 8 يونيو 1966، لاسيما مواده 172 و173 و174، صارمة ومجزية، بحيث تنص على عقوبات هشة نوعا ما، ولا ترقى إلى درجة الردع العام والخاص، يؤكد الدكتور بودهان؛ ولذلك استدرك المشرّع الجزائري الاختلالات الواردة في هذا القانون، باستحداث آليات ذات جدية وفعالية أكبر، لوضع حد لتجاوزات بعض التجار اللاهثين وراء الربح السريع، وكذا المضاربين غير الشرعيين الذين يسعون إلى خلق البلبلة واللاّإستقرار. ويفصّل أستاذ القانون، أن قانون مكافحة المضاربة غير الشرعية نصّ في مواده 24 على التدرج في فرض العقوبات، والتي تبدأ بحسب المادة 12 من 3 إلى 10 سنوات سجنا مع عقوبات مالية تتراوح بين 10 آلاف دينار إلى 20 ألف دينار، وتنتقل في المادة 13 من 10 سنوات سجنا إلى 20 سنة مع غرامة مالية تتراوح بين 20 ألف دينار و100 ألف دينار، فيما ترفع المادة 14 العقوبات من 20 سنة إلى 30 سنة في حال مورست أفعال المضاربة غير المشروعة في ظروف استثنائية، مثل ما حصل في الأزمة الصحيّة، أما إذا ارتكبت أفعال المضاربة المجرمة من طرف جماعة إجرامية أو عصابة منظمة، فترتفع العقوبة إلى السجن المؤبد.من جانب آخر، يرى الخبير الاقتصادي الدولي، الدكتور فريد كورتل، أن التذبذب وعدم الاستقرار في العرض والأسعار المسجل سابقاً على مستوى السوق الوطنية، والذي مس بعض المواد الأساسية واسعة الاستهلاك، كالحليب والسكر والزيت والدقيق، يرجع لأسباب عديدة تتعلّق بالمضاربة ومحاولات الربح السريع من قبل بعض التجار على حساب جيب المواطن، متبوعة بممارسات التهريب في اتجاهات مختلفة لدول الجوار، شرقا وغربا وجنوباً، إلى جانب اللهفة المسجلة لدى المستهلك وغياب ثقافة الاستهلاك، الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية إلى التدخل ووضع حد لمحاولة المساس بالقدرة الشرائية للجزائريين، والعبث بقوتهم. وكان ذلك واضحا من خلال عقد اجتماع مجلس الأمن، واستدعاء الأطراف الفاعلة في عملية الرقابة مثل وزارة التجارة ووزارة العدل، وكذا قادة مختلف الأسلاك الأمنية المعنية بالمساهمة في عملية ردع المخالفين لقوانين الجمهورية. وقد كان قرار الرئيس آنذاك واضحا وصارماً، من خلال تفعيل قانون مكافحة المضاربة، وإعطاء الأوامر للهيئات والأجهزة المعنية لتجنيد كل الإمكانات من أجل السهر على التطبيق الفعلي والحرفي لقانون مكافحة المضاربة. وعليه، تم ضبط أكثر من 56 تاجرا بمختلف ولايات الوطن في حالة تلبس وممارسة للمضاربة، وقد طبقت عليهم عقوبات صارمة، تراوحت بين 5 و12 سنة سجنا مع غرامات مالية. هذه العقوبات الردعية التي مست عيّنة من التجار، كانت بمثابة درس واضح لكل من تسوّل له نفسه المساس بقوت الجزائريين – يشير الدكتور كورتل- وهو ما ألزم - بطبيعة الحال - كل التجار بتطبيق القانون، ومنه عودة الاستقرار إلى السوق الوطنية التي ظهرت جلياً من خلال وفرة مختلف السلع واسعة الاستهلاك في المحلات وبأسعارها المدعمة. بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي والمؤلف المهتم بالشؤون الإقتصادية، الدكتور سعيد سي عمارة، أن استقرار الأسعار الذي تشهده السوق الوطنية حالياً، والوفرة المسجلة في مختلف المواد واسعة الاستهلاك، بعد اجتياز فترة ضغط رهيب، ما هي سوى نتيجة للإجراءات التي اعتمدت من طرف الدولة، للحدّ من التذبذبات التي حصلت. وبحسب الدكتور سي عمارة، فإن السوق حلقة تجمع عدة فاعلين، بدءًا بالمنتج وصولاً إلى آخر مستهلك. وللمحافظة على توازن السوق، ينبغي الحفاظ على ترابط الحلقات، لأن أي خلل سيؤدي حتما إلى عدم توازن قانون السوق والمكرس في العرض والطلب، وهذا ما حدث بالجزائر الآونة الأخيرة، حيث فاق الطلب على المواد واسعة الاستهلاك بدرجة كبيرة العرض، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها، وخلق توترات في السوق المحلية والوطنية. مع العلم أن هذه التذبذبات لم تكن في الأصل سوى تجميد لكتلة محددة من العرض، بعدم إدراجها في التداول السوقي؛ لذلك اعتمدت السلطات إجراءات من أجل تحديد كتلة العرض والمتعاملين من منتج وموزع ومخزن ومستهلك؛ وذلك عن طريق مصالح الرقابة المؤهلة، على رأسها وزارة التجارة. ويوضح ذات المتحدث، أن تحديد حلقة الخلل والمتسبب الرئيسي في ذلك، قاد إلى وضع الأطر القانونية لاستدراك الوضع وتحديد المسؤوليات، من خلال سنّ قانون يجرم المضاربة والمضاربين، لتدارك الوضع وتفعيل قاعدة العرض والطلب تحت رقابة مصالح التجارة، أين تم وضع كل كتل العرض المجمدة في المخازن للتداول في السوق، مما أدى إلى انخفاض الأسعار نتيجة توفر العرض، الذي بدوره غيّر من نمط طلب واستهلاك السلع من طرف المواطن.