تفرد الصحافة الفرنسية مساحات واسعة للأزمة الصامتة بين المغرب وفرنسا، والتي ظهرت معالمها أكثر مع تشديد باريس إجراءات منح التأشيرات للمواطنين المغاربة، وغياب أي اتصال رسمي بين قائدي البلدين على مدى الأشهر الأخيرة، بالرغم من إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته للمغرب الشهر المقبل، ولم تتوقف الأزمة عند الجانب الدبلوماسي، بل طالت الجانب الاقتصادي مع بدء شركات فرنسية في الانسحاب من السوق المغربية. بالرغم من التزام الصمت في باريسوالرباط، لم يتم الإدلاء بأي موقف رسمي ينفي مضمون تقارير حول وجود أزمة دبلوماسية بين الحليفين التقليديين، كما أنه لم تلتقط أي إشارات تؤكد سلامة العلاقات بين الطرفين، كوجود اتصالات بين مسؤولي البلدين خلال الفترة الأخيرة، في المقابل كل المؤشرات تؤكد أن منسوب الأزمة آخذ في الارتفاع، والذي يتمظهر في ملف التأشيرات، حيث قلصت باريس منحها للمواطنين المغاربة بشكل كبير طال حتى رجال الأعمال وسياسيين، وهو ما خلف غضبا كبيرا لدى الشارع المغربي، ومرد هذا الإجراء الفرنسي يعود إلى قضية المهاجرين الذين ترفض المملكة المغربية استقبالهم، شأنها شأن الجزائر وتونس. لكن مشكلة التأشيرات لم تكن سوى حلقة في عقد الأزمة بين البلدين، والتي تفجرت مع قضية "بيغاسوس" بعد أن اتهمت صحف فرنسية الرباط في جويلية 2021 باختراق هواتف شخصيات مغربية وأجنبية، من بينها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعديد من الشخصيات الفرنسية، عبر برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس". لكن الحكومة المغربية نفت في بيان هذا الاتهام، ورفعت في 28 من الشهر ذاته دعوى قضائية ضد كل من صحيفة "لوموند" وموقع "ميديا بارت" و "فرانس راديو" بتهمة التشهير، لكن القضاء الفرنسي حفظ الدعو... وهو ما ذهبت إليه جريدة "لوموند" في مقال لها حول تلبد سماء العلاقات بين فرنسا والمغرب، إذ أكدت أن "مواضيع الخلاف بين البلدين تتجاوز مسألة التأشيرات، حيث إن هناك قضية برنامج التجسس بيغاسوس وطرد الإمام حسن إكويوسن". لكن هناك أسبابا تبدو أقوى من قضية التأشيرات وبرنامج بيغاسوس، ويتعلق الأمر بقضية الصحراء الغربية، وعدم انخراط فرنسا في الاستراتيجية المغربية التي تم تبنيها، من خلال دفع الدول خاصة الأوروبية للاعتراف بمغربية الصحراء، وهي الخطوة التي لم تتخذها باريس إلى حد الآن، كما أنها رفضت أن تقوم بدور المروِّج للخطة المغربية أوروبيا، في وقت كانت الرباط تعول على الدور الفرنسي بالنظر إلى ثقلها أوروبيا. وحاول الملك المغربي محمد السادس أن يبعث برسائل إلى نظيره الفرنسي خلال خطابه الأخير بقوله: "ننتظر من الدول التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء أن توضح مواقفها بشكل لا يقبل التأويل"، وتابع: "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات". وكانت الرسالة موجهة إلى الحليفين فرنسا والكيان الصهيوني اللذين لم يعبرا عن دعمهما رسميا ل "مغربية" الصحراء الغربية. ونقلت صحيفة "لوموند" عن بيير فيرمرين، المؤرخ المتخصص في المنطقة المغاربية، قوله "إن السياسة الفرنسية المتمثلة في التواصل مع الجزائر تثير غضب المغرب. بالإضافة إلى ذلك، تتوقع المملكة أن تعترف فرنسا بمغربية الصحراء الغربية. لذا يجب وضع مسألة التأشيرات في سياق التوتر الشديد. إنها تقول شيئا عن القطيعة بين البلدين، عن الانفصال". وامتدت آثار الأزمة الدبلوماسية بين فرنسا والمغرب إلى الجانب الاقتصادي، حيث تعتبر فرنسا الشريك التجاري الثاني للمغرب بعد إسبانيا، بحسب وزارة الاقتصاد والمال المغربية، كما أن المغرب هي الوجهة الأولى للاستثمارات الفرنسية في إفريقيا، عبر أكثر من 950 فرع لشركات فرنسية توفر نحو 100 ألف فرصة عمل. غير أن هذا الوضع بدأ يتغير، إذ يشير تقرير لموقع "العمق" المغربي إلى أن عدداً من الشركات الفرنسية الكبرى تستعد لسحب استثماراتها ومغادرة المغرب، على رأسها شركة "ليديك" المكلفة بتسيير الكهرباء والماء والتطهير السائل في الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة. يأتي هذا بعد أشهر من إعلان مجموعة "جيرفي دانون" الفرنسية، التي تمتلك حصة ب99.68% في مجموعة "سنطرال دانون" لمنتجات الألبان في المغرب، استحواذها الكامل على ما تبقى من أسهم الشركة المغربية، في عملية فسرها التقرير الصحفي المذكور بأنها "إعداد لانسحاب سنطرال دانون من بورصة الدار البيضاء". في ذات السياق، توصل بنك "مصرف المغرب"، التابع للمجموعة الفرنسية "كريدي أغريكول"، إلى اتفاق مع مجموعة "هولماركوم" المغربية، تستحوذ بموجبه الأخيرة على حصص الفرع المغربي للمجموعة الفرنسية، حسب ما أُعلنَ في بلاغ شهر أفريل الماضي. وفي السياق نقلت صحيفة "هسبريس" عن مصدر مطلع أن السفيرة الفرنسية بالرباط هيلين لو غال ستغادر منصبها نهاية سبتمبر الجاري، على خلفية "الفتور الدبلوماسي" بين الرباطوباريس بسبب قضية الصحراء. وأبلغ المصدر المطلع النسخة الفرنسية من صحيفة "هسبريس" الإلكترونية بأن هيلين لو غال كُلفت ب "مهمة دبلوماسية جديدة من قبل قصر الإليزيه، حيث ستكون مسؤولة عن الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي". ورأت الصحيفة الإلكترونية المغربية أن هذه الخطوة تأتي "في ظل التوتر السياسي بين فرنسا والمغرب، خاصة بعد إقدام قصر الإليزيه على تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة، ما تسبب في غضب اجتماعي عارم على باريس".