ما زال التّوتّر والقطيعة يطبعان العلاقات الفرنسية المغربية، بينما تسعى هذه الأخيرة إلى استجداء عطف باريس لترفع عنها غضبها الذي فجّرته سلوكات المخزن اللاّمسؤولة المنافية لكل القوانين والأعراف والأخلاق، خاصّة ما تعلّق بتجسّسه الذي طال مسؤولين فرنسيين، ولم يسلم منه حتى الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه. ورغم الجهود الحثيثة التي يبذلها المغرب منذ سنة لاستعاد علاقاته الطبيعية مع فرنسا، فإنه مازال يصطدم بجدار من الصمت الفرنسي، ما يؤكّد بأنّ خطيئته كانت كبيرة، وباريس غير جاهزة على ما يبدو للعفو عنه بعد الأضرار التي لحقتها منه. وحتى الآن فشل اللوبي المغربي بفرنسا في إقناع الرئيس إيمانويل ماكرون بالتراجع عن مواقفه المتشددة تجاه المغرب، وهو إلى حدّ الآن لم يعيّن سفيرا في الرباط، بالرغم من أنّ المخزن يروّج لتعيين كريستوفر لوكرتيي مدير "بيزنس فرانس" خلفا للسفيرة الفرنسية التي تمّ سحبها في سبتمبر الماضي، في خطوة عكست بوضوح حدوث شرخ كبير في العلاقات بين باريسوالرباط، كما أحجم ماكرون عن تحديد موعد لزيارة المملكة المغربية، ما يمثّل صفعة قوية للمخزن الذي وقع في شرك أعماله. ويجسّد استمرار الأزمة منذ صيف 2021 حتى الآن، الفشل الذريع للوبي المغربي في دواليب قصر الرئاسة الفرنسي ووزارة الخارجية ومؤسسات أخرى، ولم تنجح كل المحاولات بتقريب وجهات النظر بين المغرب وفرنسا، وفقد اللوبي المغربي في فرنسا القوة التي تمتع بها سابقا إبان حقبتي الرئيسين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي. ويعلّق الكاتب المغربي-الفرنسي، الطاهر بنجلون، بأنّ ماكرون لا يستمع لأي أحد في الملف المغربي، ونقلت جريدة "هسبريس" في نسختها الفرنسية أمس الأول، قوله إنّ "ماكرون أهمل علاقة فرنسا بالمغرب بسبب الخطأ السياسي. لكن ما يجب عليه فعله - كما يضيف - هو السعي لتطوير علاقات متوازنة مع جميع البلدان المغاربية"، واستحضر علاقات المغرب مع رؤساء سابقين مثل فرانسوا ميتران وجاك شيراك وساركوزي. ويرفض المغاربة التطرق إلى السبب الحقيقي للقطيعة مع باريس، فيتحدّثون تارة عن مشكلة التأشيرة، وتارة عن قضية الصحراء الغربية، لكن السبب الحقيقي الذي تتحدّث عنه الطبقة السياسية في فرنسا، هو تورّط المغرب في التجسس على الرئيس ماكرون بواسطة البرنامج الصهيوني"بيغاسوس"، وكيف اعتبر التجسس عليه طعنة من دولة صديقة وحليفة. ونبّهت جريدة "لبيراسيون" في افتتاحيتها، أمس، إلى أنّ ملفات التوتر مع المغرب كثيرة من الصحراء الغربية إلى التأشيرات ومسألة الهجرة، وتحتاج إلى جهد لتجاوزها. ولا تبدو في الأفق القريب على الأقل أي بوادر لإذابة جليد الخلافات، وتجديد خيط العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين باريسوالرباط.